رشيد كَرمة

 

 

تأريخ العراق .....

رشيد كَرمة

وصلني في الأسبوع الماضي إعلان يفيد بأن محاضرة عن الآثار( الموجودة ) في المتحف العراقي ستقام في إحدى صالات المدارس العليا في مدينة بوروس وباللغة الأنجليزية وسيكون المحاضر الدكتور دوني جورج رئيس الهيئة العامة للآثار ومدير المتحف العراقي الذي تأسس قبل ثمانين عاما .
وكان المخرج السينمائي العراقي الواعد والجاد ( شاكر تحرير ) قد أنبأني بأن محاضرة عن الآثار العراقية المنهوبة قد أقيمت فعلا في مدينة يتبوري وحضرها كادر الثقافة في الحكومة السويدية التي وجهت الدعوة الى الدكتور دوني جورج لألقاء عدة محاضرات في الجامعات والمدارس العليا في عدد من مدن السويد لتسليط الضوء على ( جريمة القرن ) * ,ورغم أهمية المعلومات التي أوردها المحاضر ورغم حاجتنا الى هذا النوع من الإعلام العالمي حول طريقة ونوعية الجريمة التي تمثلت بتحطيم ونهب آثار الإنسان في مختلف المراحل التأريخية , ألا انني أرى ان هناك حاجة ماسة لتعريف الجالية العراقية ذو الأغلبية ( الخاملة والكسولة ) لأنها صاحبة المسؤولية عن حراسة هذا الجانب من الفكر الإنساني والذي يمثل تأريخ البشرية ولاغرابة في القول ان العراق مهد الحضارات حيث منجزات الإنسان في العصور البابلية والأكدية والسومرية.
إن آثارا تعود الى 5000 و 7000 عاما قبل الميلاد مؤشرا على ان حضارة كانت قد أنجزت ولعل مسلة حمورابي واحدة منها (( لم تمتد إليها يد النهب، فهي نسخة جبسية منقولة عن النسخة الأصلية الموجودة في متحف اللوفرالفرنسي،))!!!!
لاشك ان أهمية النوادي الثقافية والإجتماعية والسياسية وألإقتصادية والتجمعات العراقية تكمن في غرس الوعي المعرفي الذي تعرض للشلل إبان دكتاتورية البعثيين والواجب الوطني والإنساني يدعونا لأن نعيد بناء أهم المكونات في هذا العالم وأعني الإنسان لأنه الأرقى بين كل هذه المخلوقات وطبقا لهذا نسعى الى حشد كل الأمكانيات والجهود الى تعبئة الجالية العراقية نحو كل ماهو مفيد , ومن هنا تبدأ الخطوة الأولى للإنسان ( الفرد ) في الفعل الجماعي لدرء خطر الدكتاتورية أيا كان شكلها وبهذه المشاركة في صنع القرار والمراقبة نستطيع حماية ممتلكاتنا من حالات النهب التي تجري جهارا نهارا ومنها آثارنا فهي كنز لايقدر بثمن إذ أقام الإنسان الأول أكثر من حضارة في وادي الرافدين , ولعل بقية التنقيبات لازالت في باطن الأرض تنتظر من يخرجها الى النور , فهي بالتالي كنزا لكل الأمم والشعوب ,
ولعل المنظمات العالمية ومنها اليونسكو معنية بالأمر شأنها شأن بقية المنظمات العالمية التي يهمها المحافظة على الآثار العالمية في أي مكان على كوكبنا الأرضي .
ولضيق الوقت إستطعت الإتصال مع إحدى مساعدات الدكتور دوني جورج والتي أوصلتني بشكل وآخر بمقر إقامته بغية ترتيب أمسية ثقافية للنادي العراقي في بوروس يلتقي فيها مع الجالية العراقية ويحاضر فيها باللغة العربية لأتمام الفائدة ولتشجيع الإهتمام بما حصل ويحصل للعراق وخصوصا في هذه المرحلة التي تنشأ فيها أكثر من ( طالبان ) ولكن هذه المرة عربيا عراقيا , ومن سوء الطالع ان يتبؤ وزارة السياحة والآثار العراقية في حكومة المحاصصة الطائفية من يرى ان هذه الآثار بدعة شأنها شأن تمثال ( بوذا ) الذي دمر في أفغانستان على يد ( طالبان افغانستان ) !!؟؟
وعبر الهاتف شددت على يد رئيس هيئة الآثار العراقية وباركت له همته وعمله من أجل إستعادة ماسرق ومن أجل سلامة الوطن الذي يحتاج لجهد ابنائه وبناته الشجعان ومنهم العراقي دوني جورج الذي حمل حقيبته وآلآمه الى مختلف بقاع الأرض بغية شحذ الهمم وتعلم التجارب وطلب المعونة لصيانة المتحف العراقي ومخطوطاته التي تعرضت للتدمير ,
ولقد بكينا على الهاتف بحرقة ماآل اليه الوضع في عراق التآخي والمحبة والوئآم وانهينا مكالمتنا على أمل اللقاء الذي تم عصر ذالك اليوم بحضور عدد من العراقيين والعراقيات الذين يستطيعون التحدث باللغة الأنجليزية ,,وكم سعيت وكم تمنيت على طلبتنا من الحضور لتلك الأمسية ولكن للطلبة ظروفهم وأهوائهم !!!!!
ولقد إستهل المحاضر بالشكر لوزارة الثقافة السويدية لإتاحتها الفرصة للقاء الشعب السويدي بغية الإستفادة وطلب المعونة التكنولوجية والآليات الخاصة للآثار وما شابه ومن ثم عرض موجزا موثقا عبر السلايدات ما تعرض له المتحف منذ سقوط الصنم في 9 نيسان عام 2003 وحتى هذه اللحظة :
ولربما هناك الكثير من الأسرار التي لم يبح بها ولكن لكل حادث حديث )) ))

عندما دخلت القوات الأمريكية.. مدينة بغداد، في اليوم الأول والثاني لم يحدث أي شيء. لكن مع الأسف ترك المتحف بدون حماية، وعلى إثر ذلك دخل ناس متنوعون إلى المتحف. وبحسب النتائج التي رأيناها لما قاموا به، فأنا شخصيا أقسم الناس الذين دخلوا المتحف إلى ثلاثة أنواع: النوع الأول، وهم الناس العاديون، الذين دخلوا ( مكاتبنا ) مثلما دخل غيرهم إلى كل دوائر الدولة.. أخذوا ما أخذوا من أثاث وأجهزة ومعدات وحاسبات.
النوع الثاني دخلت إلى ( قاعات المتحف العراقي ). والمجموعة الثالثة دخلت إلى (مخازن المتحف العراقي ). هاتان المجموعتان، بعد التدقيقات التي أجريناها، ثبت لنا أن لديهم معلومات دقيقة عن الأماكن، التي دخلوها، وهم على دراية جيدة بالآثار أيضا. وهم مهيئون للدخول إلى هذا المكان !!!!!!!!!
فالجماعة ** التي دخلت إلى قاعات المتحف ( لايعرف عددها ) كسروا شباكا نحن أغلقناه منذ سنين. وفي مكان لا يشاهد من الشارع العام. أعني شباكا مبنيا بالطابوق الزجاجي، بنيناه منذ سنين.. كسروه.. ودخلوا إلى القاعات وكان معهم قاطعات الزجاج لقطع خزانات المتحف الزجاجي، لتصورهم أن الآثار ما زالت في الخزانات الزجاجية.
دخلوا وعندهم دراية جيدة بالآثار الموجودة في المتحف العراقي، لأنهم مروا مرور الكرام على نسخ جبسية موجودة لدينا في المتحف.. لم يلمسوها أبدا. إذن عندهم دراية كبيرة بالآثار، ويعرفون جيدا أن القطع الأصلية موجودة في الداخل، وأن النسخ في الخارج.

وهذه المجموعة دخلت إحدى القاعات، وكان عندنا خزانة على الحائط فيها نماذج من الطابوقات المختومة بتواريخ بناء البنيان، الذي استخدمت فيه الطابوقات.. نحن وضعناها هناك من أجل التأريخ للبنيان، ولكي نظهر كيف كان تأريخ الأبنية بهذه الطريقة، بختم الطابوقات، منذ زمن السومريين إلى زمن الرومان. فدخلوا واختاروا تسع قطع من هذه الطابوقات اختيارا.
ولقد ذكر دوني جورج للصحافة حينها بأن ماحدث هو اعتداء غادر على هذا المركز الثقافي الكبير، حيث اننا فقدنا 32قطعة من القطع الأثرية المهمة جداً، واحدة منها أُعيدت قبل فترة ( إناء الوركاء النذري ) وهي من القطع الفريدة في العالم، و مع الأسف فلقد تمكن اللصوص من أن يقتحموا ويكسِّروا أبواب بعض المخازن الموجودة في المجمع المتحف، وأخذوا منها 15000 تحفة أثرية ومعلم حضاري __ تمكنا حتى هذه اللحظة من إستعادة 3709 ونأمل من إسترجاع ماسرق وهرب الى مختلف دول العالم ومنها الكويت والسعودية والأردن والمانيا وفرنسا وامريكا ناهيك عن إيران التي تمتنع عن أسئلتنا بهذا الخصوص؟؟؟
وفي السياق نفسه ذكر المحاضر عن غلق باب المتحف امام الزوار نتيجة الوضع الأمنى المنفلت وخشية تعرض المزيد من الخسائر التي طالت بعض الآثار الفنية التي شكلنا على إثرها ورشا فنية ذو خبرة في الترميم لمعالجة الكسور التي أصابت بعض الآثار ومن بينها ( الأسد ) الذي هُشم رأسه، ويعود تاريخه إلى العصر البابلي القديم، وإناء الوركاء النذري، الذي يعود تاريخه إلى نحو خمسة آلاف سنة قبل الميلاد، ولقد ضبطت بعض الآثار المسروقة وهي في طريقها إلى التهريب نحو تركيا وإيران، أما القاعة الآشورية الكبرى فظلت سليمة في معظمها، وتضم القاعة منحوتات ضخمة من قصر الملك الآشوري (سيرجون الثاني) وثوران مجنحان برأسيين بشريين، وهما من أكبر التماثيل المعروفة للثيران المجنحة، ويزن الواحد منها 38 طناً، وستُعرض في هذه القاعة الكبرى أوائل الشهر القادم بعض الكنوز الأثرية المسترجعة.
اقتفاء أثر الكنوز المنهوبة وترميم القطع المهشمة مهمة عسيرة، لكنها ليست مستحيلة، بيد أن الأمر قد يستغرق أشهراً وربما سنوات قبل أن يعود للمتحف إرثه الحضاري، الذي هو إرث ليس للعراق فحسب، بل للبشرية جمعاء. ***
إناء الوركاء النذري , إناء فريد من نوعه ,أكتشف في معبد الوركاء في الحقبة السومرية 3200 عام قبل الميلاد وهو يحكي قصة الإنسان والخليقة حيث كان في الأول الماء والنبات ومن ثم الحيوان والإنسان، وفوق الكل الآلهة، وبفلسفة سومرية رائعة جداً متمثلة في النحت الرائع الموجود في هذا الإناء، هذا بالنسبة للقطع الفنية الرائعة التي إسترجعت.
لم يمتلك بعض العراقيين والعراقيات وكذلك بعض السويديين الذين حضروا هذه الأمسية إلا الدموع والعبرات على تعرض العراق ( كله ) للسرقة ومن ثم للقتل !!
ولقد تحدثت الأخت ( هند ) بحرقة وبشوق عارم لأستعادة ما سرق وعن سعادتها للقاء حارس عراقي أمين كالدكتور دوني جورج الذي يسعى للحفاظ على ماتركه بني البشر من آثار خالدة تشكل ذاكرتنا جميعا , ولقد سألت عن هوية اللصوص ؟
بينما سأل الأخ ( ابو جون ) عن إمكانية إستحداث وزارة خاصة للآثار ؟ وهل هناك خطوات جادة وفاعلة لحماية الآثار ؟ وماذا بشأن الحقبة الآشورية وآثار نمرود ونينوى التي تقع في كردستان العراق ؟ في حين سأل كاتب هذه السطور عن الأضرار التي لحقت بآثار بابل ؟ وهل ستنجوا نصبنا الرائعة ( كنصب الحرية ) من أيادي العابثيين ؟
أسئلة بحاجة الى أجابات واضحة وصريحة في هذا الطوفان الدموي الذي يعصف بالعراق الذي تلتهمه الخرافة والجهل في ظل حراب مسمومة أعدت بعصبيات المذهبية والطائفية والقومية .
آمل ان أستطيع العودة الى إجابة الدكتور دوني جورج في محاضرته القيمة في المدرسة العليا في مدينة بوروس / السويد في القريب العاجل .

---

* جريمة القرن ::تعبير أطلقه دوني جورج يوم استبيح مبنى المتحف العراقي
** منذ ان سلط الإعلام العراقي والعربي والعالمي الأضواء على جريمة القرن تكاد تصريحات المسؤولين العراقيين بخصوص ذلك متوحدة , فلربما تجدون سياق القصة لايختلف عند صحفى أو كاتب آخر ...لذلك إقتضى التنويه
*** كان لتصريحات المسؤولين الأيطاليين وسلطات الأنتربول ومنظمة اليونسكو الأثر الكبير والواضح على معنويات الآثاريين العراقيين بخصوص أهمية الآثار وحمايتها فالخطر قائم ولا زال في خضم الممنوعات والمحرمات ؟؟؟؟؟؟