| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

راهبة الخميسي

 

 

                                                                                    الأثنين 30/7/ 2012

 

الكهرباء والخصخصة في العراق

راهبة الخميسي

إزدادت المطالبات في الفترة الاخيرة, لخصخصة قطاع الكهرباء في العراق, بعد تعثر الدولة طيلة السنوات العشرة الماضية, للايفاء بوعودها بتوفير الكهرباء, مما  ادى الى التذمر الشديد لدى المواطن العراقي الذي يعاني من عدم توفر الكهرباء, والذي تسبب في شل عجلة العمل واغلب مفاصل الحياة المهمة, على الرغم من صرف الدولة لمبالغ طائلة دون جدوى, واستحقت الدولة أن تُسمى عرقوب هذا العصر, فقد امتلأت أسماع الشعب بعهر الوعود اليومية لتوفير الكهرباء.

ولو عدنا الى بداية تأسيس الدولة العراقية في عام 1921 بعد انهيار الدولة العثمانية نجد ان العراق قد خرج منها متخلفاً في مختلف مفاصل الحياة , وبشكل خاص الجانب الاقتصادي, فلم تكن هنالك مؤسسات إقتصادية تأخذ على عاتقها تقديم الخدمات المختلفة للمواطنين, فكان أمام الحكومات الفتية التي توالت على إدارة شؤون العراق مسؤوليات كبيرة مقابل موارد مالية محدودة وكانت المهمة عسيرة أمام الدولة, ولم يكن أمام القطاع الخاص إمكانات مالية كبيرة للقيام بمشاريع إقتصادية.

لذلك أصبح لابد من أن تكون الدولة هي القائد للعملية الاقتصادية, والقيام بمثل هذه المهمة العسيرة لإنتشال العراق من الواقع الاقتصادي المتردي, واتجهت الدولة للاستفادة من الإمكانات الأجنبية الفنية والاقتصادية.

وكانت بريطانيا قد أنشأت خط سكة حديد بصرة - بغداد والذي تم تشغيله عام 1919, وكان هذا الخط من المشاريع الكبيرة والمهمة في ربط أجزاء العراق الجنوبية مع بغداد.

وكذلك مشروع تأسيس شركة الكهرباء المدنية في العشرينات من القرن الماضي وهي شركة أجنبية أيضاً, وهكذا دخلت الكهرباء بشكل فعلي الى العراق لأول مرة.

وكان من المشاريع المهمة الاخرى, توقيع إتفاق التنقيب عن النفط في شمال العراق, فتأسست شركة نفط العراق عام 1925 , وقد تأسست هذه الشركة باتفاق عدة دول على رأس مالها, وهي كل من بريطانيا وفرنسا وهولندا والولايات المتحدة وبحصص متساوية بنسبة 23,75% لكل منها, وتخصيص 5 % من رأس مال الشركة الى كولبنكيان البرتغالي الجنسية, والذي ساهم في هذا المشروع, أما عائد العراق فقد كان (4 شلنات بالعملة الانكليزية) عن كل برميل نفط مصدر, أما مدة العقد فكانت 75 عام .

وبدأ تصدير النفط تجارياً في أوائل الثلاثينيات, وكانت ميزانية الدولة العراقية في بداية تأسيسها لاتزيد على 5 ملايين دينار سنوياً.

وكان هذا الاتفاق الاقتصادي جائراً, حيث كانت حصة العراق ضئيلة بالنسبة لما تربحه الشركات الاجنبية المتعاقدة.

 ومن المشاريع الأخرى التي قامت بها الشركات الاجنبية, مشروع تأسيس الموانيء العراقية في البصرة للاشراف على النقل البحري في شط العرب والخليج.

أما الاشراف على كل هذه المشاريع في العراق, من سكك حديد الى كهرباء الى النفط والموانيء, فكان تحت إشراف كوادر أجنبية.

وفي تلك الفترة, التي كان النشاط التجاري فيها ينمو ببطء ويسير سير السلحفاة, ظهرت طبقة من التجار العراقيين, والتي تعمل داخل العراق, للاستيراد والتصدير, فتعاملت تجارياً بالمواد الغذائية والسلع ومايحتاجه المواطن, وكان ذلك دون تدخل من الدولة, مع فرض رسوم كمركية تساعد في دعم موارد الدولة.

كان العبء على مؤسسات الدولة الحديثة آنذاك ثقيلاً وكانت الموارد المالية محدودة, وتحتاج الدولة الى ربط العراق بطرق مواصلات غير موجودة أصلاً, ومؤسسات صحية وتعليمية وما الى ذلك, إضافة الى بناء مؤسسات عسكرية لتقوم بحماية العراق وتوفير الأمن للمواطنين, وكذلك المشاريع الاروائية لحماية العراق من الفيضانات المتكررة وتوفير المياه للزراعة الصيفية وغيرها.

وهكذا أخذت الدولة على عاتقها بناء المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية, وهذا مانطلق عليه القطاع العام, وأصبح المواطن العراقي يعتمد على الدولة في توفير كافة الخدمات.

ان الكثير من دول العالم المتطور إقتصادياً أصبحت تخفف عن أعبائها ومسؤولياتها الاقتصادية والاجتماعية,  ببيع الكثير من المؤسسات المذكورة الى شركات أهلية مستقلة تأخذ على عاتقها توفير الكوادر المختصة للكهرباء والماء والتلفون وغيرها, وتدفع هذه الشركات للدولة, وتكون قد اتفقت على دفع هذه الحصة عند توقيعها العقد مع الدولة, وبذلك تكون الدولة قد حققت هدفين في آن واحد وهما توفير الخدمات والحصول على عوائد مالية من جهة, والتفرغ للقيام بأعمال أخرى كالجانب العسكري والسياسة الخارجية والتخطيط الاقتصادي والاجتماعي من الجهة الاخرى, وهذا مايسمى بـ (ألخصخصة).

ويجب على الدولة أن تكون مستقرة سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً, كي تبدأ بتطبيق هذه البرامج بصورة تدريجية مع النمو الاقتصادي, وتحسين مستوى الدخل, والقضاء على البطالة, حيث أن هذه الامور هي من أهم مقومات نجاح هذه التجربة الاقتصادية, لأنه من الصعب على المجتمعات التي تعاني من إنعدام الأمن والاستقرار وتفشي البطالة, أن تتقبل فكرة الخصخصة في مجتمعاتها, لأن الكثيرين لايتمكنوا من الانفاق على توفير الكهرباء,  والتعليم والصحة والخدمات الاخرى دون أن يكون لهم إستقراراً إقتصادياً, وهذا ماينطبق على العراق في الوقت الراهن, حيث إنعدام الأمن وتعطل المفاصل الاقتصادية, وانتشار البطالة وعدم إستقرار الحياة السياسية, لذا يبقى المواطن العراقي ينظر الى مؤسسات الدولة بأنها المنقذ الوحيد لتوفير هذه الخدمات, ومعنى ذلك أن المردود الذي سيحصل في حالة العراق الراهنة, هو إنتشار الأمية على نطاق واسع, لعدم تمكن فئات كبيرة في المجتمع من دفع نفقات الدراسة, وكذلك الحال بالنسبة للخدمات الصحية وغيرها.

ولكن بعد تخطي هذه المرحلة العصيبة من تاريخ العراق, يمكن لبلدنا البدء من جديد وبطريقة سليمة, إقتداءاً بالدول الاخرى التي نجحت بهذه التجربة.

إن مايقدم الان للمواطن العراقي عن طريق مؤسسات الدولة, هو ليس بالمستوى اللائق, أو حتى الأدنى إن إجيز التعبير, فالتردي واضح في جميع الخدمات التعليمية, والصحية, والمواصلات, والماء والكهرباء بشكل خاص.

 ولو رفعت قبضة الدولة الاقتصادية من هذه المفاصل المهمة والحيوية في حياة المواطن وكان دورها رقيباً فقط على ما ذكر, لماثلت النماذج الكثيرة التي أمامنا من الدول المتطورة والتي اعتمدت الخصخصة في سيادتها الاقتصادية والاجتماعية.

وكل هذه التطلعات والآمال لايمكن تحقيقها في الوقت الراهن في العراق بسبب  إنعدام جميع مستلزمات الاستقرار والامن في بلدنا الان.

وان تطبيق الخصخصة أو مجرد البداية بتطبيقها, سيوقع العراق بمشاكل جمة مثلما حصل بالنسبة لخدمات الموبايل, والذي أدى الى تذمر المواطن من طريقة عمل الشركات المختصة بهذا الموضوع حيث كانت هذه الشركات نموذجاً مشوهاً لايشجع على احتضان التجارب الاقتصادية الحديثة, لذا يجب أن تكون الدولة حذرة من منح العقود والامتيازات للشركات العاملة, وأن تضع نصب أعينها مصلحة المواطن العراقي, وأن تكون هذه المصلحة فوق كل الاعتبارات, وكذلك جودة هذه الخدمات المقدمة من قبل الشركات, وتشديد الرقابة عليها للالتزام بمثل اتفاقات الدول الاخرى مع الشركات الخدمية في بلدانها والتي تضع التقديم الخدمي الافضل للمواطن قبل النفع المالي الاكبر للدولة, سواء كانت هذه الشركات وطنية أم أجنبية.

أنا لست من دعاة تطبيق الأنظمة الاقتصادية الغربية, لكنني مع فك يد الدولة من مفاصل الحياة الاقتصادية داخل مجتمعنا العراقي, فكلنا يذكر (على سبيل المثال لا الحصر) حين وضعت الدولة يدها حتى على توزيع البيض ومعجون الطماطة والفاصوليا خلال اعوام السبعينيات,وكم عانى المواطن من ذلك..

أن الدولة العراقية لو تمكنت من الوصول الى هذه القياسات, لسوف تتوفر لها إمكانات إقتصادية كبيرة من عوائد النفط العراقي, والزراعة, والرسوم المختلفة, وبالتالي سيمكنها ذلك من بناء مشاريع كبرى بلدنا في أمس الحاجة اليها مثل منظومات الكهرباء ومشاريع المياه والسدود والموانيء والمطارات والجسور..الخ  , وكلها مشاريع يحتاجها عراقنا الذي تردى.... لعله ينهض من جديد.


السويد
29- تموز- 2012



 

free web counter