| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

راهبة الخميسي

 

 

                                                                                    الأثنين 4/4/ 2011

 

الموارد المائية في العراق وآفاق التطور الزراعي

راهبة الخميسي

أطلق المؤرخون القدامى على العراق تسمية (ميسوبوتاميا), أي بلاد مابين النهرين, وكان الانسان يرتبط إرتباطاً مباشراً بالانهار, خاصة في أرض تتميز بمناخها الصحراوي الحار والجاف, فالانسان في هكذا بقاع جغرافية لايستطيع الابتعاد في سكنه وزراعته وحيواناته, عن مصدر مائي مستمر, وهذا غير متوفر في العراق إلا قرب الانهار, لذا نجد ان جميع المدن العراقية القديمة, مثل أور, أريدو, لكش, الوركاء, بابل, نينوى وغيرها, تقع قرب ضفاف الانهار, وقد يقول قائل أن بعضها يبتعد الان عن الانهار, والجواب على ذلك هو إنها لم تبتعد بل ان الانهار هي التي غيرت مجاريها أكثر من مرة, وخاصة نهر الفرات.

والحديث هنا لا يتناول مياه الامطار, أو المياه الجوفية, بل المياه السطحية فقط ( مياه الانهار), فكما هو معروف بأن أغلب مياه العراق السطحية, تتدفق من شرق تركيا, وتبلغ الكمية التي تصل العراق سنوياً من هذه المياه, الى 73 مليار متر مكعب, وقد تعرضت هذه الكمية الى التذبذب في النصف الثاني من القرن العشرين, بسبب كثرة السدود والخزانات التي أنشأتها تركيا داخل أراضيها, وقد أثر ذلك بدوره على مساحات الاراضي الزراعية في العراق بشكل مباشر, إضافة الى ان العراق قد تعرض خلال الاف السنين الماضية الى كثير من الفيضانات, والتي كان آخرها فيضان عام 1954 والذي شكل خطورة على العراق, حيث كادت بغداد والاقسام الجنوبية من العراق أن تغرق, حتى ان مجلس الوزراء العراقي, كاد أن يصدر قراراً حينها بإخلاء بغداد من سكانها, وبعد مرور هذا الخطر, قرر مجلس الاعمار آنذاك, البدء بإنشاء سدة قناة الثرثار في سامراء, وتحويل المياه الفائضة الى بحيرة الثرثار, والتي تشكل تشكل خزاناً ضخماً لمياه الفيضان.

نعود الى كمية المياه المتدفقة.
أن الدراسات تشير الى أن مايستغل من هذه المياه لايتجاوز 50% مما يدخل العراق, ومعنى ذلك ان الهدر يصل الى النصف مابين التسرب الى الخليج العربي, والتبخر.
وبنظرة سريعة الى المشاريع الاروائية التي اقيمت في العراق, منذ أوائل القرن العشرين, نجد أن أقدمها هي سدة الهندية, التي أنشأها الاتراك عام 1913, على نهر الفرات, لتنظيم توزيع المياه بين شطي الحلة, والهندية, وسد ديالى الغاطس عام1928 على نهر ديالى, وسدة الكوت عام 1939 على نهر دجلة, لتنظيم توزيع المياه بين دجلة والدجيلة, ومشروع الثرثار عام 1956, وسد دوكان على الزاب الاسفل عام 1958, وسد دربندخان على نهر ديالى عام 1961, ومشاريع اخرى, ولكنها لم تحقق للعراق الفائدة المطلوبة من المياه المتدفقة, ولم يتحقق الامن المائي للزراعة, خاصة وان العلاقات السياسية بين العراق ودول الجوار, لعبت دوراً سلبياً في كمية المياه المتدفقة للعراق.

ان حاجة العراق للمياه, في تزايد كبير ومستمر, لأن عدد السكان قد تضاعف عدة مرات, بالوقت الذي لم تتطور الزراعة, بل على العكس فلقد انحسرت مساحة الاراضي الصالحة للزراعة, بسبب قلة المياه المتدفقة من جهة, وانتشار الاملاح لعدم وجود المبازل من جهة اخرى.
ولقد شهد العراق تراجعاً في انتاجه الزراعي, كالقمح والشعير والرز, في الخمسينات من القرن الماضي, وهو اليوم من أكبر المستوردين لهذه المحاصيل.

إن دخول المضخات لأغراض الزراعة, كان لها دور كبير ومهم في التطور الزراعي, إلا أن استخدامها بشكل غير منظم, أدى الى الضرر بمناطق أخرى, فعلى سبيل المثال, ان محافظة ميسان, كانت من المحافظات الغنية بالزراعة, وتضخ كميات كبيرة من المحاصيل, والثروة السمكية, الى المناطق الاخرى, لكننا نجدها اليوم وقد تحولت الكثير من أراضيها, الى أراضِ سبخة, وانحسرت فيها الزراعة, مما أدى الى هجرة أعداد كبيرة من أبنائها, الى المدن, كبغداد والبصرة, والذي ادى بدوره الى مشاكل سكانية كبيرة, في السكن والخدمات الصحية والتعليمية, وسبب ذلك هو ان كمية المياه التي تصل الى الجنوب, قد انخفضت, مما أدى الى تقلص رقعة الارض الزراعية.

إن المسؤوليات الملقاة على عاتق الساسة العراقيين, كبيرة في الوقت الحاضر, لأن مشاكل العراق أكبر, وحاجته الى جهود أبنائه, أكثر من أي وقت مضى, لأن مفهوم العالم المتقدم للسياسي, انه هو الشخص الذي يفهم مشاكل بلاده, ويعمل على حلها بنظرة مستقبلية, ولكن مانجده في العراق اليوم هو غير موجود, وكأن النضال أصبح ضد الخصم السياسي, وليس لمواجهة مشاكل البلاد, ولهذا السبب زادت مشاكل العراق الاقتصادية, والاجتماعية, والسياسية.

إن الوحدة الجغرافية للعراق, لا تحددها تركيبته السكانية فحسب, بل ان للثروة المائية, أهمية أكبر, لهذا الترابط, وإذا عمل جميع العراقيين على استثمار موارد بلادهم, بشكل متكامل, في مجال الثروات الطبيعية, فسيعم الخير الجميع, وهذا أفضل رد لمن يخطط لتقسيم العراق, بدعم أجنبي.

فخير العراق للعراقيين, فلو شيد العراق سداً في الموصل مثلاً, فإن فوائد السد, تعم العراق من شماله الى جنوبه, والمحاصيل الزراعية التي تكثر في جنوب العراق, يذهب الفائض منها الى وسط وشمال العراق, وإن أي عراقي لايقتسم رغيف الخبز مع أخيه, لا حلال عليه ماء دجلة والفرات.

 

السويد

 

free web counter