| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

رشيد كَرمة

rashid_karma hotmail .com

 

 

 

الأربعاء 23/12/ 2009

 

 " عاشوراء الحسين " من وحي كرنفال الكربلائيين
(1)

رشيد كَرمــــــة 

في سماء العباسية الشرقية سحرٌ لا زال يغطي كل أرصفتها وأزقتها الفقيرة وكأنما يراد لها ان تبقى هكذا آثاراً خالدة تغور دون أن تفصح بأسرار الناس من كل الأجناس. بعض (الدرابين) في هذه المحلة التي "كان" يطلق عليها يوما ما موسكو الصغيرة أضحت أكثر ضيقاً,وكأنما توحي بضيق حلمنا الإشتراكي الذي إرتبط بشكل وآخر بواقع حال تجربة اكتوبر الروسية. لاشك ان البيوت في كل أنحاء هذه المدينة رممت من جانب ساكنيها الجدد، ألا أنها تحمل بشكل وآخر بصمات مالكيها القدماء,الجيل الجديد أبناء الريف والأطراف البعيدة الذين حلوا محل أبناء المدينة لم يستطيعوا حتى هذه اللحظة الإنفلات من الماضي عبر البناء العمراني " تقارب السطوح والجيرة الحتمية ,,, العباسية الشرقية - الكربلائية الإنتماء - والملتزمةُ بقضايا الظلم في كل أنحاء العالم فضاء يستوعب الجميع. مابين بستان عبد الواحد وشارع الكمرك القديمين يقع زقاق أممي دون أن يعي أحدا ذلك عرب وإيرانيون وأتراك وأفغان وهنود من السند يهود ومسيحيون ومسلمون سنة وشيعة وما بينهما من فرق وجماعات وقلة من الملحدين, خمسون بيتاً بين صريفة من أشجاروسعف النخيل (بيت ام نجم) (1) وبيوت أنيقة من طابوق فاخر وبيت إقتسمه أهله للسكن والصناعة والتجارة (بيت "العمو" وزينب أم إبراهيم ورضية الجميلة) و (بيت البَرّام), أنتجَ هذا الزقاق نسوة رائعات تقدمن المسيرات والتظاهرت تعاطفاً مع الجزائريين والفلسطينيين،شيوخ وفقهاء وروزخونية أشهرهم (عبد الزهرة الكعبي) (2) المشتهر بصوته ولحنه وأدائه كقارئٍ وراوية لمقتل الإمام الثالث للشيعة الحسين بن علي بن ابي طالب شهيد الحرية في واقعة تأريخية صنعها الإنسان ولم تأتي من غيب!كما أنتج الزقاق أساتذة في العلوم,والهندسة ومناضلون وطنيون و شيوعيون ورياضيون,وعمال كسوا أغلب شوارع مدينة كربلاء بالقير ومنحوا لقب بيت (الكَيار) كان الزقاق ملاذا لعوائل نجيبة فرقتهم عن أحبتهم معتقلات البعث الفاشي مثل (نقرة السلمان)، هو زقاق (العمة عليا) كانت بمثابة مختار الطرف و(سعدية) شقاوة الطرف,لا أنسى لحظة هزءها بمدير شرطة كربلاء حيث بصقت عليه بعد أن قبضت على (خصيتيه) أمام إستغراب وضحك صبية ونسوة الحارة وشرطته عندما جاء ليلقي القبض على أحد أبنائها، هو زقاق الحاج عيسى وشاكر المضمد حاملي لقب (اطباء وجراحي ) الحارة,في هذا الزقاق تزوج ابن الناصرية (كامل) من الأيرانية (خيرية),وعشقت (عُبيسة العمارية إبن الأصفهاني) وتزوجت التركية من السندي, وتحابب إبن الجيران الرياضي مع بنت الجيران (ف) وتبادل الجميع اوراق وعهود الوفاء سراً ومن نظرات العيون ومن تحت العباءة العراقية مر السلام ورُميت القُبلة وإن ثمة فرصة سنحت فلا بأس أن تكشف الصدر المكتنز والمتلهف. زقاق أُضافت له (المُله مدينة) (3) شيئا من وقار، دون خشية الأطفال من ممارسة لعبهم الكرة حيث ينصب أحد الأهداف قبالة بابها في حين يكون الهدف الثاني أمام بيت "أبو الهريم "- كان الرجل إيرانياً ولا يحسن لفظ حرف الحاء وكان يمنعنا من اللعب ويقول هذا بيت الحريم ، هذا الطرف النائي من مصادر المياه الوحيدة في كربلاء (نهر الحسينية) الذي يقع في (باب بغداد ) نشأ وترعرع (عبد الزهرة عبد الحسين السعدي) (4), كان من ضمن الطلبة المتفوقين في أخريات المرحلة الإعدادية بداية ستينات القرن المنصرم,ولظروف إجتما- سيا- إقتصادية غادر مقاعد الدراسة.. نشأتُ في بيت لم يبعد عن دار سكنه إلا أمتاراً, دارهم الذي يضم شقيقتان (5) وأم خجولة لم تشأ الإختلاط كثيراً بالجيران وأب كادح ٌيعاني من ضعف البصر لا يشبه دار أحد, بابٌ خشبية ضيقة (6), تفضي إلى ممر مظلم ضيق طوله أكثر من عشرة أمتار, زاده ضيقاً حديد سكراب السيارات،رغم أن الزقاق قلما يشهد سيارة أو مركبة ميكانيكية يعكر او يخترق أحلام المراهقات والمراهقين وذويهم وجلهم من ذوي النية الحسنة (إلا) شرطي المكافحة والإجرام (مُحَمّدْ) ذو الوجه المجدر (7) زرعته الشرطة العراقية في منتصف الزقاق الذي إستضاف (علي) زوج أول شهيدة قتلت برصاص (الحرس القومي) في بغداد عام 1963.بعض بيوت الزقاق تًخلى تماما من ساكينها كي تستقبل (الأنصار) من الأعظمية والرميثة وطوز خورماتو, وكرنفال المحلة جزء لا يتجزأ من كرنفال الكربلائيين،حيت تعلق إعلانات ضوئية حمراء اللون على واجهة البيوت خطت بالكوفي (ياحسين ياشهيد).

الجزء الثاني قادم 
 

السويد  23/12/ 2009


الهوامش :
(1) نجم عامل الفرن ساكن الصريفة والوحيد بين شقيقاته أعدمته سلطة البعث الهمجية .
(2) عبد الزهرة الكعبي قارئ مقتل الحسين المشهور أعدمته السلطة البعثية الهمجية بسم الثاليوم , وكان رجلاً عراقياً شهماً وقومياً ناصرياً أكثر من رجل دين.
(3) الملة مدينة (اسمها مدينة وهي قارئة تعازي وأفراح ومواليد) نقصدها في اي حاجة لنا نحن صبية وصبايا الزقاق.
(4) عبد الزهرة عبد الحسين السعدي (كان والده يناديه جنجون) وعبد، غلب عليه لقب عبد الزهرة الشرطي لأنه خدم في الشرطة العراقية في سراي كربلاء, متعدد المواهب والقراءات ,أقام معرضاً للرسم في ممر دارهم الضيق , إداري رياضي , ورادود حسيني في عزاء سوق النجارين, وشاعر عزاء العباسية الشرقية المعروف, أعدمته السلطة الهمجية البعثية في الثمانينات.
(5) توفى ابو عبد الزهرة كمداً على إبنه الوحيد وكما رحلت أمه بالسبب نفسه وفارقت الحياة (الشقيقة عليا) في إنفجار الإرهابيين البعثيين والأسلاميين في أول إنتخابات عراقية بعد عام 2003 أتمنى للأخت (خديجة السعدي) أم يشار ، الشاعرة العراقية الجادة والصحفية وألأخت الكبيرة للراحل الشهيد عبد الزهرة الصحة ,وأملي اللقاء في الزقاق نفسه.
(6) بعد مضي ثلاثون عاما بالتمام والكمال أتاح لي رحيل الهمج بزيارة الزقاق , ووجدت باب بيت العائلة المذكورة مقفل بسلاسل وكأنما بيت ملئ بالأسرار !!!
(7) شرطي أمن ,من مكتب أو شعبة مكافحة الشيوعية ، كنا صبية نتحاشى النظر اليه لقبحه وخشية أن نصاب بعدوى الجدري , واجزم أنه الوحيد الشاذ في الزقاق.

 


 

free web counter