| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

راهبة الخميسي

 

 

الأربعاء 8/12/ 2010

 

التعليم في العراق

راهبة الخميسي

رزح العراق تحت السيطرة العثمانية فترة طويلة كما هو معروف 1534-1918 عدا بعض الفترات القصيرة التي تعرض فيها للإحتلال الإيراني.
كان العراق مقسماً الى ثلاث ولايات, وهي الموصل,بغداد, والبصرة , وكانت الادارة مهتمة بأمور لا تهم الشعب العراقي, بل بما يحصل عليه الاحتلال من موارد مالية من المواطنين عن طريق الضرائب على إختلاف أنواعها.
فأصاب التخلف مختلف مفاصل الحياة في العراق, وبالأخص الجانب التعليمي والذي هو محور هذه المقالة.

أن التعليم في العراق وخلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين كان يقتصر على ما يعرف - بالكتاتيب - التي كانت عبارة عن وسيلة لتحفيظ البنين فقط وبعمر محدد, القرآن الكريم على يد أحد ألشيوخ (المله) بأساليب قسرية معروفة.

وحسب ما تشير الدلائل أن بواكير هذه المدارس ظهرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر, وعلى يد الوالي العثماني مدحت باشا 1869-1872 فكانت المدرسة العسكرية في بغداد والتي تعد الطلاب من أولاد الذوات للذهاب الى اسطنبول لإكمال دراستهم العسكرية هناك, وقد تخرج من هذه المدرسة عدد من الطلاب العراقيين الذين كان لهم دور سياسي في تأسيس الدولة العراقية الحديثة 1921 مثل جعفر العسكري , نوري السعيد , وعبد المحسن السعدون وغيرهم.

لهذا نستطيع القول أن العراق في زمن العثمانيين كان بلداً أمياً بما تحمل هذه الكلمة من معنى, فكان الجهل إنعكاساً واضحاً على الحياة الاجتماعية ,وكان التخلف واضحاً في أغلب مناحي الحياة, واستمر هذا الحال الى بداية القرن العشرين, ولكن ذلك لم يمنع من وجود نخب متميزة بالمجتمع, فكانت هناك عوائل عراقية إهتمت بالثقافة والكتابة وخاصة في الموصل والبصرة إضافة لمدينة بغداد, ولكنها لم تكن تشكل نسبة مهمة من ناحية العدد, بل كانت علامات مضيئة في المجتمع العراقي.
وعندما قررت بريطانيا خوض الحرب عام 1914-1918 كان من أهم أهدافها تفكيك الدولة العثمانية, وكان العراق من الأجزاء التي جلبت إهتمامها.

وبعد عام 1921 أي بعد تأسيس الدولة العراقية, حصلت إنتقالة واضحة في الجانب التعليمي, حيث تم تشجيع فتح المدارس في عموم العراق, وكان من ضمنها مدارس إعداد المعلمين من الحاصلين على شهادة الدراسة الابتدائية, وإدخالهم في دورات إعداد للتعليم , كما تم تحفيز العوائل على إدخال الاناث في المدارس, وتلقى الأخير إقبالاً لابأس به عند الكثير من العوائل العراقية.

أريد أن أؤكد أن الذي أشرت اليه ليس تزكية للاحتلال البريطاني, إنما نقلاً لوقائع تاريخية وحسب.
بدأ عدد المدارس العراقية يزداد في مختلف مدن العراق وحتى أقضيته, وبدأ الطلاب ينتقلون من الأرياف الى المدينة لإكمال دراستهم الثانوية, وتم توفير أقساماً داخلية للطلاب الوافدين الى مراكز المدن.
والذي يؤخذ على النظام التعليمي في العراق منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 هو التركيز على التعليم الأكاديمي الصرف, وعدم الإهتمام بالتعليم المهني أو وضع ستراتيجية تعليمية واضحة تأخذ حاجة البلد من الخريجين.

وبعدها بدأت المدارس ومن بعدها الكليات في الخمسينات من القرن العشرين, تضخ بالخريجين الى دوائر الدولة, فكان خريجو الاعدادية يبحثون عن وظائف كتابية, وحتى خريجو المدارس المهنية على قلة أعدادهم آنذاك لم يجدوا مايتناسب مع إختصاصاتهم المهنية, فكانوا يذهبون الى الوظائف الكتابية في الدوائر, وبذلك خسر العراق الكثير من طاقات أبنائه لعدم توجههم لممارسة الاختصاصات التي حصلوا عليها في المدارس الصناعية والزراعية والفنون المختلفة.

ومن الجدير بالاشارة هنا أن الحكومات المتعاقبة في العراق, ومنذ عهد جلالة الملك فيصل الأول وعندما شرع قانون التجنيد الالزامي في العراق عام 1936 كما أظن , كان فيه تشجيع لمواصلة التعليم, حيث أعفى القانون المذكور خريجي الدراسة الاعدادية من أداء خدمة العلم تكريماً لجهودهم والاستفادة منهم في دوائر الدولة.
والذي يحاصر استرسالي بالموضوع الان ولابد لي من ذكره, أن المعلم في ذلك الوقت كان يتمتع بقدسية ومكانة مرموقة ومحترمة بين أبناء المجتمع العراقي وطلابه.

أما بالنسبة للمناهج الدراسية, فقد كانت على مستوى جيد, وقام بإعدادها نخبة من الأساتذة العراقيين والأجانب, وكان خريج الدراسة الابتدائية يؤدي الامتحان الوزاري (البكالوريا) لمنهجي الصفين الخامس والسادس الابتدائي, حتى يعبر للمرحلة التي تليها وهي المرحلة المتوسطة, وكذلك الحال بين المرحلة المتوسطة والاعدادية للتأهيل للدراسة الجامعية التي كانت عبارة عن كليات متفرقة يقتصر وجودها في مدينة بغداد فقط, وكان التعليم يعتمد النوع لا الكم, حيث كان مستوى التعليم في العراق أعلى بكثير مما هو في باقي الدول العربية آنذاك, وحين كان الطالب العراقي يذهب لإكمال دراسته خارج العراق, كان هو المتفوق دائماً بين أقرانه من الدول الأخرى.

أما سلبيات التعليم في الفترة المذكورة, فهي أن التعليم كان يعتمد الأساليب القديمة, وكان الضرب والاضطهاد والتخويف هي السمات المميزة والتي لاتحقق الأهداف التربوية التي يراد منها إعداد مواطن متكامل نفسياً وعقلياً وصحياً, كذلك إعتماد اسلوب الحفظ للمادة الدراسية عن ظهر قلب لغرض النجاح في إجتياز المرحلة الدراسية, وكذلك قلة المختبرات العلمية والوسائل التعليمية المكملة للعملية التربوية.

وكان أسوأ ما حدث للتعليم هو إعتبار جميع طلبة العراق ناجحين في العام الدراسي 1957-1958 وسمي آنذاك (عام الزحف) بعد قيام ثورة 14 تموز عام 1958 , وقد أضر ذلك بسمعة العراق العلمية الرصينة.
وطالب عدد كبير من الطلاب في أن تلبى طلباتهم بإعادة ما سمي بالزحف في السنة التي تلت ذلك العام, فكان الطلاب ينظمون تظاهرات ومسيرات يطلبون فيها تنجيحهم من مرحلتهم الدراسية على نفس الشاكلة, وكان شعارهم حينها - يازعيم للأمام نريد الزحف مثل العام
-

إضافة الى بعض الخدمات التي ذكرتها, كانت هنالك بعض الرعاية الصحية لطلاب المدارس, حيث كانت هناك فرقاً صحية تقوم بتلقيح الطلبة ضد الأمراض المتوطنة التي كانت منتشرة بكثرة مثل البلهارزيا والملاريا , وكانت أغلب المدارس مستقلة أي غير مزدوجة مع مدرسة أخرى كما هو الان, فكان الطلاب يذهبون الى المدرسة صباحاً لاتمام أربعة حصص دراسية, وظهراً يكملون حصتين أخرتين عدا أيام الاثنين والخميس من الاسبوع حيث يكون الدوام بوجبة واحدة.

وكانت المدارس تقيم المعارض الفنية والسباقات الرياضية سنوياً, ويشمل ذلك مدارس البنين والبنات على السواء.
أما الكتب المدرسية فكانت توزع مجاناً للفقراء من الطلبة.
وكانت أيضاً توزع بعض الملابس والأحذية والمستلزمات لهؤلاء الفقراء من قبل الدولة أو بعض الجمعيات الخيرية, وذلك لكثرة الفقراء في العراق في تلك الفترة.

أنا لم أتناول في مقالتي هذه الكثير من التفاصيل في المدارس العراقية ولكنني فتحت نافذة صغيرة على النظام التعليمي في العراق للفترة مابين 1870-1958 عسى أن تكون هذه النافذة بداية متواضعة لاخواننا الباحثين المختصين للبحث في هذا الجانب المهم في الحياة الثقافية والتعليمية لوطننا العزيز.

 

السويد

 

free web counter