| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

رحيم الحلي

arsrks@yahoo.com

 

 

 

 

الثلاثاء 11 / 9 / 2007

 

 


الشاعرعلي بيعي وردة حلاوية

رحيم الحلي

الشاعر علي بيعي ، تعرفت عليه في مقهى الشيوعيين ( مقهى أبو سراج ) في الحلة وان كانت كثير من مقاهي الحلة بهذه الصفة آنذاك ، كنت برفقة الأستاذ كمال أبو علي ( موظف صحي) ، حيث كان الأخير احد نشطاء اتحاد الشبيبة الديمقراطي .
الشاعر علي بيعي ودوداً لا تفارقه الابتسامة ، دهشت بدماثته وطيبته وهدوءه ، وشخصيته الرقيقة المبتسمة ، وفي عام 1975 كنت في رحلة نظمها اتحاد الشبيبة الديمقراطي ، كان علي بيعي من منظمي الرحلة والتي أضفى عليها جمالا إضافيا ، ألقى شعراً عن شهداء الحزب الشيوعي ، عن محنة أشقاؤنا الشيوعيين في شيلي ، كان ساحراً في إلقائه وفي شدّوه وفي حيويته ، لم أكن اعرف أن الأيام الحلوة تمضي بسرعة ، وتظل ذكرى جميلة ، تُسبب لنا الألم حين نعرف أنها قد تسربت من بين عيوننا مثل حلم عابر لم يبقى سوى شذاه ، هاهي الأيام الحلوة قد تبخرت فعوض اليسار والحضارة والثقافة ، هجمت علينا موجة جديدة من التخلف والجهل ، فلم تكتمل فرحتنا برحيل ، أفاعي الصحراء (الصداميون) ، حتى هاجمتنا همجية المليشيات المأجورة لما وراء الحدود ، وعوض علي بيعي وأمثاله من حملة الوداعة والسلام ، جاءنا حملة بنادق الظلام وفي لباس الظلام .
لاشك أن وردة علي بيعي ستحترق في صيف العراق الذي زادت الفاشية من قسوته ، وحاول علي بيعي ورفاقه أن يجعلوه لطيفا ، ارادو أن يخففوا من حدته ، بينما كان الفاشيون يشعلون النيران كي يتلذذوا بالشواء البشري كيف لا ، وهم نفايات الصحراء ، كيف لزهرة علي بيعي أن تحتمل كل هذا القدر من القبح والقسوة والنفاق ، لابد لهذه الوردة من الذبول وحتى الموت المبكر ، حين عدت إلى الحلة الفيحاء أصابتني مرارة الإحباط بشكل مبكر، فلم أرى علي بيعي لقد غاب هذا القمر من سماء الحلة ، ومشيت في الشوارع والحارات علني أرى وجهاً يشبه وجهه ، أو علني أرى صورته في وجه احدهم ، لا لم أجده ولم أراه حتى توهماً ، فحتى التوهم لم يكن هيناً ، خاب الرجاء وزادت الاحباطات ، فالفاشية والقوى المساندة في المنطقة أبادت قوى اليسار والثقافة ، خفافيش الظلام تنشطوا وصفقوا أجنحتهم في الظلام التي سببته الفاشية الصدامية ، حقاً لقد شعرت في الغربة ، مدينتي غريبة عليًّ ،ليست هي التي ودعتها .
آه واحزني لم أرى ورود الحلة ، بل رأيت عادات غريبة قد نبتت مثل الشوك البري عندما ينبت في ارض مهجورة ، هجرها أحبتها ، فالندب وشَّم صباحاتنا البائسة عوض الأغاني الفيروزية المفرحة الناشرة للفرح والأمل ، الحدائق الخضراء أصبحت خرائب أو ساحات إسمنتية ، ووردة علي بيعي حلت محلها بنادق الجهلة الذين لبسوا تعديا لباس الدين ، والفنانين والدين منهم براء ، فعلي بيعي هو اقرب منهم إلى كل الرسل والأنبياء الذين ما زرعوا إلا الخلاص للإنسانية المعذبة ، إما هؤلاء فهم أضافوا عذاباً للإنسانية المعذبة ، حقاً لقد تحالفت العتمة والظلام فهما توأمان حقيقيان .
عدت إلى الحلة بعد غياب ربع قرن ، شعرت وكأن عقارب الزمن قد عادت قرونا للوراء ، وجدتُ أن الحضارة والثقافة واليساريين هم الخاسرين الحقيقيين من مرحلة الهمجية الصدامية ، لقد اخذ الجهل والسحر والشعوذة والندب محل الثقافة والعلم والفن ، فانتقلنا من العتمة إلى الظلمة ، في السابق كنا نموت ولايحق لنا أن نهمس بالبكاء ، إما ألان بامكاننا أن نبكي وان نصرخ وان نلطم على الصدور ، هذا ما حصلناه ونحمد الله على كل حال .
حقاً انه لأمر مؤلم أن تموت الازهار مبكراً ، وتعيش الاشواك طويلاً ، هذه إحدى ملابسات الحياة .
سلام لعلي بيعي يوم ولد ويوم عاش ويوم رحل مبكرا :

يا شعبي يا غنوتي
يالبفرح هليت
وطفيت بي التعب
اوجبتني وجيت
انت نبع دنيتي
ومنك ترابي رويت
وانت فخاتي الصبح
وانت حمامة بيت
وانت الابو المنحني
ونعم الابو وربيت
 *

لم يتحقق حلمك ياعلي بيعي لم يهل الفرح بعد ، رغم انه آت يوما ، رغم ظلم الباغين وفساد المفسدين ، لن يدوم سيف البغي ولكل ليل نهاية ، وفخاتي الصبح ستؤذن لصباح الفرح القادم على أيدي ، أبناء العراق الذين ستُخَّرجهم مدارس العراق ، ويستندوا على حضارته وتاريخه ، ونتاج علماءه وادباءه ، حين يحملوا شعر المتنبي والجواهري والسياب ، وعود زرياب, وكتب أبا حيان التوحيدي وابن رشد.


* اشعارعلي بيعي الواردة في مقالتي أخذتها من مقالة للأستاذ فرحان الربيعي في مقالة كتبها عن وردة الحلة علي بيعي ، فشكرا له على تذكره لهذه الوردة الحلاوية.