| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. رياض الأمير

 

 

 

الثلاثاء 6/7/ 2010



راحلون وذكريات - كتاب الدكتور عزيز الحاج الجديد
 

د. رياض الأمير 

قبل فترة قصيرة، صدر كتاب جديد لعزيز الحاج يحمل عنوان " راحلون وذكريات ". وهو مجموعة من المقالات حملت نفس الاسم ونشرت في عراق الغد وفي العديد في وسائل الإعلام المختلفة الأخرى. وكنت قد قرأت جميعها في حين نشرها، وأعدت قراءتها مجتمعة في الكتاب الأخير.
حين قرأت مقدمة الكتاب قبل أن يطبع، شعرت بلذة كبيرة في قراءتها. وقد أعدت من جديد قراءتها بين دفتي الكتاب. إنها سفر ممتع في تفكير الحاج وتجربته الحياتية والسياسية . صفحات محكمة الكتابة، سلسة التعبير، غنية المحتوى.

الكتاب سفر لتاريخ العراق الحديث عبر الشخصيات التي كتب عنها الحاج ٬ وهي مهمة٬ منها من له دوره في الحياة السياسية ٬ أو الاجتماعية أو في الأدب والثقافة، على الرغم من أن الكاتب يقول بأنه لا يكتب ويستعرض سيرتهم الذاتية، بل يستعرض ذكرياته وتجربته الشخصية معهم . فعزيز الحاج نفسه ليس شخصا عاديا في تاريخ العراق الحديث، حيث قد ساهم بشكل ايجابي، [أو كما يدعي البعض إنه أيضا كان سلبيا]، في الحركة السياسية العراقية بعد 14 تموز 1958. وقد كتب الرجل الكثير عن ذلك. ويأتي كتابه " راحلون وذكريات " في وقت يحتاج فيه العراق إلى إعادة تقييم لرجاله الكبار وأخذ العبرة من تجربتهم، وحبهم لوطنهم العراق، والتفاني في الإخلاص له.
إن تجربة الحاج السياسية، والفكرية، وانتماءه إلى العراق، ووطنيته التي لا يمكن الشك بجوهرها النقي، تؤهله لان يقدم النصح لسياسيي العراق الجديد.. وان في اخذ نصيحته خدمة للعراق ومستقبله. ولم ينشد الحاج في ما قاله سوى خدمة وطنه وأبناء شعبه٬ و كذلك أبناء قوميته الكردية عندما تطرق في احد فصول الكتاب إلى المناضل الكردي الإيراني الدكتور عبدالرحمن قاسملو الذي اغتالته اطلاعات نظام الفقيه الإيراني في فيينا. وقاد عمليه الاغتيال في حينه أحمدي نجاد رئيس الجمهورية الإسلامية الحالي ٬ حسب اتهام عضو البرلمان النمساوي " بيتر بيلس " في أكثر من مقال ومؤتمر صحفي. ويقول الحاج بأن قاسملو وقع ضحية حسن الظن بنظام الفقيه حين ادعى الأخير انه يريد التفاوض مع قاسملو لإيجاد حلول للقضية الكردية في إيران ٬ وتم الاتفاق على أن يكون في فيينا . وفي الصفحة 43 كتب الحاج عنه :" وخلافا لتخبط زعماء أكراد آخرين٬ في العراق وغيره٬ فقد بقي الفقيد يميز بين المبادئ والإستراتيجية وبين التكتيك٬ ولا يضحي بالأولى من اجل اعتبارات فورية ضيقة٬ كما جرى في العراق أكثر من مرة. وكان المناضل الكردي يدعو إلى تغير النظام وتحقيق شعار " الديمقراطية لإيران والحكم الذاتي لكردستان إيران"٬ وهو نفس الشعار الذي رفعته القوى الوطنية والديمقراطية في العراق لمدة نصف قرن. أما اليوم فهناك العمل على بناء دولة كردية تتصرف كدولة مستقلة داخل الدولة العراقية ٬ وأصبحت اكبر من الدولة العراقية.
كتب الحاج في الصفحة 45 :" عبد الرحمن قاسملو كان يمثل مدرسة سياسية متقدمة بين بقية التجارب السياسية الكردية٬ ومنها في العراق.فما أحرى اسمه وذكراه بان يستثيرا همة وإرادة التصحيح والتجاوز والمبدئية لدي الآخرين".
ولكن بعض القيادات الكردية ليست وحدها في حاجة لإعادة النظر في مواقفها وسياستها، بل إن مجموع النخبة السياسية العراقية في حاجة لذلك، وعلى الأخص زعماء الأحزاب الدينية التي تتحكم في العراق، وتهمل مصالحه الشعب الأساسية واليومية، ولا هم لها غير التشبث بالسلطة.
إن كتاب"راحلون وذكريات " غني في مادته، شيق في قراءته، ومهم لدارسي تاريخ العراق المعاصر عبر شخصيات مهمة لعبت دورا ما في حياته السياسية و الاجتماعية أو الثقافية.
الحاج نفسه، ومن جانبه، لا يبدو متفائلا من أن هناك في عراق اليوم مؤسسات ثقافية أو سياسية تهتم بآثار أمثاله، لاسيما وله تقييم صارم عن الوضع السياسي الراهن. وهو ينتقد باستمرار سيادة الفكر الطائفي والعنصري والتقوقع الضيق، داعيا إلى انتماء الخيمة الوطنية العريضة، وإلى نظام المواطنة وحقوق الإنسان. ونلمس ذلك خاصة وهو يكتب عن الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم، ويتمنى لو بعث حيا بنزاهته وبوطنيته الصادقة وروح التسامح المذهبي والعرقي. كما يتساءل ماذا كان سيكتب الجواهري لو بعث حيا في العراق؟؟ أم كان سوف يهرب منه من جديد، لأنه ليس العراق الذي أراده؟! وهل دجلة اليوم هل بقي نفس "دجلة الخير" بعد أن انحسر ماؤه، وشاطئاه؟! أم النجف بقي هو نجف الجواهري وجعفر الخليلي، في أفكارهما المنفتحة ورفضهما للطائفية ولتدخل الدين في السياسة؟؟
أمور كثيرة تثيرها هذه الذكريات وما تتضمنها من تجارب، ويكون نافعا اطلاع الساسة والمثقفين العراقيين، وخاصة الجيل الجديد، عليها. ويمكن الاتفاق مع كتبه أحد القراء عن الحاج:
" أنت منا أخي الحاج، وأنت لنا وقف غير قابل للتصرف. عراقيتك الصميمة أباحت لنا هذا الخيار."
فهل نأمل أخيرا أن تبادر جهة عراقية أيا كانت لإعادة طبع هذا الكتاب وكتابه الذي سبقه بعنوان " بين الأدب والسياسة"؟؟
لقد طبع الكتاب يدويا ( على طريقة الاستنساخ) في باريس على أمل أن تقوم دور نشر في إعادة طبعه لأهميته. ولربما يفكر البعض في وزارة الثقافة العراقية في أخذ المبادرة في إعادة طبع الكتب الأخيرة التي أصدرها الحاج وضمها في مجلد " المجموعة الكاملة" ليصدر في حياة الحاج، الذي نتمنى له عمرا مديدا وهو يجود من فكره المتميز وقلمه في مقالات مهنية يقرؤها المئات أسبوعيا على صفحات عراق الغد ووسائل إعلام ثانية. وفي هذا تقييم لمسيرة طويلة امتدت لأكثر من ستة عقود من العمل من اجل العراق ومهما اختلف في تقييمها.
ومن الموسف إن ملايين من ثروات العراق وشعبه تنهب ونواب اغلبهم لا يمثلون حقيقة الشعب العراقي في تطلعاته يتقاضون رواتب تفوق أي راتب في برلمانات العالم وتخصص لهم رواتب تقاعدية خيالية بنما الحاج وغيره من مثقفي شعنا من الذين قدموا جل حياتهم لا زالوا محرومين من التقاعد٬ في زمن النظام السابق وبعد سقوطه . وهذه واحدة من عجائب "العراق الجديد".




 

free web counter