| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

رحيم الحلي

arsrks@yahoo.com

 

 

 

الثلاثاء 10/6/ 2008



صورتان

رحيم الحلي

الصورة الاولى : في السوق
كانت في الثلاثينات من عمرها حين التقت به في احد الاسواق الشعبية لبيع المفروشات ، جلس على احدى الارائك المعروضة للبيع واضعاً قدميه على المسند ، لم يكترث للمارة وحين مرت من قربه نظر إليها مبتسماً رامياً أولى شباكه على جسدها المشوق ، بدت حزينة فقد كانت عزباء في أسرتها الصغيرة حيث لم يتبقى شاباً من اقاربها على قيد الحياة بعد أن غرق الواحد تلو الأخر في اعماق الحروب المتكررة ، نظر إلى الصليب الذي وضعته على صدرها ، إن لمعانه وانعكاس ضوء الشمس عليه أثار عيونه المتطفلة المتحركة بطريقة ثعلبية ، صلح جلسته واستقام على اريكته التي اشتراها من امرأة باعتها كي تشتري علبة دواء لأبنتها التي تعاني من سعال شديد مزق صدرها الصغير ، اقسم أمامها قابضاً على لحيته الشقراء ، بأنه سيدفع لها كامل قيمتها حين يبيعها إلى مشتريها ، سقطت الفتاة في شباكه وكان الصليب أولى غنائمه ثم استفاقت من كبوتها لتبصق بوجهه حين أراد أن يتاجر بجسدها ، ولتحمل في احشائها طفلة صغيرة زادت من همومها ومعاناتها في ظل حاجة وعوز وعزلة شديدة ، حيث نبذها الاقربون ولتهيم على وجهها في عالم قاسي أشبه بغابة مظلمة ملئى بالذئاب .

الصورة الثانية : في الربوة
ذات يوم أعطى ساعته لشحاذٍ كهل في احد الأحياء الخربة حين لم يجد في جيبه نقوداً تقضي حاجته ، أما الآن فقد جلس على سفح الربوة الجميلة يقرأ شعراً للسياب فوق بيتهم الصغير الذي استأجرته اسرته بعد ان هُجِّرتْ بسبب ماضيها اليساري ، لم ينخرط في ذلك الحزب الوردي حيث أدان تحالفه مع حزب الذئاب السود ، كيف لحزب الورد أن يتحالف بهذا الشكل الساذج ، ستدوس الذئاب الصحراوية تلك الورود الحمراء ، قرر أن ينخرط في ذلك الحزب اليساري حين نفض يديه من دنس الذئاب وصعد إلى سفوح الجبال بكسرة خبز يابسة وبضعة كتب لجيفارا والسياب ومظفر النواب ، تاركاً زهور الربوة الخضراء ونسيمها البارد في صيفها الجميل حيث يرتاده الزائرون من اقصاع بعيدة وعديدة ، ثم نام في لحده مع كتبه الاثيرة وكما اوصى رفاقه في معركته الأخيرة على سفح الجبل العالي معانقاً صليبه الذي حمله على ظهره سنواته الاربع والعشرين وظل مبتسماً وحزيناً وقد تسمرت عيناه على وجوه الأطفال الفقراء في الحارات البائسة كان اسمه فاخر ، وكان حلواً مثل اسمه .


 

free web counter