|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  8  / 3 / 2016                          راهبة الخميسي                                   كتابات أخرى للكاتبة على موقع الناس

 
 

 

أمنيات مؤجلة

راهبة الخميسي
(موقع الناس)

للمرأة العراقية الصابرة أمنيات بغد مشرق، ولآذار جديد يحمل لها بشائر الخير.
تمر الاعوام وتتوالى المناسبات، والمرأة العراقية باقية بين مطرقة وسندان أكلهما الصدأ،وتضيع ما بين ماجدات الحكم الديكتاتوري المقبور وما بين مجاهدات الدواعش، يطاردها اليأس بتحقيق آمالها المؤجلة التي تذوي جذوتها وتنطفيء عاماً بعد آخر.

لقد سئمنا تكرار الحديث عن مظالم المرأة، ومللنا عقود الرجاء بتحقيق آمالها المرتجاة المؤجلة والتي ذوى خطبها شيئاً فشيئاً، وسنة فأخرى.

ولم يعد للمرأة العراقية الصابرة إلا أن تنتفض، وتصرخ صرختها في المجتمع الذي سرق منها مكانتها وحقوقها قسراً، منذ أن تحول هذا المجتمع في زمن بابل نبوخذنصر الحديثة، الى سلطة ذكورية بإمتياز، ومنذ ذلك الزمن حسم الأمر للرجل ليفرض سطوته، ولم يفرز الانتصار الذكوري سوى الانكسارات المتلاحقة للمرأة، والمتزايدة جيل بعد جيل في بلاد الرافدين.

ورغم كل معاناة المرأة وصراعاتها خلال دهر طويل، لم يثنِ عزمها عن نيل حقوقها بالحياة، شأنها شأن أخيها الرجل، فبقيت تناضل وتكافح بكل جرأة لتثبيت حقها في المجتمع وفق أسس العدالة والقوانين الدولية، لكن من الذي أنصفها؟ وأية سلطة في بلدنا سمعت صوتها منذ الحكم الديكتاتوري سيء الصيت، مروراً بالسنوات المعتمة التي تلته والتي نشهدها !!!بقيت المرأة العراقية عرضة للقمع في البيت وخارجه، ضحية لغسل العار، وخادمة دون أجر، أو تعاني البطالة والعوز، ومربية دون مقابل مادي أومعنوي، وأرملة دون معين، أو ثكلى تتوحد مع الحزن والحداد، أو ضحية لممارسات متخلفة كالختان، وتعدد الزوجات، أو الذبح لغسل العار، أو يتيمة دون راع، أو أيشكل آخر من الاعتداءات المختلفة التي تخرق الحياء والتي يتوجها السبي المخزي الذي مارسه الدواعش بحق الاف النساء والشابات المختطفات، والذي يكاد اليأس والنسيان أن يغطيه بغبار كثيف ليمحوه من الذاكرة.

عانت المرأة العراقية من الفقر، من النظرة الدونية وقصر العقل، قبعت زمناً طويلاً تحت ظل الحكومات الشمولية والديكتاتورية الانفرادية، مكممة وخاضعة في عراق تتراكم فيه ملفات الفساد فوق بعضها، ويخاف فيه القضاء من مواجهة الحاكم، شهدت التصفيات المريعة بكواتم الصوت والتفجيرات المدمرة، شهدت زمن الاختطافات والاعتداءات الجنسية على يد الفاسقين، قبعت في زنزانات السجون وتعذبت تحت أقبيتها، خضعت للزيجات المبكرة بعمر الطفولة، والتي باركتها الفتوات الخائبة، فقدت الاب، فقدت الابن، فقدت الأخ والزوج والحبيب، تحملت رياح الحروب المسمومة التي زج فيها عراقنا الحبيب قسراً دون أي مبرر، ألقيت على كاهلها مسؤوليات الحياة الاسرية....ناهيك عن القرارات الغريبة التي يبتدعها أفراد تسلطوا ومسكوا زمام التحكم في مقدرات البلاد ومواطنيها، بدولة متهالكة على حافات الانهيار.

وبقي الرفض مستمراً من قبل المرأة، وبقيت المعاناة  تتزايد لإجهاض المظالم الاضافية التي فرضت وتفرض عليها،
وعلى الرغم من توقيع الحكومات العراقية على الاتفاقات الدولية والعالمية المناهضة للعنف ضد المرأة، كتوقيع العراق على إتفاقية سيداو على سبيل المثال لا الحصر، لا تزال المرأة تعاني من الاقصاء والتهميش الاجتماعي في أغلب مفاصل الحياة، وترضخ تحت سطوة من لا يرحم، دون أي التزام بالاتفاقية من قبل الحكومة.

ولقد كان لصعود التيارات الاصولية في العراق تأثير شديد لإعاقة تطوير النظام السياسي، ووضع المرأة العراقية تحت عبودية جديدة تعرضت من خلالها لحملة سياسية وفكرية، أغتصب من خلالها كيان المرأة الانساني، وسلبت حقوقها وتسلطت عليها كل أشكال الخنوع والطاعة العمياء.

وتقف المرأة اليوم أمام السيناريو الأسود في ظل أوضاع مزرية، حيث يلقي هذا السيناريو بظلاله على واقع المجتمع ككل. الا أن للمرأة الحصة الأكبر فيه، عبر الاختطاف والإرهاب الواسع النطاق، وفرض الحجاب عليها تحت ظل التهديد بالطرد من العمل والحرق والقتل، وصاحب هذه الظاهرة حملات العصابات الدينية المتطرفة بترويع النساء وفرض الحجاب عليهن بالقوة في الشارع والمدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية،(حتى ضاع مع فعلتهم هذه جوهر القناعة الشخصية بالحجاب)، ثم شيوع ظاهرة المتاجرة بالأجساد، وصاحبتها حملة المجازر الصامتة وباسم الأعراف والتقاليد الاجتماعية المقدسة، ففرضت قولبة جديدة لحياة نساء العراق تطالب بها القوى والجماعات الدينية والقومية والعشائرية المتطرفة.

وها هن نساء العراق في نينوى يعانين الان من أسوأ الظروف والتي تعرضت فيها الأُسر العراقية للتشريد والقتل والهجرة، واجبارهم على ترك مناطق سكناهم وبيوتهم وعدم وجود ملاجيء أو مساكن تأوي هذه الاعداد الهائلة من الأُسر، عانت المرأة بسببها من وقع مضاعف كونها ضمن افراد الاسرة اولاً وكونها مسؤولة كأم أو زوجة ثانياً.

من خلال هذا الاستعراض المقتضب لمعاناة المرأة العراقية، يمكننا أن نقول أن إختزال معاناة المرأة في نصوص وقرارات هزيلة تقفز بين حين وحين من هنا أو هناك وتعيق تطور المرأة وتمكنها من إسترداد حقوقها ومنزلتها الحقيقية في المجتمع، ووحدة وجودها مع الرجل لتحقيق مبدأ الشراكة والألفة على الطريقة السليمة، لا أن تعتبر أداة لمتعة الرجل وماكنة لتفريخ الأطفال حسب.

إن للمرأة العراقية تاريخاً ودوراً، وإن لها ماض وحاضر، لها فكر ووعي، ولها ممارسة ومعاناة، يحتم إبعادها عن النزعة التسلطية الاستبدادية وأساليبها العنيفة، إبعادها أيضاً عن الخوف والخنوع والسلبية التي تمسخ الشخصية الإنسانية التي تتفرد بها المرأة الأم أو الزوجة أو الأخت ، وهذا يقتضي من الجميع عدم المرواحة بين المواجع، بل الصحو في فضاء صحي يعزز تأسيس حقيقي لحياة الشراكة الحقيقية مع المرأة، اذ لا يمكن تصور عراق ديمقراطي بدون مساهمة فعلية من المرأة، وإن تعنيفها و تهميشها وإقصاءها عن ساحة الفعل اليومي الثقافي, يعطل البناء الاجتماعي ويسبب العجز في أداء الدور المطلوب، كما ان العمل على تغيير البنية الثقافية في المجتمع, من شأنه ان يعيد تفحص الخلل في العلاقة التراتبية بينها وبين الرجل.

يتوجب رد الاعتبار للمرأة العراقية الصابرة، وهذا لا يأتي من خلال عملية تغيير في تشريعات الدستور فقط، أو وضع عدد قليل من عناصر نسائية في سدة الحكم ذراً للرماد في العيون، بل يجب إرساء دعائم جديدة في العمل التربوي والأسري، فتحرير المرأة العراقية يبدأ بإعادة النظر في جوهر المناهج التربوية المبنية أصلا على أسس ومفاهيم ذكورية لا تعترف للمرأة بحقوقها الإنسانية, بل تضعها في الصف الأخير من المجتمع.

على المرأة أن تستلم مفاتيح الإرادة الحرة في اختيار حياتها ومنظماتها وإنسانيتهاوخطابها في أي مفصل من مفاصل الحياة. وبالتالي مشاركتها ومسؤوليتها المتساوية بدون إثارة حروب او معارك، وأن تمنح حق التصويت الحر وكافة الحقوق المتعلقة بكل جوانب الحياة، علينا تفعيل طاقة اكثر من نصف المجتمع المعطلة بعد إخراجه من أدواره الأولى, الى الإسهام في الشأن الاجتماعي والثقافي، علينا ان نحقق نهضتنا المنشودة بانتشال المرأة من حالة التهميش والتغييب والتعنيف والدونية.

ودعوة أخرى جادة لحث كل النساء العراقيات للمشاركة في الانتخايات المقبلة، لاختيار الكفاءات المتنورة لإصلاح ما خربه المفسدون، وعدم فسح المجال لإبقاء العناصر التي ساهمت في تهشيم كيان البلاد، وإن غياب المرأة عن المشاركة الفاعلة للتأثير في صنع القرار هو المشكلة الحقيقية التي تعيق صنع مستقبل أفضل.

وقبل أن تنتظر المرأة التخلص من القوانين والقرارات الفاشية، وقبل أن تبنى مؤسسات ديموقراطية في البلد، قبل كل ذلك يجب عليها أن تحقق حريتها ومساواتها مع الرجل،لأن مجتمعنا المعاصر لا يزال محكوماً عبر أزمة إنتقاله الحالي، بفكر إسطوري ضار بالجذور.

ويدرك الجميع أن العراق يمر الان بأخطر مرحلة تاريخية، كما يدرك مثقفوه أجندة استحقاقات التقاليد الاجتماعية لهذه المرحلة العصيبة، تحتاج الى إعادة بناء المواطن العراقي حضاريا وخلق البيئة التي توفر له الثقة بنفسه وبمجتمعه ومستقبله، إضافة الى نظرة تنتقد وتستوعب وتحلل وتبتعد عن قدسية التقاليد والعادات المتخلفة. ونحن جميعاً ندرك أنه ليس من اليسير التخلي عن النظرة الرجولية التي تمتزج بالمخاوف التي عشعشت في العقول والتي سادت في الغالب على حساب العقلية المنطقية والقوانين الموضوعية، لذا من الصعوبة أن يتحرر الرجل إجتماعياً دون أن تخلق مؤسسات السلطة معطيات إجتماعية جديدة، لا أن يتوقف فيها التاريخ، فالزمن هو وسيلة لاعادة البناء والتغيير، وإن تحرير الوعي عند الرجل يأتي أولاً، لكي يستوعب عملية بناء حرية المرأة .

للمرأة العراقية الصابرة أمنيات بغد مشرق، ولآذار جديد يحمل لها بشائر الخير.


السويد
7 آذار 2017
 

* ناشطة مدنية - السويد
 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter