| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

رحيم الحلي

arsrks@yahoo.com

 

 

 

 

السبت 16/6/ 2007

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 


مناجاة للشهيد
فاخر محمد حسين الخليلي


رحيم الحلي

ولد الشهيد فاخر محمد حسين الخليلي ،عام 1958 في مدينة الحلة ، من أسرة نجفية ، في السبعينات رفض الانتماء إلى الحزب الشيوعي بسبب موقفه المناهض لسياسة التحالف الجبهوي التي اتخذها الحزب آنذاك ، وفي عام 1981 انخرط في صفوف الأنصار الشييوعيين ، عرف بشجاعته الفائقة ، واندفاعه وحماسه الشديد ، كان نموذجا متفردا في البذل والتضحية ، يحترق مثل شمعة كي ينير الدرب للآخرين ، استشهد في معركة بشت أشان التي شنها الاتحاد الوطني ضد رفاقنا الشيوعيون البواسل في اذار عام 1983 ، سلاما لشهداء بشت اشان ، وكل الشهداء الإبطال .
إليك أيها الخليل الخليلي أبث حزني ولوعتي ، أيها الصديق الصادق ، والأخ الحقيقي الذي لم تلده أمي ، اليوم أبعثر الخطى تائها ، في غربتي الطويلة التي ستقارب الثلاثة عقود ، مضى ربع قرن على شهادتك في جبال بشت أشان التي قارعت فوقها ديكتاتورية الغجر ، وأردت الديمقراطية للعراق ، والخبز للفقراء ، كي تتوقف عجلة القمع ، التي درات على رأس العراقيون ، منذ إن اشتدت بعصر الحجاج ودارت بعنف اشد في عهد ديكتاتور الغجر.
أسير حائرا في بساتين غوطة دمشق ، مذهولا بين أشجار الجوز والمشمش والدراق ، اقطع المسافات مشيا ، في الطرقات المعبدة والترابية ، لا ادري إلى أين اذهب ؟ ولماذا أسير بهذا الطريق الفرعي أو ذاك؟ أتوقف بين الأشجار متكئا على جذع احداها ، وافترش التراب تحت أخرى ،أسير بلا هدف ، كي يمضي يوم أخر من أيام الغربة ، فقد تقع بيدي حبة مشمش رمتها الرياح ، وأحيانا يمنعني بستاني من الجلوس على إطراف مزرعته ، فاحمل جسدي المتعب كي أحط في مكان أخر ، مثل طيور السنونو المهاجرة ، إلا أنها تقدر إن تتخطى الموانع أكثر مني ، أتذَّكرُ يافاخر القصيدة التي تتحدث عن العراق والغربة ، قصيدة السياب الرائعة ، وبالطبع كل قصائده روائع ، تلك التي وجدت في جيبك بعد شهادتك أيها الحبيب.

أحببت فيك عراق روحي أو أحببتك أنت فيه
يا أنتما - مصباح روحي أنتما - و أتى المساء
و الليل أطبق ، فلتشعا في دجاه فلا أتيه
لو جئت في البلد الغريب إلى ما كمل اللقاء
الملتقى بك و العراق على يدي .. هو اللقاء

ذات مرة وانأ امشي بلاهدى ، اجتذبتني قبة لأحد الرجال الصالحين ، لا ادري لمَ تشدني القبب والمقامات ؟ ! ، أقف إمام الضريح أقرا تاريخه ، مناقب صاحبه ، وأقرا له سورة الفاتحة ، وأناجي صاحب الضريح ، كان ضريح أبو موسى الأشعري ، وأنت تعرف قصته في صفين ، حين اجتهد لحقن دماء المسلمين، لكن مكر عمرو بن العاص كان اقوي منه ، وتعرف بقية الحكاية ، أعود للضريح ، قبة قديمة متهالكة في القدم ، تاريخ بناءها يؤشر للقرن السادس الهجري ، جلستُ جنب قبره قرابة الساعتين ، بكيتُ شهداء صفين والجمل ، مرورا بشهداء عين الوردة في ثورة التوابين ، تذكرت كل شهداء الدنيا ، بدءا بعيسى بن مريم ، حتى انتهيت بجيفارا، انفجر في داخلي بركان الحزن ، حين خرجت رأيت فلاحا ينظر إلي بفضول ربما ظنني مجنونا أهيم على وجهي ، في ارض الله الواسعة .
هذه ابيات السياب الذي احببته واخذتني لزيارة بيته في جيكور عام 1979، كنت تحمل ديوانه الكامل في جعبتك ، تتحدث عن شعره وحنينه ، السياب وهو في الكويت التي لاتبعد أكثر من رمية حجر عن وطنه ، حين كتب قصيدة الغريب يبث لوعته واشتياقه ، كتبت إليك هذه القصيدة كي نتذكر الرحلة وكي ابعث لك ماتحب ، وأنت تتسلق جبال كردستان الحبيبة ، من اجل الحرية والعدالة وازاحة الظالمين ، وبقي الديوان في جعبتك بعد الشهادة ، وجده رفاقنا الذين دفنوا جسدك الطاهر في جبال كردستان ، رفضت إن تموت في الغربة ، رفضت بعناد ارادة الفاشست ابعادك عن الوطن ، واصررت على مقاومتهم بالسلاح بعد إن قاومتهم بفضحهم إمام الملأ ، ولن ينسى الكثيرون كيف بصقت على مقر منظمتهم الحزبية إمام الملأ ! ، وانت في سيارة الابعاد إلى خارج الوطن ، اتهموكم بانكم لست عراقيون لانكم كنتم لاتؤمنون بعصبيتهم النابعة عن جهلهم وهمجيتهم ، كيف لا وانتم أهل الثقافة ، من اسرتكم خرج القاص جعفر الخليلي ، والاديب الرائع المناضل الراحل عبد الغني الخليلي.

شوق يخض دمي إليه ، كأن كل دمي اشتهاء
جوع إليه .. كجوع كل دم الغريق إلى الهواء
شوق الجنين إذا اشرأب من الظلام إلى الولادة
إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون
أيخون إنسان بلاده؟
إن خان معنى أن يكون ، فكيف يمكن أن يكون ؟
الشمس أجمل في بلادي من سواها ، و الظلام
.حتى الظلام - هناك أجمل ، فهو يحتضن العراق
واحسرتاه ، متى أنام
فأحس أن على الوسادة
ليلك الصيفي طلا فيه عطرك يا عراق ؟
بين القرى المتهيبات خطاي و المدن الغريبة
،غنيت تربتك الحبيبة
وحملتها فأنا المسيح يجر في المنفى صليبه ،
فسمعت وقع خطى الجياع تسير ، تدمي من عثار
.فتذر في عيني ، منك ومن مناسمها ، غبار
ما زلت اضرب مترب القدمين أشعث ، في الدروب
،تحت الشموس الأجنبية

أعجب أيها الخليلي لما يجري في وطني المستباح ، بالذي يحدث للناس ، كيف أصبح بعض المغمورين زعماء ، وأسسوا المليشيات والعصابات بفضل نقود أهل الأغراض من المتدخلين ، وسخاءهم وكرمهم ، اشتروا جوع الفقراء واستغلوا جهلهم ، فقد ازدادت الأمية وانخفضت نسبة المتعلمين ، فحروب الفارس العتيد ، حطمت البلاد ، واشتدت الظلمة ، فانتعشت سوق الشعوذة والدجل ، فوجدوا في الظلمة غايتهم ومبتغاهم ، وأدخلوا فقراءنا في ملهاة العصر، وجعلوهم مثل الديكة يقتل بعضهم بعضا ، وجلس الأسياد يتفرجون ويضحكون ، وجلس الحكواتي يقص على السامعين حكايات الماضي وخلافات الأجداد ، ويلهب الحماس ، فيخرج السامعين غاضبين معربدين يسبون ويشتمون رجال رحلوا منذ إلف عام و بضعة قرون ، دون إن ينتبهوا للصوص من حولهم يسرقون خبزهم ، ويتركوهم يناموا في الظلمة ، يسكنون حارات أسنة تملأها الازبال ، وينام زعماء الفتنة في قصور متنعمين بما سرقوا من قوت الفقراء ، والفقراء يتقاتلون منشغلون ، رؤوسهم للوراء منصوبة ، مثل دمية أدار صاحبها الشقي رأسها للخلف ، عابثا بها .
أنهم يعبثون بحياة الناس ، يفجرون المساجد والكنائس ، واضرحة الائمة والعلماء كي تتصاعد الفتنة ، وكي يتقاتل السذج ، من الذين صدقوا الحكاية ، فالحكاية محبوكة بعناية المتخصصين والمحترفين ، وهناك من برز نجمهم في أجواء الفتنة الطائفية ، وارادوا اشعال الحرب بين أطياف الوطن ، حيث لا مكان لهؤلاء في وطن يحكمه العقل والثقافة والوحدة الوطنية ، هؤلاء ينطبق عليهم قول المأثور مصائب قوم عند قوم فوائد .
أين كانت هذه المليشيات عندما وقفت الفصائل الثورية المسلحة ضد ديكتاتورية صدام ، كان قسم كبير من قواعدهذه المليشيات في المنظمات القمعية كفدائيي صدام وجيش القدس ، والان بفضل تمويل اصحاب الأغراض من المتدخلين ، اسسوا مليشيات واصبحوا زعماء ، أنهم كجمر المواقد لايرى إلا عند اشتعال النيران ، و يلمعون عند المصائب ، وهم المصيبة.
سيجعلوهم نجوم في حياتنا السياسية ، كما يجهد الإعلام الأمريكي ومن لف لفه ، من صنائع هذا الإعلام ، خصوصا أولئك الذين لبسوا ثياب التشدد الديني بكافة الوانه واطيافه ، وأصبح خطابهم الاعلامي اشد حماسا من خطاب الشهيد جيفارا وهو في ذروة صراعه المسلح ضد الاستعمار الأمريكي ، إلا إن جيفارا صادقا وهم كما كاذبون.
انها سينما السياسة الامريكية ، بكل تقنياتها ومهاراتها المبدعة ،وكل قدراتها الحرفية ، يساعدهم اعداء مسيرون واعداء مخيرون ضمن برنامج الصراع المبرمج ، ووسائل إعلام تلهب الحماس والهياج والنتيجة معروفة عندهم ، فمهارتهم عالية ، والعاب الخفة السياسية ستخدع الجميع .
سلاما للشهداء الذين ماتوا في حودث متفرقة ، بنيران قناص متخفي ، أو مسلح مجهول .
سلاما لشهيد وقع وهو يقاوم المحتل .
من حق المرء إن يجتهد من اجل الناس والوطن ، ولكن لا اجتهاد بدماء الناس ، ولا في نبش الماضي البعيد ، وحبذا لوترفعنا على الماضي كله ، حتى ننظر للاتي ، كي نبني وطننا مجتمعين متحابين ، نترفع على جروحنا والالامنا .
زعماء الفتنة صنعتهم رغبة المحتل وهو يمارس سياسة صنع الاضداد من اجل اضعاف الجميع وادامة الاحتلال وكي يكون المحتل قطب الرحى ، لذا همش المحتل كل الفصائل الوطنية والديمقراطية الحقيقية ، وبعض المتدخلين يصطاد لا في الماء العكر فحسب ، بل في نهر الدماء الجاري ، حاول إن يزيد الصراع كي تضطر احد المكونات إلى التحالف معه ، ويكون له نفوذا في وطننا الجريح .
أعود اقول مرددا مقاله الشاعر الكبير عريان السيد خلف

جملني بعد كطره .. وخذني وياك
هناك .. الفيض كلبك ..
حتى روحي تنام
عصفورة جرف .. بلل جنحها الكيض
اخذني وياك
امشي ابغير واهس ..
والطواري كصار
وعيوني غرب .. وجفوف اديه اوداع
واسمي .. ابغير معنى ..
وميل كحلك غاب

ادلهم الغروب ، لابد إن أعود ، أسرعت الخطى ، أتلفّت للسيارات المارة ارفع يدي ، صعدت في إحداها ، كانت تحمل خرافا ، ربما إلى المسلخ ، ذكرتني بأقدارنا نحن المتعبون ، تناطحت وهي في تلك الحالة ، تسير في رحلة الوداع ، نزلت من السيارة وأكملت الطريق سيرا على الأقدام ،هبت نسائم المساء الباردة في هذه الأيام الحزيرانية ، مرت بجانبي مجاميع من البشر العائدين من الحقول بعد نهار مضني في حصاد القمح ، أيها الخليلي أنهم إجراء ، يقضون النهار منذ ساعاته الباكرة ، ليقضوا نهارهم تحت وهج الشمس ، مقابل أجرة زهيدة ، لهؤلاء أتعبت نفسك ، لعذاباتهم تألمت ، لقد غرس فيك إخوتك نزعتك الثورية ، نشأت في أسرة يسارية زرعت فيك الإيثار وحب الناس أيها الخليلي ، فأصبحت مثل بركان يفور بوجه الظالمين ، وكنت طيبا غاية في الطيبة مع الاخرين ،لايمكن إن انسي ابتسامتك العذبة ففيها حزن عميق كأنها اختصار لتاريخ كامل ، ضحكتك حلوة مثل قمر منير في ليلة ظلماء ، أكنت تتعمد بابتسامتك إن تداوي جروحنا نحن أصدقائك أولاد المعدمون ؟ ، أتذكر كيف كانت تبكيك رؤية بيوتنا الخربة ؟ لازالت رحلة الاستغلال مستمرة ولازال استغلال الإنسان لأخيه ، لذا سوف أبقى حاملا رايتك الحمراء،انت قدمت أقصى ماتستطيع ، وهبت روحك أيها الثائر الشجاع ، بلغت في إيثارك أقصى المدى ، ونمت في ضريحك سعيدا ، أضئت بشمعة عمرك الطريق ، أخبرك حين عدت إلى الوطن رأيت شبابا يافعين يحملون رايتك الحمراء ، رغم شدة الظلام ، ورغم كثرة الدجالين والمشعوذين وانشغال الناس برغيفهم ، ورغم كثرة المتدخلون ومكرهم ، وخبث المحتلون ودهائهم ، رغم حالة الذهول ، واشتداد الغبرة إلا إن الأمل موجود ، في اشراقة نهار جديد لوطن حر وشعب .......
سلاما لك أيها الخليلي سلاما لاينقطع أخره.
هذا مقطع من قصيدة لشاعرك المقدس مظفر النواب كان في جعبتك عند الشهادة خططته اشعاره بيدك الطاهرة :

وصار رحيل القرصان إلى بحر الظلمات قريبا
يا طير البرق تأخرت
فاني اوشك ان اغلق باب العمر ورائي
اوشك ان اخلع من وسخ الايام حذائي
يا للوحشة اسمع
فوراء محيطات الرعب المسكونة بالغيلان
هناك قلعة صمت
في القلعة بئر موحشة كقبور ركبن على بعض
آخر قبر يفضي بالسر إلى سجن
السجن به قفص تلتف عليه أغاريد ميته
ويضم بقية عصفور مات قبيل ثلاث قرون
تلكم روحي
منذ قرون دفنت روحي
منذ قرون دفنت روحي
منذ قرون كان بكائي


سأهديك هذه الابيات لشاعر شفاف لم نكن نحبه ، حين سخر كل شعره ليعري المراة في قصائده ، لكنه انتبه إلى واقعه السياسي الذي انشغل عنه كثيرا وهو يغوص في اعماق الذات يبحث عن متعة ، ونحن كما تعرف نتمنى لكل امرء إن يعيش سعيدا مثلما عاش بعض الشعراء المترفون ، والترف ليس جريمة ، لكن الجريمة إن تعيش الاغلبية في جوع وفقر وحاجة ، ويعيش نفر قليل في ترف وتخمة ، كتب قصيدة يوجه فيها النقد لذلك الذي قتله جنون العظمة ، واضاع وطننا مثلما اضاع ابن زريق البغدادي قمره في بغداد مع الفارق ، ابن زريق خسر قمره ، حين خابت اماله وهوفي الغربة البعيدة ، ذهب ليبحث عن رزق يحسن فيه احوال معيشته ، ويتخلص من الفاقة الشديدة ،هناك في الاندلس لم يكن قادرا على فعل شيء سوى الحنين ، إما جلادنا العتيد فقد غامر بنا واضاعنا ، بسبب نرجسيته وجنون العظمة ، هذه الابيات بعثها لي الأستاذ المناضل محمد علي الشبيبي هي للشاعر نزار قباني :

فى كل عشرين سنة
يأتى إلينا نرجسى عاشق لذاته
ليدعى بأنه المهدى . والمنقذ
والنقى .. والتقى.. والقوى
والواحد .. والخالد
ليرهن البلاد والعباد والتراث
والثروات والأنهار
والأشجار والثمار
والذكور والاناث
والأمواج والبحر
على طاولة القمار..
فى كل عشرين سنة
يأتى إلينا رجل معقد
يحمل فى جيوبه أصابع الألغام
ليس جديدا خوفنا
فالخوف كان دائما صديقنا
من يوم كنا نطفة
فى داخل الأرحام