| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

رحيم الحلي

arsrks@yahoo.com

 

 

 

 

الجمعة 29/6/ 2007

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 


ألف سلام لسعدي يوسف


رحيم الحلي

سعدي يوسف شاعر كبير بكل ما تعني الكلمة ، ليس فقط شعرا ، بل وإنسان ، في تاريخه الصلد ، شجاعته وعنفوانه العالي .
أحب الفقراء ، فأصبح شيوعيا ، ودخل السجن ودفع ضريبة الانتماء ، أحب وطنه ، حبا جذريا وثوريا ،فوقف بوجه الطغاة ، حرمته القوى اليمينية من وطنه ، فغادره مكرها فتجول بين المنافي لعقود ، بدأت في الستينات ولم تنتهي ليومنا هذا ، وهو يكابد خيارات الاغتراب واختيار المكان الذي يعطيه جزء من حنين الوطن ، ويعوضه شيء من هذا الحرمان ، انه يبحث عن نهر أخر ووطن يعوضه عن ذاك الذي وضعه فوق صدره ، رغم قوله لجريدة أخبار العراق ، العراق ليس وطني ، إن انفعاله له مايبرره ، وهو يرى كيف انحنت النخلات كثيرا وصمتت إمام حفلات الموت المتكررة ، وكيف ارتضت إن يصلب عليها الشهيد زيد بن علي وكيف أعطت تمراتها بسرور ، للحجاج ، وكيف صفقت سعفاتها لعبيد الله بن زياد ، ولصدام ،وكيف تحجج أهل الكوفة بحر الصيف وبرد الشتاء ،وكأن الدنيا ليس فيها صيف وشتاء ، وتفرقوا على حقهم واجتمع أعدائهم على باطلهم ، أليس هذا ما قاله سيد الحكمة وأبو الفقراء علي بن أبي طالب عليه السلام ،هل هناك ابلغ من قوله يا أهل الشقاق والنفاق ملأتم قلبي قيحا ،آه لو اقدر إن اعرف عدد المخبرين الذين تطوعوا لخدمة صدام ، كم من أخ قتل أخوه وكم من أب قتل ابنه ، سأروي لكم هذه الحكاية في يوم من أيام غربتي الطويلة ، سكنت في احد الأحياء في مدينة عربية ، لن أقول في أي بلد كي لا أُتهم بأي تهمة جاهزة ، أتت سيارة تسأل عن شخص يسكن في الحي ، كنت اشتري من احد الدكاكين طعاما لأسرتي ، كان في الدكان سبعة من أهل الحي إضافة إلى البائع ، صمت الجميع ولم يتطوع احد للجواب ، عرفت الشخص وانأ الغريب ، بالطبع لم اجب لأني أترك ما لمكة لأهلها ،ولكن سؤالا بقي في صدري ، وجهته لهم بعد ذهاب السيارة ، قلت لهم أحقا لم تعرفوه ، قالوا بلى نعرفه ، ولكننا لم نعرفهم ربما تسببنا بضرر له إذا أجبناهم ، اتسائل كم شخص سيركض أمام السيارة في العراق ليدلهم على مثل هذا الشخص ، ذات يوم حين عدت إلى العراق بعد غياب ربع قرن بسبب معارضتي لجرائم صدام وحماقاته ، سألني احد المثقفين قائلا ، يارحيم كم عدد الناس الذين جاءوا لتهنئتك على عودتك إلى الوطن ؟ قلت له كثيرون ، ثم أردف قائلا صدقني سيتراكض اغلبهم للإخبار عنك ، حين يشعروا بان طلائع قوات صدام وصلت إلى مدينتنا لاسمح الله ، هذا الرجل ابن العراق عاش فيه لم يغادره ويعرف نبض الشارع .
سأروي حادثة طريفة ، لم يذكرها حتى الأبشيهي في كتابه المستطرف في كل فن مستظرف ،ولو سمع بها لسجلها في كتابه دون تردد ، حين عدت إلى وطني بعد ربع قرن من الغياب ، طلبت أختي عند الصباح ، وكنت لازلت تعبا ونعسان ، إن ابحث عن بيت للإيجار ، وأتذكر إن رجلا لا اعرفه في بلد عربي استضافني في بيته ثلاثة أشهر ، وساعدني لكوني غريب بحاجة للعون ، لو نظرنا إلى الاستدارة التي سلكها واقعنا من الانتماء إلى مليشيا فدائي صدام ثم إلى مليشيا فدائي مقتدى ، ومن عدي صدام إلى عمار الحكيم ، وكيف تراكض الكثيرون لأخذ العظام من أيدي بريمر .
لا أنكر مسؤولية صدام الكبرى عن إشكالية الاحتلال ، فهو من أوصل شعبنا إلى هاوية الاحتلال ، لكن الآخرين ارتكبوا الاخطاء ، أراد المحتل إن يقضي على تاريخهم ، بان يضعهم في فخ خطير هو العمالة ، فظهر مدمر العراق وكأنه حاميه في لقطة صغيرة إمام تاريخ طويل من الهمجية والرعونة وخدمة المشروع الأمريكي ،هذه مسرحية الأمريكان وهذه أفخاخه ، لا ألوم الغريق عندما يتمسك بأي شيء يلوح له كي يخرج من يمه ، ولا أوجه اللوم للقوى الوطنية حين عادت إلى الوطن من اجل بناءه ، فليجتهد المجتهدون هذا وطن وهذا شعب ، يستحق الاجتهاد والتضحية ، وستثبت الأيام الصواب وتنبئك بما كان خافيا منه .
سلام للشيوعيين والديمقراطيين وكل قوى التقدم والحضارة في وطننا العراق ، أقول إن العراق هو الأب وألام وسيبقى على قسوته على أحبابه غاليا يستحق منا أكثر من المحبة ،وأكثر من الوفاء ، لقد تعلمنا في مدارسه وشربنا من ماءه ، ويبقى حقه علينا كبير.
سلام للشعراء ، سلام لشاعرنا الكبير سعدي يوسف ، ستبقى غاليا ، سنحبُ حتى نرفزاتك الفكرية لايمكن إن نتنكر لأخ كبير شاركنا المحن ، وان لم يكن بذات المشقة ،وكابد مرارة الألم والفراق في رحلة المنافي ، الشاعر نهر من انهار المعرفة ، لن نطمره إذا امتلأت جروفه بالطين ، سنزيل طينه برموش العين ، لنغمره بالمحبة ، كي يجري ماءه المقدس .
الشاعر سعدي يوسف شجاعا كعادته ، ولم يكن تقليدي لا في شعره ولا حتى آراءه ، تعجبني جرأته وتجرئه على قول مالا يستطع غيره قوله ، وكأنه يقول مايريد إن يقوله الآخرون فتعوزهم الجراءة ، وحين قال لست عراقيا أراد إن يتخلى عن هويته كي يستعيد العراق هويته المفقودة ، انه يستفزوطنه ، لاشك إنه نداء إلى الوطن كي ينهض من كبوته ويستفيق من غفوته ، كي يخلع من جلده القراد الأسود الذي التصق به يمتص دمه باسم الدين ، بعد إن تخلص من القراد الأزرق الذي امتص دمه باسم الأمة ، الشاعر إنسان ربما يصيبه اليأس والإحباط ، وربما يكون نداءه صدا لروحه اليائسة الضائعة في مدن المنفى .
اعذروا الشعراء مثلما تعذروا الأنهار ، إذا ابتعدت عن مجراها .