| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

رحيم الحلي

arsrks@yahoo.com

 

 

 

 

الأحد 26/8/ 2007

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 


هل مات المغني

رحيم الحلي

لم تجف الروح بعد ولازالت ندية رغم رياح الصحراء الصفراء ، لم يمت المغني بعد وما مات الغناء ، رغم إن البلابل يرعبها صوت المدافع ، وتقشعر من ظلام الليل ، وكان الغناء في أحيان كثيرة بكاء مموسق وتعبير عن الإحباط والخيبة والمرارة التي التصقت في قاع الروح ، كان الغناء نعي ونشيج إنساني لايخلو من الأمل ، بدون الأمل لمات المغني فعلاً .
بلبل هرم أتعبه الزمان وأهواله ، وفقدان الأحبة الزوجة والابن ، يحن إلى التغريد لكن جهابذة التحريم حرمَّوا عليه الغناء.
لمثل هذا البلبل الهرم فأن الغناء ماعاد تعبيراً عن فرح بل هو نعي الذات المهزومة في حياة صاخبة ملئى بالأحداث المأساوية في بلد المصائب والأحزان ، انه المطرب المخضرم عبد الزهرة مناتي حين طلبت منه إحدى المذيعات في إحدى المحطات الفضائية غير العراقية إن يغني ، صمت المغني وتسمًّرت دمعته في محاجر عيونه المتعبة ، قائلاً لقد حرموه عليَّ ، أتسائل هل حرموا القتل على الهوية أو الاسم ؟ هل حرموا السلب والنهب ؟ هل حرموا الانتماء إلى مليشيات القتل المأجورة ؟ هل حرموا ظلم الإنسان لأخيه واستغلاله ؟ فقط حرمَّوا الإصلاح الزراعي ، وحرمَّوا الاشتراكية ، وحرمَّوا الغناء وزقزقة العصافير وتغريد البلابل .
أقول لشيخ البلابل اعلم انك لم تقدر إن تطير فلم تعد جناحيك قادرة على الطيران بعد إن اقتلع الزمان الكثير من ريش جناحيك وانحنت عظامهما ، وإلا لأجبرك ضجيج القصف وصوت البنادق على الهروب بعيدا ، خارج البستان المشتعل والملتهب ، بعد إن غاب القمر من مساءه المخيف ، وخيم الظلام الطويل على سمائه إلا من وميض البنادق الليلية المجهولة والمعلومة .
وبصوت مبحوح مُتعب شَكر مؤسسة المدى على مكرمة قدمتها للفنان عبد الزهرة مناتي ، واستطاعت المذيعة بعد إلحاح وترجي إن تجعله يدندن بواحدة من أغانيه الريفية الجميلة ، فَََشَعَرتُ إن روحه لازالت ندية وطرية بالمحبة ، ولم يمت المغني بعد .
لكن سؤالا أوجه لمسؤولي الإعلام لم هذا التجاهل للفنانين من ملحنين ومغنيين من الذين أطال الله بعمرهم ، أو الذين رحلوا حزنا وكمدا أو قتلا ؟! فلا زال كِتاب الأغاني يدل على قدرالادب والشعر والمغني وأهمية الغناء ،من منا لايعرف زرياب و الفارابي وإسحاق الموصلي ، وكانت الأغاني دواءاً للقلوب الكسيرة و تنهدات النفوس المتعبة ، لم يكتب أبو الفرج عن الطواغيت على كثرتهم وعظمة قدرهم ! في تاريخنا الجليل ، ولا عن أسياد الظلم وأذنابهم بل أرَّخ للأدب والغناء ، أقول لأولئك المسؤولين لاتنسوا المغني فهو أنبل من كثيرين ، بدءا بالدجالين والناعين والناعقين وانتهاءاً برجال المليشيات المأجورة ، رفقا بالمغني رفقا بالبلبل الشادي فلقد بقي سيد درويش ولم يبقى فاروق ، وبقيت فيروز ومات كثير من الساسة والزعماء ، فالبلبل الصداح أغلى بكثير من البنادق وأبقى ، فكم بلبل أبكى صاحبه برحيله ، لازلنا نبكي ناظم الغزالي ولم نبكي على رحيل كثير من الزعماء والساسة إلا الوطنيين الشرفاء ، يتذكرهم الفقراء وأحرار الوطن ، ويعلق في القلب والذاكرة البلبل الشادي لا لن يموت المغني فما مات المغني بل سيموت زعماء الطوائف والحرب والمليشيات .
كنت أود إن ابعث قبلة أطبعها على خد المغني عبد الزهرة مناتي ، وأقول له غني كي تبعد الاحزان عني كي تجعل الحياة أجمل وأطرى ، سيبقى قطار الشوق يغذ السير لن يوقفه اللصوص الملثمون ، غني فالحب والجمال والبهاء ليس حراما ، إنما القبح والأشواك النابتة وأنياب الذئاب المكشرة هي الحرام ، غني وأتكيء على فتوى القلوب الندية ، أتكيء على جذع شجرة التوت أو التين فاسمع إلى فتوى العصافير والبلابل عسى إن تلقي إليك بحبة تين وتدعوك إن تغني ، أو عد إلى قطارك الأزلي قطار الحب والشوق ، فالعمر طويل بعد.