| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

راهبة الخميسي

 

 

الأربعاء 6/10/ 2010

 

سنوات في الذاكرة العراقية

راهبة الخميسي

لسنوات الخمسينات من القرن العشرين نكهة خاصة في ذاكرة العراقيين, لما أفرزته من انجازات كبيرة في مختلف المجالات.
ولو سلطنا بعض الضوء على بنية العراق الفوقية في الجانب الثقافي والفني والادبي نجد مثلا, الشعر الحديث الذي كان جديداً على الساحة العراقية, والذي وجد له كثير من المؤيدين والمعارضين, وكانت مقاهي بغداد تشهد نقاشات أدبية أفرزت حالة ثقافية متميزة, وكان من أبرز الرواد في هذا المجال نازك الملائكة, بدر شاكر السياب, وعبد الوهاب البياتي, رواد المدرسة العراقية في الشعر الحديث.
وفي القصة ظهر عدد من الكتاب العراقيين الذين صوروا الحياة العراقية وكان لهم حضور واضح في العراق والبلاد العربية ومنهم جعفر الخليلي وفؤاد التكرلي وآخرين.

وكان للمسرح العراقي أيضاً حضور بارز في فترة الخمسينات, حيث ظهرت فرق مسرحية من الفنانين العراقيين مثل فرقة الزبانية التي كانت تضم نخبة من الفنانين منهم, الحاج ناجي الراوي, فخري الزبيدي, ناظم الغزالي, حامد الأطرقجي, وحميد المحل, وفرقة المسرح الفني الحديث التي أسسها الفنان الكبير يوسف العاني.
وظهرت نخبة من الرواد في مجال المسرح كالفنان جعفر السعدي والفنان ابراهيم جلال والفنانين, خليل شوقي, ووجيه عبد الغني, وبدري حسون فريد, والفنانتين الرائعتين, زينب وناهده الرماح, وقدمت هذه المجموعة أعمالاً فنية راقية في بغداد وفي عدد من المدن العراقية الاخرى.

وظهرت حركة سينمائية متميزة, لم يكن للدولة العراقية مساهمة فيها, بل كانت جهداً فردياً أو جماعياً لعدد من الفنانين المبدعين, منهم ياس علي الناصر, سامي عبد الحميد, يوسف العاني, ابراهيم جلال, والفنانتين القديرتين زينب وناهده الرماح (اللتين كانت لهما بصماتهما المتفردة على المسرح العراقي في نفس الفترة), وقد قدم لنا هؤلاء المبدعون مجموعة متميزة من الافلام السينمائية التي وجدت صداها لدى المواطن العراقي, ومن هذه الافلام والتي ظهرت في تلك الفترة (عليه وعصام, من المسؤول, سعيد أفندي, فتنه وحسن, نبوخذنصر, إرحموني) وغيرها, ومن الجدير بالاشارة أن فلم سعيد أفندي الذي مثله الفنان الكبير يوسف العاني, قد أعيد عرضه في مهرجان السينما العربية في باريس قبل عدة سنوات, ونال جائزة الفلم المتميز, علما أن هذا الفلم كان قد تم تصويره في عام 1957 أو قبلها بعام.
وكان لهذه الافلام نكهة خاصة عند المشاهد العراقي حيث كان عرض الفلم يستمر لعدة أسابيع في دور العرض السينمائية ولأكثر من دور واحد في اليوم.

وكان العراق بلداً سباقاً في البث التلفزيوني حيث كان أول دولة عربية أدخلت البث التلفزيوني والذي كان عام 1956, عندما أقامت احدى الشركات الامريكية معرضاً في بغداد, وهي على ما أظن شركة باي, وتم الاتفاق معها على نصب محطة للبث التلفزيوني مع اذاعة بغداد, ولسرعة التنفيذ, تم تشييد مسقف بسيط للتلفزيون, أطلق عليه العاملون اسم (ألبنكَله), فكانت بداية البث التلفزيوني في بغداد مفاجئة كبيرة للمواطن العراقي, حيث دخلت السينما والمسرح والغناء الى البيوت من خلال شاشة التلفزيون.

وكان من أبرز الرواد في التلفزيون العراقي آنذاك كمال عاكف, عبد الهادي مبارك, حيدر العمر, خليل شوقي, فخري الزبيدي, يوسف سلمان, وغيرهم, وكان التلفزيون يقدم برامجاً ثقافية مهمة ساهمت الى حد كبير في الثقافة العراقية, مثل البرنامج الاجتماعي الذي كان يقدمه الدكتور الجليل علي الوردي, والبرنامج الاخر الذي كان يشترك في تقديمه العلامة الجليل مصطفى جواد والدكتور حسين أمين والدكتور سالم الالوسي, و
برنامج الفن التشكيلي الذي كان يقدمه الفنان الكبير نوري الراوي, فكان التلفزيون العراقي بذلك, هو النافذة الثقافية والاجتماعية والتربوية والادبية والفنية التي فتحت داخل البيت العراقي.

أما النهضة الموسيقية والغنائية, فقد ظهرت بلونها المتميز الذي سمي باللون البغدادي, والذي مزج بين اللون الجنوبي والمقام العراقي والطور البدوي, وكان من أبرز الفنانين الذين ساهموا في الاغنية العراقية الحديثة( عباس جميل, رضا علي, أحمد الخليل,يحيى حمدي, محمد كريم, سمير بغدادي), والمطربات ( زهور حسين, وحيده خليل, لميعه توفيق, نهاوند, عفيفه اسكندر, أحلام وهبي, مائده نزهت, راويه, نرجس شوقي).

وتشمل هذه القائمة أيضاً اسماء مطربات عربيات اخريات كان الفنان الراحل رضا علي قد لحن لهن أجمل وأعذب الأغاني العراقية المتميزة, والتي تعتبر من روائع الغناء العراقي الذي لاينمحي من الذاكرة العراقية مثل أغنية أدير العين ماعندي حبايب للفنانه راويه وأين ياليل ويابا يابا شلون عيون عندك يابا للفنانه نهاوند والكثير من أغنيات الفنانه فائزه أحمد وغيرها.

وظهر فنانون كبار في مجال التأليف أو العزف الموسيقي أو الايقاع, كالفنانين ( شعوبي, هاشم الرجب, منير بشير, جميل بشير, سلمان شكر, سالم حسين, سامي عبد الاحد وغيرهم.
أما في المقام العراقي فلا تنسى الذاكرة العراقية كبار المبدعين في المقام العراقي المتميز, محمد الكبنجي ويوسف عمر وعبد الرحمن خضر وناظم الغزالي وغيرهم..

إنها نهضة فنية كبيرة لايمكن حصرها في مقالة أو في سطور.
أما في المجال الفني الاخر فقد برزت مدرسة عراقية متميزة في الرسم والنحت, والتي قادها رواد كبار مثل حافظ الدروبي, فائق حسن, جواد سليم, عطا صبري, نوري الراوي وغيرهم, فكان لهؤلاء الرواد دور بارز في ادخال العراق الى المدرسة الفنية الحديثة للفن التشكيلي والنحت, والاعمال الفنية التي أنجزوها هي خير شاهد على ذلك.
وفي المجال الصحفي فقد نشطت الحركة الصحفية وازدادت كماً ونوعاً في مرحلة الخمسينات من القرن الماضي, وكان من أبرز الصحف في تلك الفترة(البلاد, اليقضة, الاستقلال, الزمان) وكانت تلك الصحف تكتب بجرأة وتتعرض أعدادها للمصادرة وأحياناً الى الاغلاق, وللأسف الشديد لم أجد مصدراً يسعفني لكتابة أسماء الصحفيين العراقيين اللامعين في ذلك الوقت وأدرج منهم فقط ثلاثة أسماء لامعة هي ( عبد المجيد لطفي, عبد القادر البستاني, روفائيل بطي).

أما في المجال الأكاديمي فقد ظهرت نخبة من العلماء والباحثين الذين ساهموا مساهمة كبيرة في البحث العلمي, ففي مجال التاريخ القديم للعراق كان علماء الاثار طه باقر وفؤاد سكر, وفي الفيزياء كان العالم المندائي الكبير الدكتور عبد الجبار عبد الله, وفي الاجتماع كان الدكتور علي الوردي, وفي اللغة كان العلامه مصطفى جواد, وفي التاريخ جواد علي ..... وتطول القائمة.

كذلك شهدت السنوات الاخيرة من الخمسينات تأسيس أول جامعة عراقية, هي جامعة بغداد التي كان رئيسها الدكتور عبد الجبار عبد الله.
نستطيع الان ومن خلال هذه الومضات في ذاكرة العراق, أن نقول لقد كانت فترة الخمسينات من أخصب الفترات في تاريخ العراق الحديث, وكانت بمثابة فرصة لوضع أساس لمجتمع المؤسسات في العراق.
ومن خلال هذا كله, لا أبغي الكمال لتلك الفترة التاريخية في العراق و التي تحدثت عنها, وهي فترة الخمسينات من القرن الماضي, ولكنني أقول فقط ان هذه الفترة كانت فرصة تاريخية لبناء دولة عراقية حديثة, سيما أنها توجت بتغيير سياسي كبير عام 1958 بثورة تموز المجيدة.
ان الجيل الحالي بحاجة الى مراجعة صفحات التاريخ العراقي القريب, لأن مايجري في العراق الان هو كبوة في مسيرته, وعلينا نحن أبناء العراق أن نتجاوز هذه المحنة العصيبة لاكمال مسيرة بلدنا الحضارية.


ملاحظة : أعتذر عن عدم ذكر جميع أسماء المبدعين العراقيين في الفترة التي تتحدث عنها المقالة وذلك لعدم توفر المصادر اللازمة.

 

السويد

 

free web counter