| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

رشيد كَرمة

rashid_karma hotmail .com

 

 

 

                                                                                   السبت 14/1/ 2012

 

تغييب الناس عن الواقعية يعني تغييب الوعي

رشيد كَرمــــــة 

إلى روح الشهيد الشيوعي المناضل عبد الحسين عباس (*) المولود في كربلاء العراق الملقب بـ(دعوجي) وإلى روح شقيقه الراحل المكافح الجاد والمناضل الشيوعي الناضج والجرئ المولود في كربلاء ، عبد الأمير عباس ..
إلى روحيكما، وإلى كل الشهداء الشيوعيين العراقيين ومنهم الكربلائيات والكربلائيين الذين عاصرتهم وألفت معهم الطريق دون وحشة كل المجد والفخر، وستبقى ذكراكم ما حييت..

في منتصف السبعينات من القرن المنصرم، وفي مثل هذه الأيام (الأربعينية ) كما إعتدنا تسميتها في كربلاء نسبة إلى اليوم الأربعين بعد موقعة الطف المعروفة التي إستشهد فيها (الحسين بن علي بن أبي طالب) كنا مجموعة من سالكي طريق الشعب,الأحياء منهم قليلون. كنا نتأبط الكتب القيمه - الإقتصاد السياسي ، ورواية الأم (2) وحوارنا الدائم المستمر والعاتي كان في زحمة المكان والناس ، بكيفية النهوض بالوعي الفكري والإجتماعي والسياسي مقابل الإسفاف الذي ينشره المتطفلون والأميون ؟ ومشروع مسرح ملتزم كالذي إقترحه المثقف الكربلائي (محمد علي الخفاجي) أمنيتي له بالصحة والعمر المديد والحديث عن (الحر بن يزيد الرياحي).

كنا نتداول قضية (الحسين) ومأساته عبر الكلمة النيرة بقراءة ٍ تأريخية متقدمة عن البطولة والفداء والإلتزام عبر كم من الشعر للجواهري (3)، وسعدي يوسف (4) بالضد من هجمة وطرح الروزخونية الذين يستسهلون عواطف الناس وعويلهم ، وتخديرهم ومن ثم تغييبهم..

إلتقينا ودون موعد لقاء وسط زحام شديد بعمال وفلاحين وطلاب ومثقفين وكسبة فُتحت لهم بيوت الفقراء بأجورٍ رمزية ودون أجر ورِشى معظم الأحيان, أكراد وتركمان , وإيرانيون وأفغان, وعرب من أمصار البحرين والحجاز, ومن الهند والسند وسواهم ، يحدوهم نموذج الأممية في التضامن مع المظلوم ضد الظالم ورص الصفوف من أجل الحرية ونمو الوعي لقيمة الإستشهاد، دون اللجوء للتخندق الطائفي والتعصب للقومية ، كما هو حاصل اليوم . هكذا كان الوعي السائد ، رغم كم الدجل ونوعيته ، وكم البدع والخرافة وأصلها ومنبعها، كان وعينا أكبر منا ويقترب من التصوف في رفض سلطة الحاكم والمال والجنس .

كنا نناقش دون وجل أو خشية من أحد خزعبلات من يتاجر في قضية إستشهاد الحسين والحلاج وسواهم. بل كنا نهزأ من كثير من المعممين الذين تروّج بضاعتهم السيئة في مثل هذه المناسبات!

كان المعمم رزاق الأعمى (5) وهو إبن حارتنا في العباسية الشرقية، ويعرفنا وعوائلنا فرداً فردا يقول : ليت كل الأيام مثل عاشوراء. وكنا نقول له : هذا فأل سيئ , وبئس الأمنية ، وعسى الله أن لا يسمع دعاءك . يرد علينا ويريد إستفزازنا : ارتاحت عوائلكم من الطهو والشراء ويضيف : هذا هو زاد أهل البيت, هذا زاد الحسين. وهو يعلم أن (الحسين بن علي) قُتِلَ فقيراً وجائعا وعطشاناً. ويصرخ بأعلى صوته : عودوا إلى رشدكم يا كفرة!

صمتنا جميعا (إلا) المرحوم (عبد الأمير عباس) حيث قال لـ(رزاق الأعمى): شيخنا كان الغداء جيداً في الحسينية النجفية , وكان العشاء ممتازاً في موكب الكاظمية, (لو الريوكَ) أي يكون الحال افضل وأجود وأحسن لو توفر الفطور الصباحي .. شَتَمَنا عمنا الشيخ, قائلاً بمرارة :ـ " مصيرلكم جارة " أي يستحيل صلاحكم!

يذكر (ابو الفرج الأصفهاني في أغانيه) أن الشاعر الكفيف (بشار بن برد) مرَّ بقاصٍ في البصرة يقول : من صام رجباً وشعبان ورمضان بنى الله له قصراً في الجنة ، صحنه ألف فرسخ في مثلها ، وعلوه ألف فرسخٍ وكل باب من أبواب بيوته ومقاصيرة عشرة فراسخ في مثلها. قال : فإلتفت (بشار بن برد) إلى دليله فقال: بئست والله الدار في كانون الثاني.


الهوامش
(1)
عبد الحسين عباس (دعوجي) سقي السم من دوائر أمن المجرم (صدام حسين) وهو شيوعي عراقي كربلائي أصيل.
(2) الأم رواية إنسانية من تأليف الروسي العظيم "مكسيم كَوركي"
(3) الجواهري ، من قصيدة آمنت بالحسين:
ورعيا ليومك يوم الطفوف وسقيا لأرضك من مصرع
وحزنا عليك بحبس النفوس على نهجك النير المهيع

(4) سعدي يوسف :لقد قتلوك ياطفل عبد الله من ظمأ ، كنا نغينها معا للناصرية.. للناصرية .. تعطش وأشربك ماي .......
(5) رزاق الأعمى , بائع كفيف يلبس الزي العراقي " العقال واليشماغ" متجول على عربة ,يتفرغ في مناسبة عاشوراء والأربعينية ليلبس العمة البيضاء ويشيع الدجل والخرافة والبدعة لأنها تدر عليه ربحا كثيراً!!

 

السويد 14 كانون الثاني 2012

 

free web counter