| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

رواء الجصاني

jassaany@yahoo.com

 

 

 

 

الثلاثاء 11 / 9 / 2007

 

 


حين "يحاسب" الجواهري نفسه !


رواء الجصاني

إلى جانب اعتداده اللامتناهي بالنفس، وبشعره وابداعه، يوثق الجواهري في العديد من قصائده وبمناسبات مختلفة، كمّاً من المراجعات والانتقادات الذاتية، بصراحة مطلقة حيناً، أو عبر الاستعارة الرمزية أحياناً أخرى... ولا يبدو الشاعر الكبير مجاملاً في ذلك، بل مصرحاً بما آمن به من منطلقات ورؤى، موجزاً ذلك ببيت بليغ عام 1971: "لا يعصمُ المجدُ الرجالَ وإنما، كان العظيمُ المجدَ والأخطاءَ"...
وفي هذا المسرى، تأتي الكثير من البينات الأخرى لتضيف ثوابت في نهج، ومنهج الجواهري خلال سيرته التنويرية والابداعية والحياتية... خاصة وهو يعترف دون مواربة بالارتهان لمجتمعٍ "يخشى اللصوص فيذبح العسسا"، وبكل ما يترتب على ذلك من معان ٍ وقيم... وفي ضوء هذه الحقيقة، جاءت مقارناته، ومقارباته للذات مع الآخرين، في كثير من قصيده، ومن بينه في "المقصورة" الشهيرة: "أقول لنفسي إذا ضمها وأترابها محفل يزدهى، تسامي فانك خير النفوس، إذا قيس كل على ما انطوى" ... ثمَّ يعود مرة أخرى، خلال سجال ذاتي بشأن متجاوزين عام 1975 ليصرح: "ولا يعلوك خيرهم ... ولست بخيرهم ابدا"...
... ولا يكتفي الجواهري بالمقولات والتوصيفات العامة وحسب، بل ينتقل إلى الخاص والملموس في أحيان عديدة لينتقد الذات، ويجلدها بقوة وقسوة شديدة، وربما بهدف المبالغة والعرض الأوضح، أكثر منه قناعة ً... وإلا فهو الأقدر – لو أراد - أن يجد رمزية أكثر دلالة من مباشرته القول: "خلفت غاشية الخنوع ورائي..." عام 1956 على سبيل المثال... وبثقة المقتدر أيضاً نراه يؤكد، في بائيته الأشهر سنة 1949، أنه "حرٌ يحاسب نفسه أن تنثني، كيما يروح لمن سواه محاسبا"، أو الاعلان مع سبق الاصرار: "خير الشفاعة لي بأني كاشفٌ، حرَّ الضمير، وقائل هذا أنا" ليستبق متصيداً هنا، ومترصداً هناك، ولكي ينطلق بعد ذلك – بكل حرية – في تناول الأمر، واصدار الأحكام...
... وإذ يمنعه الطبع – لا التطبع – من التراجع، وان كان مطلوباً في أحداث محددة، يصطنع الجواهري صيغة الافتراض غير الملزم بديلاً في بعض الحالات... ولعلَّ دليلنا على ذلك ما ردع به متنطعين ومدعين، عام 1974 بقوله: "هبوا كل القوافل في حماكم، فلا تهزوا بمن يحدو الجمالا"... أو قوله معاتباً "مصر" في سنوات "جفاء" تصورها، أو عاشها: "وهبي ثقيل الظل كنت فلم أطق ..."... وكذلك قوله "هبيني لم اسلف جميلاً..." في قصيدة "كفارة وندم" عام 1954...
وأخيراً، لا أشك بأن السطور السابقة حوت الكثير من الانتقالات التي قد لا توفي الفكرة تمام حقها، ولكني لا أشك أيضاً بأنها تقود لبعض ما أردنا استهدافه، والتوقف عنده!