| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

رحيم الحلي

arsrks@yahoo.com

 

 

 

الثلاثاء 11/3/ 2008



الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد متى تقترب لنا ؟

رحيم الحلي

أحببتُ الشعراء مثلما أحببتُ الأنهار ، فهم ينابيع المعرفة ومصدراً من مصادر الجمال والابداع ، وكم أتمنى أن يكون الشاعر قريباً لنبض الناس مثلما كان الشاعر العظيم بدر شاكر السياب ، أحس بهم وكتب بشفاههم ، فلم يكن قريباً وحسب بل كان جزءاً من الناس ، كم وددت للشعراء الموهوبين شعراً ، أن يمتلكوا موهبة حب الناس ، ليلتصقوا بهمومهم ، ذات يوم قال أحد الشعراء الكبار المتكسبين بقضية تشرد شعبه ، حين سأله بعض الأدباء عن سبب حضوره مهرجانات يقيمها نظام صدام رغم اضطهاده لأعظم شعراء وادباء العراق ، قال لهم انه لايريد أن يموت كما مات السياب شحاذاً
سلاماً لك يا بدر شاكر السياب وأنت تقول :
ما زلتُ أضربُ متربُ القدمين أشعثُ ، في الدروب
تحت الشموس الأجنبيه
متخافق الأطمار ، أبسط بالسؤال يداً نديه
صفراء من ذل و حمى : ذل شحاذٍ غريب
،بين العيون الأجنبيه
بين احتقارٍ ، و انتهارٍ ، و ازورارٍ .. أو خطيه
و الموت أهونُ من خطيه
لا عيب أن يموت المرء شحاذاً ، ولكن كل العيب أن يعيش المرء حياته وهو يمسح عروش الحاكمين الظالمين ، وعندما يكون شاعراً فان المصيبة أكبر ، لان يد الشاعر اكبر وأطول ، فالضرر سيكون أشد ، فالحاكم القاتل مثل صدام ، لن يرمي ملايينه مجاناً ، انه يرميها كي يلتقطها من يقدر أن يخدم مطامعه ، ومن يشبع غروره المريض ، ويلمع صورته السوداء وينظف اياديه الملطخة بدم الاحرار ، بدءاً بالزعيم الوطني عبد الكريم قاسم ، وحتى امتدت يديه الاثمتين إلى دماء رفاقه في الحزب من الوطنيين الشرفاء الذين أرادوا أن يعيدوا الحزب إلى جادة الصواب ، ويبعدوه عن السير في طريق خدمة المشروع الغربي ، فهذا الحاكم الباطش لا يستحق غير الوقوف بوجهه أو الهجرة وهي أضعف الايمان كما فعل الكثيرون من المبدعين ، وقد يحاول البعض أن يلمع صورته ، بالقول إن صدام كان وطنياً معادياً للمحتل ، ان ما أوقع صدام في الحفرة هو غروره وطيشه وبطانته الفاسدة وليس وطنيته ، فحروبه التي دمرت امكانات العراق العسكرية والاقتصادية ، لم تكن عملاً وطنياً ، بل كانت لمصلحة إسرائيل وامريكا وحلفائها وتسببت في تعريض الوطن للاحتلال ، ان اقامته حكماً ديكتاتوريا لا مثيل له ، وقتله للاحرار حرم شعبنا من حق التعبير عن مصالحه وآماله ، حين أسس سلطة قامت على دفن الاحرار وتسليط الفجار، تسببت فيما وصلنا إليه من خراب واحتراب واحتلال .
لاشك ان الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد شاعر كبير ، سيذكره تاريخ الشعر طويلاً ، لكن شعبنا واحراره سيلوموه كثيراً على مدحه الطاغية ، ولم يحاول ان يكفر عن ذنبه ، رغم ان فرصة ذهبية كانت أمامه ، لكن إصراره في مدح الطاغية ، ناسياً ومتناسياً حجم الدمار الذي ألحقه بوطننا وشعبنا ، يثير فينا الحزن والمرارة ، رغم ذلك فأن قصائده الأخيرة تمثل اقتراب جميل من مشاعر الناس ، حين تحدث عن عذاباتهم وهو يقول .
عـُدْ بي لـِبغــداد أبكـيهـا وتـَبكـيـني
دَمعٌ لـِبـَغـــداد .. دَمعٌ بالـمَلايـيـن ِ
عُدْ بي إلى الكـَرخ..أهلي كلـُّهُم ذ ُبحُوا
فـيها..سـَأزحَفُ مَقطوع َالـشـَّرايين ِ
حتى أمُرَّ على الجسرَين..أركضُ في
صَوبِ الرَّصافـَةِ ما بـَينَ الـدَّرابـيـن ِ
أصيحُ : أهـلـي...وأهلي كلـُّهُم جُثـَثٌ
مُـبـَعـثـَرٌ لَـَحـمُهـا بـيـنَ السَّـكاكـيـن ِ
تكفي هذه القصيدة ان تكون كفارة الأخطاء ، وتجعلنا نحبك حباً كبيراً بقدر شعرك ، وبقدر عمرك العزيز على قلوبنا ، وغربتك التي شاركتنا بها في أخر عرباتها ، ودعني أطلب منك بلسان المحبين ان اقترب إلينا نحن أبناء شعبك المتعبين ، فصدام لم يكن ألا سيداً لعصابة من القتلة والمنافقين ، وعدي لم يكن إلا أستاذاً للفتك في دولة أبيه المرعبة ، اجعل قصائدك لنا واغسلها من دنس الطغاة ، فالأعتذار ليس عيباً ، والاعتراف بالخطأ فضيلة ، فلم يكن طه ياسين رمضان ولاطارق عزيز ولا عدي المتهور وسيدهم صدام ، ذكرى جميلة أو عطرة في تاريخ شعبنا ، بل كانوا غصة قاتلة جلبت الدمار وسببت الاحتلال لوطننا والاذلال لشعبنا ، فليتطهر من سار معهم أو صافح اياديهم الملطخة ، تطهر أيها الشاعر الكبير بماء الشعر النابض بوجع الناس ، وتَقَدَمْ لهم بقصيدة اعتذار، ولا تستفزنا حين تتذكر الجناة وكأنهم رموزاً للمحبة ، وتنسى ان من يحب هؤلاء أما قاتل مثلهم أو منتفع متسخ من حكمهم الأسود ، فالرجاء ترفع عن ذكر هؤلاء القتلة .
لقد احزنتنا دموعك العزيزة ، وأنت تتذكر العراق وتتغنى بحبه ، سلاماً لك وعمراً مديداً ، حتى تكتحل عيونك برؤية وطننا محرراً ، في ظل حكم ديمقراطي ، وستعود عزيزاً ، حيث لا ديكتاتور يحكم العراق ربع قرن كما فعل سيدك صدام، ربما يصعد البعض للحكم بفعل الأموال والمليشيات واستغلال الرموز الدينية والصراع الطائفي المفتعل ، لكن اللعبة القذرة ستنتهي ، وسيوصل شعبنا أبناءه الحقيقيين ، وستغرد مغنياً بحب بغداد وحب العراق ، أيها الشاعر الكبير عبد الرزاق عبد الواحد ، وان لا تأخذك العزة بالأثم ، فمدح القتلة إثمُ كبير ، ولكن الشعراء الكبار مقدسون ، وحتى ان أخطئوا نطهرهم بماء الورد ، ولا نحمل لهم سوى الحب وان امتلأ قلبنا عتباً ومرارة.
ماأروع قصيدتك بحق الشاعر العظيم الجواهري ، فهي عسل يخفف حنظل قصائدك في مدح الطاغية ، ماأجمل الشعر حين كتبت ترثي متنبي العصر ، الشاعر محمد مهدي الجواهري
لا الشعر ابكيه لا الأبداع لا الأدبا
ابكي العراق وابكي امةِ العربا
ابكي على كل شمسٍ أهدروا دمها
وبعد ما فقدوها اسرجوا الحطبا
ابكي على وطنٍ يبقى الأديب به
ليس الغريب ولكن أهلهُ غربا
ابكي على النخل يامن أنت صاحبهُ
وأنت ساقيه قرناً مائكَ العذبا
وراح حتى العدا يجنونه رطباً
وأنت تعلك منه السعف والكربا
اسأل الفراتين هل تدري مياههما
بان أعظم من غنى لها ذهبا
غني للعراق وانسى الطاغية ، ولاتنظر للحاكم من خلال الذات ، بل من خلال الوطن ومايصل إليه ، والمواطن البسيط لا الشاعر يعرف إلى أي حال أوصل العراق ، وحتى الحزب ، وكيف انتهى الشعراء غرباء في المنافي ، وأنت تحدثت في لقائك مع قناة البغدادية ، ان الشاعر شفيق الكمالي وهو شاعر كبير وقيادي في حزب البعث ، مشى على أطراف إقدامه وهو يمر بجوار مكتب صدام ، خوفاً ورعباً ، وهو القائل مخاطباً صدام : وجهك وجه الله ينضح بالجلال ، فالوطن أبقى و تذهب كثير من الأسماء ، خصوصا الطغاة والقتلة ، جميل منك ماقلت .
ماتشا ياعراق لا ما اشاء
أنت أبقى والمجد والكبرياء
أنت أبقى وكل حبة طلع
فيك أبقى وتذهب الاسماء


 


 

Counters