| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

رحيم الحلي

arsrks@yahoo.com

 

 

 

                                                                                   الأثنين 10 / 6 / 2013


 

جعفر الخفاف نهر الفرح المهاجر‏

رحيم الحلي

ولد في مدينة الحيرة عام 1955 ليلبس كالنعمان تاجاً لكنه ليس كتاج النعمان المصبوغ بالدم فتاجه المكون من سبعة احرف  معجون بالمحبة  ، الطيبة نبتت في دواخله مثل جذور النخيل التي نببت في تربة الوطن ، رقيقاً كالنسيم وشفافاً  كحبة ماس ومتواضعاً بتلقائية غير مصطنعة اما حبه للوطن عالٍ كالجبال ، غزير الانتاج كشلال وعذب كماء النبع ، يحب شعبه حباً يفوق الوصف حين تمنى ان يكون حبة رمل عراقية يمر عليها الشرفاء وان تصل الحانه الى اكبر شريحة من شعبنا  ، فالعراقيون في قلبه مجتمع طيب ومتحضر راقِ وعالي الذوق يرفض السوء والغلظة والاذى ، له اكثر من 1200 عمل بين اغاني ومسرح وسينما وتلفزيون واذاعة حتى المونولوج الذي كتبه كاظم الخطيب عام 1970 والذي كتب اول لحن للملحن كاظم الخفاف "حرك بروحي حرك" وهي اول اغنية للمطرب رضا الخياط ، فكل ظواهر التلحين اشتغل عليها ، فقد خلق كما يقول لسبعة احرف هي السلم الموسيقي يتخاصم معهن ويحبهن في صراع عاشق متيم ، رغم انه لم يدرس الموسيقى في معهد موسيقي اكاديمي ، هجرت عائلته من الحيرة الى النجف في منطقة الحويش في شارع الرسول وعلى بعد مائة متر من مقام الامام علي فكان يستمع الى الردات الحسينية المفعمة بمشاعر الحزن والمؤداة بأصوات رواديد يمتلكون رخامة صوت مشبعة بالشجن ، والده معلم مادة الدين في المدارس نقل الى قرية الحصونة في الناصرية ، حكم بالاعدام عام 1963 بسبب انتمائه الى حركة انصار السلام وبسبب دراسة شقيقيه في الاتحاد السوفيتي  ، تاثر بالغناء منذ الطفولة ومن خلال الراديو في البيت تبكيه الاغاني الحزينة لمطربينا الرواد مثل زهور حسين ، وفي قرية الحصونة  بين سيد دخيل والشطرة التي انتقل اليها الوالد معلم مادة الديانة  ، فهناك في عالم الريف حيث الربوع الخضراء والانهار بدأت تدخل مسامعه اغاني الريف عبر اذاعة بغداد وهو لازال يتذكر عبد محمد واغنية وردة واغاني ام كلثوم وهو صاحب ذاكرة قوية فلازال يتذكر لأم كلثوم استمع اليها في تلك الفترة وهي اغنية وفق الله على النور خطانا من مقام الرست لم يجدها في المكتبات الغنائية بعد ، بينما لازال يتذكر لحنها والكلمات فهذا يدل على عبقرية واضحة ولازال يتذكر اغنية لأم كلثوم وهي سيرة الحب استمع اليها في دار سينما الفرات في المسيب عام 1964 لمشاهدة فيلم لا انام لفاتن حمامة ، مع شقيقه عبد علي عميد كلية الاداب في النجف حالياً وبعد خروجهم  اسمعه الاغنية فاعجب بصوته وبدأ بالاهتمام به بهدوء وخطوة خطوة ورعاه  من خلال التوجيه والتعليم ، بمرور الايام تشجع لتكوين فرقة موسيقية بيتية  دون ان يكون احداً منهم يجيد العزف ، تكون هاجس لديه لتعلم الموسيقى وعزفها في مدينته النجف ذات الصبغة الدينية التي احتوت على تناقضات ظاهرية فرغم صبغتها الدينية الا انها انجبت عمالقة الادب والفن كالجواهري وياس خضر ، ففي المدينة التي عاشت ظرفاً سياسياً دينياً خاصاً لم يسمح لهذا الشاب الانطلاق بسلاسة نحو تعلم الموسيقى وعزفها ، في جامع الهندي تعرف على اصدقاء في سنه ومرحلته الدراسية الثاني متوسط منهم الراحل الممثل محمد صكر والشاعركاظم الخطيب الذي كتب اغنية احرك بروحي حرك ، والتي لم تجاز ككلام خصوصاً ان كلمات النص قبل التعديل احرك بروحي حرك من جوة ليجوة واعتبر النص شعراً يغمز للسلطة بالنقد المبطن ، وقد سجلت لبرنامج حقيبة المنوعات الذي يخرجه الراحل المبدع عبد الهادي مبارك ، الامر الذي سمح بتسجيل الاغنية دون اجازتها ، وكانت المشكلة عند جعفر الخفاف كيف سيحفظ اللحن ، فقام بكتابة لحنها بطريقة ابتكرها لنفسه استطاع ان يسجل ويحفظ لحن الاغنية ، ثم تعلم العود لوحده وراح يغني دون ان يخبر اسرته التي اهتمت بالعلم وكان افرادها اعلام في النجف فشقيقه عبد علي مدرساً وعبد المعطي  مهندس وسالم طبيب ، ذهب الى صديقه معين الخياط في النشاط المدرسي حيث جلب العود واخذ يسمع عزفه ، و الذي احتضنه وكان مربياً بمثابة اب بالنسبة لجعفر الخفاف وحذره من المجتمع الذي لن يتقبل حبه للموسيقى وربما يتعرض للاذى والضرب ، فظل يحاول عزف اغنيته الاولى واستمر يحاول حتى عزفها لوحده  وعرف من صديقه معين الخياط المقيم حالياً في كندا عرف ان اغنية احرك بروحي  هي على مقام البيات ، وبعد جهد حثيث وجد نفسه يقف عازفاً على مسرح اعدادية النجف حيث عزف اغنية رسالة تحت الماء واغنية الربيع ولاقت الحفلة ضجة بين السامعين وكان عمره 16 عام  ، وهنا وجد شقيقه عبد علي مشجعاً واخبره انهم لن يقفوا عائقاً امام موهبته ، ثم دخل اكاديمية الفنون الجميلة  واقام في الوزيرية اثناء دراسته الجامعية ، وامتحنته لجنة مكونة من اشهر الموسيقين من بينهم الفنان وديع خوندة وكريم الخليل ومحمد جواد اموري وكان في الصف السادس علمي ، حيث اجازوه ملحناً مؤجلين تسجيله حتى نجاحه في صفه الدراسي هذه كانت فكرة الملحن محمد جواد اموري ، بدأ يغني في كل الكليات القريبة لمكان اقامته في الوزيرية ، من اجل الدخول للاذاعة قدم للامتحان كملحن اختبرته لجنة مكونة من منذر جميل حافظ مدير القرقة السمفونية الوطنية العراقية وباسم حنا بطرس رئيس قسم الجلو بالاوركسترا وعازف الناي خضر الياس ، قدم لحن قصيدة اين انت الان عني التي رغب بها وديع الصافي والذي عرض مبلغ 50000  ليرة لبنانية ائنذاك  واشترط ان يكون اللحن بإسمه لكنه رفض العرض ، وقدم لحن منولوج ولحن اغنية احرك بروحي حرك ، واجيزت كألحان وطلبوا منه نصوص للاجازة ، التي رفضت جميعاً بسبب مستواها الرفيع ، وفي اثناء جلوسه في مقهى القناديل اخبره حسين عوني احد اعضاء فرقة الموشحات العراقية انه يتم تشكيل فرقة للموشحات ، ونجح ثلاثة من بين ثلاثمائة وثلاثين متقدم وهم حسين عوني وحسن يوسف وجميعهم من النجف تعرف على الشاعر حسن الخزاعي ، اخذ نصاً بعنوان عتب دافي للشاعر مهدي عبود السوداني ، ثم تعرف على المطرب رياض احمد وقدم له اللحن الذي وافقت لجنة الاختبارعليه لكن اللجنة حددت اسم المطرب  الذي يغني اللحن وهو المطرب سعدي البياتي ، فوقع في حرج مع المطرب رياض احمد ، لكن جعفر الخفاف تأثر قليلاً بسبب ان المطرب مكفوف والمطربين المكفوفين لاتسجل اغانيهم تلفزيونياً ، اخذه المطرب سعدي البياتي الى الميدان مشياً على الاقدام يدله على المكان صوب فرقة جميع افرادها من المكفوفين من بينهم سعدي توفيق البغدادي وطارق الامام ثم طلب منه ان يكتب النوطة ، التي كتبها عبد الفتاح حلمي ، وحين جلب النوطة كانت هناك جملة صعبة لم تكتب ربما نسيان فشعر بحزن انه لم يعرف العزف فذهب الى الفنان كوكب حمزة الذي كان مشرفاً في النشاطات الفنية لجامعة بغداد  يسأله عن كتابة النوطة  ، فطلب منه  التوجه الى المكتبات لشراء كتب تعلمه النوطة ، فاشترى كتاب اناشيد مدرسية ومن خلال الاناشيد التي يحفظها استدل على الحروف الموسيقية  واماكنها ، وبما إنه خطاط ماهر لذا  كتب النوطة بخط غاية في الروعة يفوق جمال الخط الكمبيوتري ، وذات يوم استمع الى اغنية الطيور الطايرة لكوكب حمزة في الراديو فكتب نوطتها كما تعلمها في الكتب التدريسية  وذهب بها الى كوكب حمزة فقال له لقد كتبت اغنية وحين قرأ النوطة قال له متسائلاً : هل هذه اغنيتك ؟ هذه اغنيتي الطيور الطايرة !! ، فأجابه جعفر الخفاف فرحاً :  إذن نجحت .

حين سجل اغنية عتب دافي التي قدمها الى الفنان سعدي البياتي عاتبه المطرب رياض احمد على عدم تقديمها له ، وحين اخبره بأن اللجنة المختصة في الاذاعة هي التي قررت المطرب الذي يغنيها ، فوجه له عتاب ولوم مطالباً اياه برفض ذلك وان يفرض اسم المطرب ، فكيف له وهو في بداية طريقه .

وذات يوم وهو يجلس في احد المقاهي جاءه المطرب رضا الخياط ، ليخبره بإن المخرج عبد الهادي مبارك يريد ان يراه ، من اجل تسجيل اغنية أحرك بروحي ، لكن الخفاف تسائل ان النص غير مجاز لكن المخرج عبد الهادي مبارك أخبره بأن النص لايحتاج إجازة في برنامجه حقيبة المنوعات وقد كان اول لحن ينفذه العازف حسن الشكرجي كقائد للفرقة الموسيقية في تلفزيون بغداد  لكنه وضع شرط اضافي بأن يقدم نوطة للغناء وليس فقط نوطة لموسيقى الاغنية  فكان الملحن جعفر الخفاف اول من يسجل نوطة للغناء في الاذاعة العراقية هكذا كانت بداية رحلة فناننا الكبير جعفر الخفاف في عالم الغناء التي قدم خلالها مايفوق الالف ومائتي عمل غنائي واستطاع ان يصنع العديد من نجوم الغناء وان يقدم اغنيات من ذهب ستبقى خالدة لسنوات طوال ، تحية لنهر الفرح الذي هاجر الى المنافي الجليدية التي ما استطاعت ان تجمد محبته لوطنه ولا موهبته اللحنية العظيمة.

 

 

free web counter