| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

رحيم الحلي

arsrks@yahoo.com

 

 

 

 

الثلاثاء 5/6/ 2007

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس


 

محسن ناجي بصبوص أسطورة البطولة


رحيم الحلي

بينما كنت امشي في حارات دمشق القديمة ،برفقة المناضل فيصل الخليلي ،وشهيد الغربة الأستاذ حفظي شهيد ناجي، انتبهت للأخ فيصل وجدته حزينا شاردا ، وهو صاحب الابتسامة العريضة المحببة للجميع ، ومعروف بروح الدعابة والنكتة التي كنا اشد ما نحتاج لها في غربتنا ، وربما كان يحاول بها تضميد جروحنا والتخفيف عن معاناتنا ،وهو المعروف بنبله دائما ، في ذلك اليوم من أوائل الثمانينات رايته حزينا ، قلت في نفسي ربما تذكر أخاه فارس محمد حسين الخليلي المعتقل في سجون سلطة صدام ، اوربما تذكر أخاه فاخر محمد حسين الخليلي المقاتل في حركة الأنصار الشيوعيين، قلت له ها أبو الغوز وين أنت ؟ قال :خوية تذكرت واحد من الإبطال وسأسرد لكم الحكاية على لسانه الصادق.
قال كنت في قصر النهاية في عام 1970 ،كان هناك سجين شيوعي عَصيُّ على الجلادين ، اسمه محسن ناجي بصبوص ، من مدينة الحلة ، اتعب الجلادين الذين لايتعبون ، كان مدير السجن المجرم ناظم كزار المعروف بقسوته وبطشه ، عجز عن كسر صلابة هذا الرجل ومعرفة المعلومات التنظيمية الثمينة ،الموجودة في رأس هذا الرجل ،وكانت جولات التعذيب كثيرة ارهقت الجلاد والمجلود معا ، فيأخذ الجلادين الاعياء والياس ، ولم يبقى امامهم سوى ان يثقبوا راس الرجل ، للوصول الى تلك المعلومات، وللخلاص من هذه الرحلة المتعبة للطرفين مع الفارق طبعا ، وردت للرجل فكرة ذكية أرضَت الجلادين فورا ،وأنهوا جولة التعذيب واعتبروا ان الصيد قد سقط بايديهم ،وحققوا النصر على هذا الرجل المحاصر ، قال لهم : ان المعلومات التي امتلكها لن اسلمها سوى للمشرف ، وكان المشرف على قصر النهاية أنذاك المقبور صدام بشحمه ولحمه ، رغم ان الفكرة لم تعجب ناظم كزار كثيرا ، ولكن لم يبقى امامه خيار ، فربما يموت الرجل بين ايديهم ، وهم المعروفين بقسوتهم وفظاظتهم ، وستضيع المعلومات الموجودة عنده ، وستسجل عليه مأخذا امام المشرف ، وكل من الرجلين كزار وصدام يريدان تسجيل النقاط لصالحهم امام سيدهم احمد حسن البكر ، من اجل مستقبلهم السياسي الشخصي ، عندما جاء السيد المشرف كما كانوا يسمونه ، اصابه نوعا من الزهو والفخر عندما سمع الخبر، و اعترته ابتسامة عريضة مغرورة كما يعرف عنه في مثل هذه المواقف المحببة لديه ، جاءوا بالرجل وهو المناضل محسن ناجي بصبوص وأشخصوه امام صدام الجالس على كرسي وُضع له في باحة السجن و المطل على زنزانات السجناء رغبة منهم في تحطيم معنويات السجناء وتكسير نفوسهم كما كانوا يقولون ، ابتسم صدام وهو ينظر اليه بطرف عينيه ،بعد ان أخرج السيكار من فمه ، قال له : تفضل اجلس ! هاتو له الشاي ! كان الرجل لا يقوى على الوقوف فقد حطموا جسده ، يمسكه الجلادين كما يمسك الصيادون صيدا عزيزا ، رفع الرجل رأسه المتعب فبصق على صدام ، فقام صدام منتفضا يرتعد غضبا واخرج مسدسه بسرعة وكان من النوع المسمى أبو الطوبة ،اخرج طلقاته واحشاه بطلقة أخرجها من المنضدة المنصوبة امامه ،ثم سددها الى رأس الرجل ، فتناثر راسه على حائط الباحة دما طاهرا راسما على الجدار لوحة حمراء خالدة لاسطورة البطولة كُتِِبَ عليها اسمه ، الشهيد محسن ناجي بصبوص .
اسم هذا الرجل حُفِرَ في قلبي وضميري ، ووضعته الى جانب جيفارا ، وفهد ، والشبيبي ، وسلام عادل ، وكاظم الجاسم واخرين ، خنقتني العبرة ، شَردْتُ بعيدا ونحن لازلنا نمشي في حارات دمشق القديمة ، شعرت وكأني امشي في حي الجامعين في الحلة والذي تغنى به الشاعر صفي الدين الحلي ، وهو نفسه الحي الذي ولد فيه الشهيد محسن ناجي بصبوص ، وكلما جلست مع الاخ الحبيب فيصل الخليلي ، في جلسة او سهرة كنت اطلب منه ان يعيد لنا هذه الحكاية كان يعيد لنا الحكاية من البداية الى النهاية ، دون ككلل او وجل ، يحكيها بأفتخار مصحوبة بأبتسامة اكبار مختلطة بحزن عميق ، فتمتزج في داخلي مشاعر الحزن والفرح الزاهي بلون البطولة ،فتزيدنا هذه الحكاية صبرا في رحلة الغربة المرة ، وتزيدنا شجاعة وتزيدنا املا ونجد انفسنا مقصرين مع كل مواقفنا وتحدينا للسلطة الفاشية عندما نقارنها مع هذه الشجاعة الاسطورية ،وتستمر الحكاية معي أَحكيها لنفسي في غربتي عندما رحل احبتي ، وبقيت كالسيف وحدي ،توزعوا بالمنافي لقد اكتشفوا لنا اماكن نائية بعيدة عن الوطن ، البلدان الاسكندنافية ، رحل الكثير من الاحبة الى هناك من اجل تحسين مستوى معيشتهم ، ورفضت انا الابتعاد عن الوطن وصبرت على نفسي التي اتعبها الجوع ، ورحل اخرون من عالمنا المتعب يحلمون بعالم اجمل وأقل قسوة ، المناضل شهيد الغربة المناضل طارق المولى ،و المناضل حفظي شهيد ناجي ، اما انا فقد سكنت اطراف الريف في غوطة دمشق بسبب عدم قدرتي على دفع الايجار في المدينة ، وفي عزلتي الطويلة التي دامت خمسة عشر عاما بعد رحيل احبتي بقت الحكاية معي ، مثل الزوادة التي اعطتني اياها النسوة اثناء هروبي في الصحراء وانا اواجه الموت ، ظلت حكاية محسن احدى زواداتي الفكرية ، وحين عدت الى الحلة بعد سقوط الطاغية صدام ،اتذكره كلما مررت بحي الجامعين وددت لو أُقَبِل الجدران حبا له ، وحبا للشهيد فاضل وتوت وبعد اقامة مجلس عزاء على روح الشهيد سعيد الصفار في جامع الخضر والتعرف على اخوته الرائعين ، واقامة مجلس عزاء للشهيد محمد علي الحمامي وأخيه الشهيد لواء الحمامي في جامع ابن طاووس بالطبع حضرت مجالس عزاء كل الشهداء التي اقيمت في الحلة وهي لاتحصى ، حضرت مجلس عزاء الشهيد محسن ناجي بصبوص ،عجبت من الايام كيف تتبدل ؟ ، فبعد اكثر من ثلاثين عاما اقامت له اسرته مجلس عزاء التي منع النظام السابق اقامة مجالس عزاء على الشهداء ، تعرفت بفخر على ذويه ، على أخيه الشاعر الوفي عبد الوهاب ناجي بصبوص ، وانتهى الطغاة وهذا مصيرهم ،وكما جاء في القران الكريم : اما الزبد فيذهب جفاءا اما ما ينفع الناس فيمكث في الارض . قصص الشهداء حكايات انسانية جميلة تظل تتداولها الناس رمزا لبشر نبلاء شجعان اثروا الاخرين على انفسهم وما احوجنا لتذكر هؤلاء ونحن نرى اناس يقتلون الناس بالاجرة اوبدونها على الهوية ، تنفيذا لرغبة الدول المحتلة للعراق والتي جعلته ساحة صراع لاراداتها ،لا أعجب من الاحتلال ولا من الدول المتحاربة ، لكن اعجب من الاخ عندما يُهَجِر أخوه من ارضه او من دنياه ،اين هؤلاء من هؤلاء ؟ ، مابالك من اخوة انجبتهم ام واحدة هجًّروا أخاهم من اجل بيت او من اجل قهره و تنفيذ ارادات باطلة ، بينما يهب الشهيد حياته للاخرين ، دافعا عنهم الاذى ومن اجل حياة افضل لهم .
سلاما لمحسن ناجي بصبوص وادعوا كل عراقي ان يقرأهذه الحكاية ففي هذا الوقت الذي نحن فيه ، نحن بأشد الحاجة لان نجعل من محسن ناجي بصبوص معلمنا ونجلس امامه صاغرين لنتعلم منه درسا في الانسانية في الحب في التضحية ،فهؤلاء سيجعلوا حياتنا اجمل واكثر صفاءاً.
انحني امامك اجلالا ايها المعلم الكبير محسن ناجي بصبوص