| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

راهبة الخميسي

 

 

                                                                                    الخميس 12/4/ 2012

 

النهوض الحضاري في العراق

راهبة الخميسي

بعد رحيل القوات العثمانية من بغداد, وانحسارها قرب الموصل عام 1918 , دخلت القوات البريطانية الى أغلب أجزاء العراق( ومدينة بغداد بالذات), وكانت بقيادة الجنرال (مود), والذي أصدر بياناً أعلن فيه أن بريطانيا دخلت العراق محررة لافاتحة, وان أهدافها تحرير العرب عامة من الاحتلال العثماني الذي جثم على العراق وأغلب المناطق العربية, لأربعة قرون عانى فيها العرب من الاحتلال وما صاحبه من تخلف في مختلف مناحي الحياة.

وكان تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 باسم المملكة العراقية حدثاً بارزاً في تاريخ العراق الحديث, وكانت المهمة شاقة أمام ملك العراق فيصل الاول الذي كان يحمل من الوعي والثقافة والتطور الشيء الكثير وكان له صوت مؤثر في مؤتمر الصلح الذي انعقد في باريس عام 1918.

لقد جاء الملك وهو يحمل في صدره آمالاً كبيرة ببناء دولة عراقية متميزة, وبذا وضع أسساً حضارية مهمة, وكان من أبرز المنجزات في تاريخ هذه الدولة هو دستور عام 1925 الذي نقل العراق نحو بناء دولة تؤمن بالتقدم الحضاري.

وبدأ العراق بالتحول من العشائرية والتجزئة, الى دولة المؤسساتً والوحدة.

وتفتقت طاقات العراقيين المكبوتة, وعلى سبيل المثال الدعوة التي أطلقها الشاعر العراقي الكبير جميل صدقي الزهاوي نحو سفور المرأة, فكانت هذه الدعوة كالزلزال في حينها (أسفري فالحجاب يابنة فهر هو داء في الاجتماع وخيم), وقد واجه شاعرنا الزهاوي مختلف التحديات والتهديد بالقتل من قبل بعض العناصر الرجعية, ولكن هذه الدعوة وجدت صداها لدى العراقيين وبدأت المرأة العراقية مرحلة جديدة في حياتها دون أن تخسر شيئاً من عفتها أو مكانتها الاجتماعية.

وظهرت صحافة حرة تعبر عن آمال الشعب العراقي في التقدم والتحرر, وكان العراقيون يتلاقفون الصحف ويقرأونها بنهم لأنها كانت تلامس مشاعر الجماهير, وكانت هنالك صحف مسائية أيضاً, تصدر بشكل مستمر, وكان من أبرز تلك الصحف آنذاك (اي في الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي), صحيفة اليقضة ,ألتقدم, البلاد, الرأي العام, ألاهالي, حبزبوز, وغيرها .

ومن المنجزات الاخرى التي برزت في العراق, التوسع في مجال التعليم بافتتاح عدد كبير من المدارس الابتدائية والثانوية والدراسات الجامعية أيضاً, حيث افتتحت كليتي الحقوق والطب, وكذلك تأسس النظام البريدي المتطور والذي يربط العراق مع كافة دول العالم بأساليب بريدية حديثة.

وقد قلد العراقيون الملك فيصل بارتداء( السدارة ) والتي سميت على اسمه(الفيصلية) والتي أصبحت زياً لموظفي الدولة ولسنوات طويلة.

وظهرت في شوارع بغداد في أواخر الاربعينات سيارات نقل المواطنين والتي كانت تسمى( باصات مصلحة نقل الركاب العامة) وكانت حركة هذه الباصات تخضع لجدول زمني منتظم كما هو موجود الان في الدول الاوروبية, وكان سائق مثل هذه المركبات و(الجابي) الذي يقطع التذاكر يرتديان البدلة الرسمية الخاصة الذي تميزهما, وكانت بطاقات الطلاب الشهرية للتنقل عبر هذه الباصات تباع لهم باجور مخفضة, ومن منا لايذكر باص رقم (4) من ساحة الميدان عبر شارع الرشيد الى ساحة الاندلس, ومن منا لايذكر كيف أن الرجل كان يقف في الباص تاركاً كرسيه لتجلس عليه المرأة إحتراماً لها.

وظهرت أيضاً حركة (الشعر الحديث) أو ألحر في أواخر الأربعينات من القرن الماضي, فكانت خطوة كبيرة في مسيرة الشعر العربي, وكان بدر شاكرالسياب, ونازك الملائكة من أبرز روادها.

كذلك ظهرت الحركة المسرحية في العراق بعد تأسيس معهد الفنون الجميلة في أواخر الثلاثينات على يد المرحوم حقي الشبلي, وكان من رواد هذه الحركة المسرحية المهمة الاستاذ جعفر السعدي رحمه الله, والاستاذ يوسف العاني وآخرون.

وظهرت دور السينما في مختلف مدن العراق, فكان الاقبال عليها منقطع النظير , وكان أغلبها يعرض بدورين لكثرة الراغبين في دخول دور العرض السينمائي, وكان الدور الثاني يبدأ في الساعة التاسعة ليلاً وينتهي بعد منتصف الليل, وكان أغلب رواد هذه الدور من العوائل, وكان الكثير من هذه العوائل يتصلون تلفونياً قبل وقت العرض لتحجز لهم مقصورة خاصة في دار السينما لمشاهدة العروض.

كما إمتدت على طول شاطيء نهر دجلة على شارع ابي نؤاس المتميز, كازينوهات بارعة الجمال بواجهاتها وحدائقها وباعة السمك المسكوف فيها, لتحتضن العوائل العراقية, وحتى الزوار من غير العراقيين, وكانت هذه الكازينوهات تبقى حتى ساعات الفجر من كل يوم, أما الجانب الذي يقابل هذا الشاطي فكان يعتمر بالمحلات والمطاعم التي لاتنام هي الاخرى حتى الصباح, وكان دجلة العراق هو الذي يغني للناس ويطربهم, ترافقه في سهراته, حركة مستمرة للناس والمركبات ومصابيح الشواطيء التي لم تنطفيء يوماً, والتي كانت تتبارى مع مصابيح المكتبات العراقية المنتشرة أو قناديل المقاهي الاجتماعية والثقافية التي كانت تحتضن الفنانين والمثقفين العراقيين, كمقهى حسن عجمي, ومقهى قناديل, ومقهى المعقدين وغيرها.

ولا يفوتني أن أتحدث قليلاً عن الحركات السياسية العراقية التي ظهرت آنذاك فقد ظهرت هذه الحركات السياسية لتعلب دورها الكبير في تاريخ العراق الحديث, فقادت الجماهير بهوية عراقية وعلى أساس وطني بعيداً عن الطائفية, مثل منظمة الحزب الشيوعي العراقي, وحزب الاستقلال, وحزب الأمة, والحزب الوطني الديموقراطي, والحزب الديموقراطي الكوردستاني , واستطاعت أن تكسب حب الجماهير العراقية, ولعبت دوراً مهماً في انتفاظات الأعوام 1948 ,1952, 1956 .

كما ظهرت بذور حركة صناعية في المدن العراقية, إستقطبت أعداداً لا بأس بها من الأيادي العاملة, مثل معمل النسيج الصوفي(فتاح باشا), ومعامل السكاير ومعامل الزيوت النباتية ومعامل الاسمنت, وكان للمرأة العراقية حصة في العمل في هذه المشاريع التي كانت نواة أولية لظهور طبقة عاملة عراقية, كان لها ألدور المهم في الحركة الوطنية العراقية.

نشطت الحركة الرياضية أيضاً, حيث أصبح العراق عضواً في اللجنة الأولومبية الدولية عام 1948, وتأسست فرق كشفية رياضية في مدارس العراق للبنين والبنات, وتكونت فرق كثيرة لكرة القدم والسلة والسباحة...الخ, فبرزت أسماء رياضية كبيرة مثل اللاعب جميل عباس(جمولي) في كرة القدم, وعلاءالدين النواب في السباحة, وعبد الواحد عزيز في رفع الاثقال, والذي حاز على الميدالية الاولومبية الوحيدة في تاريخ العراق.

(كل هذا حدث في العراق قبل أكثر من نصف قرن).

أما في مجال الاعمار, فقد تم تأسيس (المصرف العقاري) عام 1949, وكان يقدم القروض المالية للمواطنين لبناء وحدات سكنية, مما شجع على بناء الدور وبدأت المدن العراقية بالتوسع, وظهرت ضواحي سكنية حديثة في بغداد وغيرها من المدن, ومن هذه الاحياء (البياع) و(الدوره) و(السيديه)و(بغداد الجديده) و (الشعب) وغيرها, وتوفرت فرص العمل الكثيرة لعمال البناء, مما شجع أعداداً كبيرة من أبناء جنوب العراق على الهجرة الى المدن الرئيسية كبغداد والبصرة.

لو أن أحدنا يريد أن يتحدث عن كل ما حصل في عراقنا بتلك الفترات فلسوف لن ينتهي من الحديث عنها لكثرتها.

وبهذا الاستعراض البسيط والمختصر أردت أن أصل الى السؤال الذي يشغل الجميع وهو: مالذي حل بعراقنا الحبيب؟ ألم يكن أبناء اليوم هم أحفاد وأولاد ذلك الجيل الذي استعرضت الان شيئاً عنهم؟ وهل من المعقول أن تعود الشعوب الى الوراء؟

ان ما نراه اليوم ونحن في القرن الواحد والعشرين هو عودة العراق الى القرن التاسع عشر, فلقد استفحلت القوى الرجعية الى درجة كبيرة, وأصبحت تهدد أية دعوة للتطور والتقدم, وإذا كان الشاعر الزهاوي قد هدد قبل ثمانين عام , فأن ألف زهاوي آخر يقتل اليوم .

وأخيراً ...دعوة مخلصة الى كافة قوى التقدم في العراق, الى رصف الصفوف بعيداً عن المصالح (الأنانية), للوقوف بوجه هذه الهجمة الرجعية الشرسة والمخطط لها لجعل العراق بؤرة للتخلف والارهاب.

 

السويد
 

 

free web counter