| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

رشيد كَرمة

rashid_karma hotmail .com

 

 

 

الثلاثاء 18/1/ 2011

 

 كنتُ في تونس *
(1)

رشيد كَرمــــــة 
 

كنت في تونس ,فلم أجدها خضراء ,بل صفراء ومغبرة,عدا نضال المسرحيين والكتاب والفنانين والتشكيليين والشيوعيين والديمقرطيين من رجال ونساء عمال وكسبة وفلاحين حفاة والذي يعكس لون حمرة الدم بما في العبارة من معنى في ظل حمأة التراجع الفكري نحو الغيبيات (الدين) الذي يعم العالم بدرجات تتفاوت بين هذا البلد وذاك ولكن مكمن الخطر في التراجع المغالى فيه ـ الدول الإسلامية ـ ومنها البلدان العربية وتونس مثالاً حيث الضد الديني ,ليس ممثلا بالرئيس الهارب والمخلوع بن علي وعائلته وبطانته وحزبه,وإنما في طبيعة الشعب التونسي,الذي اكتوى بالرئيس والقائد وألأب "بورقيبة "مدى الحياة من جهة والفاقة الإقتصادية وإنحداراتها من جهة ثانية والأهم نضال الشغيلة من عمال وعاملات وطموحهم الأول والأخير الحرية,وفضح زيف السلطة وإن إدعت العلمانية وزيف الدجالين وسلطتهم الغيبية وإن إدعوا العدالة .

جلست بمقعدي في قطار برفقة غير مخطط لها مع إمرأة أربعينية ذات حجاب مكروه, ما أن شاهدتْ ما أقرأ ** حتى أخرجت كتاب المسلمين القرآن بحركة مسرحية مقصودة وبدأت تولول وكنت قد خرجت للتو من مسرحية أعدها وأخرجها طلاب أكاديمية المسرح التونسي في منطقة (حمامات) ولعل النص المسرحي الآتي مناسبا لحال أهلنا في العراق , بالرغم من عرضه ومسرحته في تونس . إذ يعاني أهلنا الأمرين ,في كل مفصل من مفاصل الحياة , فمن انعدام الأمن وإستشراء الفساد في أجهزة الدولة التي تقودها حكومة ذات إتجاه ديني طائفي, توافقوا على المحاصصة في المغانم الى إنقطاع كهربائي مزمن , والى وساطات وتزكيات من أجل التعيين في وظائف عامة هربا من بطالة كادت أو باتت تقتل شبيبتنا .... الى لقمة الخبز الشحيحة . وإلى تضييق للحريات العامة وإكراه للمرأة وتطلعاتها وعودة لسطوة السلاح ضد الأدباء العراقيين ولكن بزي إسلامقراطي مستنسخ من بعثٍ فاشي مقبور!!! النص ليس له عنوان كما انه ينتمي الى المسرح الإيمائي , اي ان كل شئ في المسرحية يتم عبر الإشارة , وتكون جملة وإلقاء الممثلين والممثلات هي الحركة ومطاوعة تعبير الوجه ومجانسته الموقف لذلك يلعب الجسد دورا ً رئيسيا لأملاء الفراغ الصوتي إن جاز التعبير.

شخوص المسرحية : نادل المطعم ,شابة أنيقة تعلو وجهها إبتسامة عذبة , وذات هندام أنيق يفرج عن نهدين منتفضين جميلين, وقوام رشيق وزبون متوتر في كل شئ ولكنه شجاع ويحب ( التجربة ) غير هياب ٍ يتحدى ولكنه متردد . . أثنان من "الملائكة ***  يتناوبان على منازعة وضبط سلوك الزبون.

الديكور عدد من الكراسي في وسطها منضدة طعام في جزء من مطعم ( غربي ) موسيقى هادئة وستائر صفراء فاتحة اللون وجدران مطلية بلون وردي
يدخل الزبون بترقب وحذر متلفتا في كل الإتجاهات وموحيا لمن يراه بانه ليس غريبا ً على إرتياد هكذا أماكن , ولربما يريد ان يوحي الأكثر , من خلال عدم اهتمامه بالأشياء المحيطة .
يأخذ مكانه في الكرسي الأوسط وجهه الى الأمام المقابل للجمهور وامامه منضدة تتسع لكرسين آخرين أحدهما على يمينه والآخر في اليسار..... تقترب منه نادلة المطعم , بابتسامة ٍ ترجمها في غير محلها!! , ناولته بأدب جم وبطريقة لا تخلو من تبجيل ,قائمة الطعام , وسرعان ما أشر َ لها ما يريد , إختفت برهة ثم عادت له بطبق من المعكرونة الإيطالية , تفوح منه رائحة التوابل , والبخار المتصاعد من الطبق يدلل على سخونة الطعام , تتركه لوحده في صالة المطعم ليهنأ بالوجبة اللذيذة الشهية , وما ان يَهُمَ بالأكل حتى يظهر له أحد الملائكة ملوحا له ان يمتنع عن الأكل قبل ان يختفي , بدأت عليه علامات الرعب والتعجب , محاولا إبعاد الطبق من امامه , ولكن سرعان ما ظهر ثانى الملائكة متوددا له  وباعثا ً الطمأنينة له ومقربا ً الطبق اليه ومودعا الزبون بابتسامة الرضا قبل الإختفاء , عاد الهدوء الى الزبون وهَم َبالأكل وإذا بالملاك الأول يمنع ثم يختفي ويحذر ثم يختفي وينذر بأشد العقاب والحساب ان هو صمم الأكل قبل ان يختفي ويظهر الثاني معتذرا ً ومسامحا بتودد وابتسامة وراجيا له الشروع بالأكل قبل ان يختفي ومكررا المحاولة في كل ظهور , وما بين هذا وذاك يحاول الزبون ولو تذوق الطبق لمرة واحدة ولكنه ومن شدة تكرار العملية واستحالة الأكل والتلذذ به يصل الى ذروة الهيجان العصبي, ثائرا ً وواقفا ً مبعداً الطبق عنه وهاما ً ومسرعا ً بالخروج من المطعم في هذه اللحظة تظهر الملائكة عند منضدة الطعام وجها لوجه ينظرون الى الطبق والى بعضهما البعض ويقررون المصافحة وعندها يشرعون وعلى عجل الأكل بنهم ٍ لا مثيل له مكشرين عن ضحكة صفراء كلون الستائر التي تسدل على المسرح ......

مدة العرض 12 دقيقة في مسرح صيفي يقدر عدد الجمهور اكثر من 500 متفرج اكثر الجمهور كان من غير العرب , عمال المسرح من مخرجين وكتاب ومدربين وديكور واكسسوار من اساتذة وطلبة ومعيدين ومدرسين معهد واكاديمية الفنون الجميلة , الفرق المسرحية التونسية لا تتقاضى من الحكومة أجرا ًعلى نشاطها وهي غير مدعومة من الدولة , لذا هناك إتفاق بين هؤلاء وبين اصحاب المرافق السياحية بشأن الأمور المالية , في كل مرفق سياحي عمل مسرحي أو أكثر لذلك فاتني حضور أكثر من عمل ممتع .... تحية لكم يا عمال المسرح اينما كنتم .

 

الهوامش
* ثلاث مقالات كنت في تونس.
** الكتاب الذي كنت اطالعه للمؤلف (عزيز العظمة) دنيا الدين في حاضر العرب.
*** الملائكة وهم تأريخي أنتجه خيال الإنسان.


18 كانون الثاني عام 2011 السويد
 


 


 

free web counter