| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

راهبة الخميسي

 

 

الأثنين 10/1/ 2011

 

ألوظيفة والتقاعد

راهبة الخميسي

ألوظيفة الحكومية هي عقد عمل بين الدولة ممثلة بدوائرها المختلفة من جهة وبين الموظف من جهة أخرى, وتلتزم الدولة والموظف كل إتجاه الآخر, حيث يقوم الموظف المختص بأداء عمله المقرر وفق القانون, وتقوم الدائرة المختصة بدفع أجر الموظف حسب القوانين المرعية, ولهذا وضعت الدولة العراقية منذ تأسيسها, ضوابطاً لذلك, كان من أبرزها (قانون الخدمة المدنية الموحد), الذي صدر عام 1960 بعد قيام ثورة 14 تموز المجيدة عام 1958, وخضع كافة موظفي الدولة لهذا القانون, منعاً للتمايز بين الموظفين, آخذاً بنظر الاعتبار, التحصيل الدراسي, وسنوات الخدمة, إبتداءاً من أبسط وظيفة, وحتى درجة وزير.

وأخذ هذا القانون بنظر الاعتبار مستوى المعيشة في ذلك الوقت, فعلى سبيل المثال, كان من يحصل على شهادة جامعية, يحصل على مرتب متساو في كل الاختصاصات كالمدرس, والمهندس, والطبيب, يضاف اليه مخصصات تسمى (غلاء المعيشة), محسوباً على إحصاء تصدره وزارة التخطيط, وفق الاسعار السائدة آنذاك, ولهذا فقد كان الموظف في الخمسينات والستينات من القرن الماضي, كان يشكل العمود الفقري للطبقة الوسطى في المجتمع العراقي, حيث كان يحسب ما يدفعه لتأمين السكن والغذاء والتعليم وغيرها من مستلزمات حياتية, وهذا ما موجود حالياً في كل دول العالم المتحضرة,,

كان ذلك في العراق منذ أكثر من50 عاماً, وكانت الدولة تستقطع من راتب الموظف جزءاً يسمى الاستقطاع التقاعدي’ وعند إكمال الموظف المدة المقررة حسب القانون, يحال الى التقاعد بعد أن يبلغ من العمر 63 عاماً, حيث يتفرغ لاكمال بقية حياته مطمئناً على نفسه وعلى أفراد عائلته ومستقبلهم.

ماذا حدث للعراق بعد ذلك؟؟!!!

بعد أن حدثت الطفرة النفطية في الاسعار عام 1973, حيث إرتفع سعر برميل النفط من 2 دولار للبرميل الواحد إلى 30 دولار, فازدادت بذلك عوائد العراق أضعافاً, صاحبها إرتفاع الاسعار عالمياً, وإنعكس ذلك على الاسعار في داخل العراق, حيث إرتفعت أسعار العقارات, والسلع على إختلاف أنواعها, ولكن الدولة لم تعدل مرتبات الموظفين وفق ذلك.

وبدأ مستوى المعيشة لذوي الدخل المحدود بالتردي, وهنا بدأ التخبط في القوانين الوظيفية, وهذا بدوره أدى الى إنتشار الرشوة والفساد الوظيفي, وفقدت الدولة عدداً كبيراً من الكفاءات, حيث اضطر أصحاب الكفاءات الى العمل بأعمال أخرى أو هاجروا للعمل في دول الخليج وغيرها.

ثم جاءت فترة الحصار, وصاحبها إنهيار قيمة الدينار العراقي فأصبح الموظف غير قادر على أن يسد أبسط إحتياجاته الحياتية, وأدى هذا الوضع الى تفكك الاسرة العراقية, فكثرت حالات الطلاق, والمشاكل العائلية الاخرى.

وبعد هذه السنين الطويلة, جاء التغيير عام 2003, وإزدادت عوائد العراق, وأصبحت الميزانية العراقية من أكبر الميزانيات في تاريخها, وكان الموظف المتقاعد ينتظر أن يعيش بقية حياته براحة وكرامة ورفاه, ولكن أحداً لم يلتفت له, فهل يعقل أن المواطن الذي أفنى زهرات السنين في خدمة وطنه, يعيش حالة بؤس وعوز وفقر, في دولة تعتبر من الدول الغنية؟

يبقى المواطن العراقي يتأمل إصدار قانون جديد للخدمة المدنية في العراق وأن تأخذ الدولة بنظر الاعتبار كل المتغيرات الاقتصادية, وأن تزيل كل الفوارق بين الموظفين والعاملين, وحسب الشهادة وسنوات الخدمة, وأن تضع عقوبات مشددة للفساد السائد بكل أشكاله, كي يستقيم العمل في دوائر الدولة التي ينخرها الفساد الوظيفي.

وأن لا تنسى دولتنا الجديدة حق المتقاعدين المسلوب منذ عشرات السنين, وأن تعوضهم بما يستحقونه من أجل حياة كريمة.
 

السويد

 

free web counter