| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

راهبة الخميسي

 

 

                                                                                    الأربعاء 19/9/ 2012

 

جريمة...لا تغتفر

راهبة الخميسي

سارع خدام أمانة بغداد بمرافقة أجهزة الامن النشامى, مساء أمس الاثنين 17سبتمبر_أيلول الحالي, لتنفيذ واجبهم الذي أُمروا به, بمهاجمة سوق المتنبي لبيع الكتب, مستخدمين بلدوزرات وجرافات, تبنتها أحقاد مبيتة لمحاربة أرزاق المواطنين الفقراء من باعة الكتب والمجلات, في شارع المتنبي في قلب بغداد التي وسمت عاصمة للثقافة.

فلقد أغارت الأيادي الظلامية على مناضد الباعة, بشراسة ووحشية, لتعلن عن هويتها المعادية للفكر وللثقافة, ضاربة عرض الحائط, نصوص الدستور العراقي التي تنص على إحترام حقوق الانسان العراقي, متجاوزة على رزق الناس الكسبة.

وماهذه الا جريمة يندى لها الجبين, وإنتهاكاً سافراً للقيم الحضارية بكل المعايير, ظانًون من خلالها أنهم سيتمكنون من أطفاء وهج الثقافة والعلم في العقول النيرة عند العراقيين, غير مدركين إنهم بذلك سيخلقون نقطة تحول جديدة عند المثقفين, للتصدي بوجه أرباب الظلام, ومنتهكي المقدسات عند البشر.
لقد كان الاولى بهؤلاء, أن يتعاضدوا ويتسارعوا لكسر مناضد المجرمين, مناضد الفساد والسرقة, مناضد الارهاب والقتل, مناضد الاسلحة التدميرية والمفخخات ..لا أن يتعاضدوا على كسر مناضد الكتب والمعرفة.

الا خزياً لهذا السلوك المريب الذي لايتناسب حتى مع العصور المتخلفة.
يسحقون بسطيات الكتب وينحرون الفكر, ليحلون محلها بسطيات الشعوذة والتخلف, وبسطيات بيع المحابس والعوذ والسبح وبخور السحر والحرمل, وهذا مايرومون, لأن تجهيل الشعب هو غايتهم لاستعمار العقول, ولتسهيل مهمة الهيمنة والقمع والاضطهاد.
إنهم يدقون مسامير التخلف بادين بمشروع التجهيل, يشوهون ملامح الثقافة لتمزيق بنية المجتمع وتسطيحه, يسارعون لتهيئة بيئة للانحراف الفكري وتدني الوعي الثقافي.
إن مناهضة الثقافة والمثقفين, ومحاربة المعرفة, هي البداية لمشروع تعزيز وتمجيد ثقافة القتل والجريمة والحروب.

يذكرنا هذا الحال بالفاشست والنازيين, ونهجهم الذي مارسوه, حين كان موسوليني يقول للايطاليين( ان الحرب وحدها هي التي تفجر طاقات الامة).
ومثله كان وزير الاعلام النازي( جوزيف غوبلر) يقول (إنني حين أسمع أحدهم ينطق بكلمة ثقافة, أتحسس مسدسي إستعداداً لإشهاره).
فعلوا ذلك من أجل محاصرة ومناهضة المعرفة والفكر عند شعوبهم, ومن أجل تضييق الخناق على المثقفين... خوفاً منهم.
ولم تترك تلك السلطات لشعوبها, غير التاريخ المؤلم والذكريات الموجعة بسبب ظلمها وسحقها لقيمة الانسان.
أليس للتاريخ عبرة تستفيد منها البلدان؟
وهل يظن الطغاة أن المواطن العراقي ساذج لايعي المخاوف التي ترهب السلطات وتقلقها من تيارات العقول المثقفة؟, وإنها السبب الاول في لجوء هذه السلطات الى تغييب العقل وسياسة التجهيل المتعمدة التي تبدأ بمحاربة وذبح الوسائل المعرفية, مثلما بدأوا الان يفعلون؟
نعم إن ممارسة التعتيم المعرفي, وممارسات الارهاب والقمع الفكري, كلها بدايات من أجل تمرير المخططات الطائفية لساسة الظلام أعداء العراق, الذين يسعون لتحويل البلد الى شريعة قانون الغاب ومبدأ (الحياة للاقوى).
إن نهب الثروات الثقافية وإتلافها, والقضاء على منجزات الوطن عبر التاريخ, وقتل شرائع الاعراف المدنية, يساهم بوضوح بخلق زعزعة بالاستقرار, والامن الذي يعاني أصلاً من العلل, وإن قتل الموروث الثقافي وتمزيقه وتشويهه, لهو سياسة إستعمارية مقيتة, تتمخض, فتلد غرائزاً ورغبات في الجريمة والقتل والسرقة والكذب والتسول والعنف....وتنحدر بكل القيم.

وإن كانت الغاية من هذه الاعمال التي يقومون بها ضد ابناء الشعب, هي من أجل الهائهم, واشغالهم, لتنسية حقوقهم!!!
فليعلموا أن العراق سوف يظل يقرأ, حتى وإن لن تكتب مصر, ولن تطبع لبنان.

وسوف يبقى إسم المتنبي, سارية تتوسط سوق الكتب والثقافة, ترعب كل العروش النتنة مهمت كانت قوة الرعاع.




 

free web counter