| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. رياض الأمير

 

 

 

الأربعاء 24/2/ 2010



القيء الطائفي والانتخابات العراقية

د. رياض الأمير 

ليست الأمم المتحدة أو الجامعة العربية وحدهما مشغولتين بالانتخابات العراقية وإنما الكثير من الدول كإيران٬ تركيا٬ سوريا٬ الكويت والسعودية وغيرها ٬ لان نتائجها ستكون حاسمة لمستقبل العراق السياسي والاقتصادي وكذلك لمنطقة الشرق الأوسط ولربما العالم اجمع لارتباط المصالح وبدرجات متفاوتة .

في الوقت الذي أعلنت جميع الفعاليات السياسية في إقليم كردستان دعوتها المشاركة الواسعة في الانتخابات واعتبارها مصيرية للأكراد ٬ كما صرح مسعود البرزاني٬ جاءت سياسة القمع الطائفي لدفع عرب غرب العراق لعدم المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها. وهو نفس الهدف الذي تسعى له عصابات القاعدة والفلول المجرمة من الصداميين الذين يحملون السلاح لفقدانهم مصالحهم من سقوط النظام السابق.
ومن اجل ذلك كانت خطوات مرتبة سارت في دفع قطاعات واسعة من العراقيين من العرب كي لا يشاركوا في الانتخابات او مقاطعتها ٬ وأنيطت ادوار مختلفة لعدد من الأشخاص ٬ابتداء من رئيس الجمهورية الإيرانية ٬ مرورا باحمد الجلبي واللامي٬ بهاء الاعرجي ولم تنتهي ب "روزخون "جامع براثا ولا بيانات إدانة قادة الأحزاب الطائفية باتهام الآخرين التدخل في الانتخابات العراقية.

النظام الإيراني من أكثر الدول انشغالا بالانتخابات ونتائجها، إذ ليس من المعقول أن تضيع جهوده وأمواله وجيوشه السرية والعلنية هباء منثورا لكي يتطاير بعدها رجاله في العراق كالأوراق تجرفها ريح الوطنية العراقية المتدفقة! فايران معنية تمامًا بالوضع العراقي ومهتمة جدًا بترتيب الأوراق الانتخابية وتعمل جاهدة على تغير مسارها لما يضمن بقاء أزلامها كقوة قائدة لأربعة سنوات أخرى!
وحسب رأي قادة البعث العراقي السابقين بان حزب البعث قد انتهى كما وان فكره قد تلاشى منذ أن استولى صدام حسين عليه وبالتالي إن عملية الاجتثاث التي كانت رمز للحرب الإيرانية الطائفية في العراق لم تكن موجهة ضد البعثيين لأنهم يحتلون مراكز الدولة والعمود الفقري للأحزاب الحاكمة٬ وإنما لإفساد الانتخابات العراقية وإعطائها نصف شرعية عن طريق إبعاد العرب من مزاحمة المواليين للنظام الإيراني في البرلمان القادم وتصفيتهم .

لقد أعلن نوري المالكي منذ عدة أشهر بأن الحكومة تجري مباحثات مع بعثيين لم تلطخ أيديهم بدماء العراقيين٬ وقبيل الانتخابات يتحول رئيس الوزراء وقائد حزب الدعوة إلى داعية ثاني. ودعا عمار الحكيم في أكثر من مكان البعثيين المشاركة في العملية السياسية ٬ ولكنه وإئتلافه "الوطني" يتحول إلى جيش لإلغاء الأخر بحجة الانتماء لحزب البعث في الوقت الذي كان حريا به أن يجتث عادل عبد المهدي البعثي السابق الذي لا تختلف علاقته بالبعث عن صالح المطلق.

اعلن المالكي بان من يرفض ممارسات النظام السابق ويدينها فهو جزء من العملية السياسية وهذا ما فعله صالح المطلق ٬عضو البرلمان ٬ في لقاء صحفي نقلته شاشات التلفزيون وقبلها دُعي للمشاركة في تحالف مع قائمة "دولة القانون" التي يرأسها المالكي نفسه . وكل هذا لم يشفع له لكونه خصم منافس لمرشحي قوائم الأحزاب الطائفية التي تسير على هدى ولاية الفقيه من اجل إبعاده وعرب غرب العراق الآخرين.
لسوء الحظ وقعت عدة فعاليات سياسية وأشخاص في الفخ لمقاطعة الانتخابات الغاية الأساس التي خطط لها النظام الإيراني ومن ينفذ أجندته السياسية في العراق ٬من اجل إبقاء العراق على حافة الهاوية في عدم الاستقرار وخلق برلمان ليس للعرب وخاصة من غرب العراق أي دور وصوت فيه في وضع السياسة العراقية.

مسرحية وأد الديمقراطية في العراق عن طريق رفع الشرعية عنها في مقاطعة فعاليات سياسية وسياسيين للانتخابات أشعل فتيلها الرئيس الإيراني بمناسبة الذكرى السنوية الحادية والثلاثين للثورة الإيرانية في تصريحه:"لا يسمح لعودة البعثيين إلى الحكم " بالتزامن مع ما أعلنه احمد الجلبي عن أسماء المبعدين عن الترشيح قبل إعلانها من قبل هيئة التمييز القضائية التي اتخذت قراراتها فيما بعد تحت الضغط ٬ كما صرح بذلك رئيس الرلمان العراقي ٬كهدية منه للرئيس الإيراني بمناسبة ذكرى الثورة الإيرانية.

كانت تصريحات الرئيس الإيراني ليست فقط تدخلا فجا في الشأن العراقي٬ وإنما موقفا إيرانيا واضحا لإبعاد المنافسين لقوائم الأحزاب الطائفية الموالية لإيران.
إن الضجة التي أشعل فتيلها احمدي نجاد ورفع رايتها احمد جلبي وأضاف عليها تصريح بهاء الاعرجي ومقال وزير المصالحة اكرم الحكيم قدمت خدمة كبيرة لبقايا حزب البعث ولعصابات القاعدة ٬ أكثر منها خدمة للعملية السياسية وشفافية الانتخابات.
لقد ورّطَ نجاد نفسه وحكومته، وورّط المالكي وكل الكتل المرتبطة بملالي إيران (حزب الدعوة٬ المجلس الأعلى ٬فيلق بدر ٬ جماعة مقتدى وغيرهم) وجعلهم في موقف حرج أمام الشعب العراقي وأمام العالم. وإن كان العراقيون في معظمهم يدركون دور النظام الإيراني وتدخله غير الشرعي في الشأن العراقي٬ فان تلك التصريحات إثبات لا يقبل الشك. كما ان سيل البيانات باتهام الآخرين بالتدخل بالانتخابات التي يصدرها قادة الأحزاب الطائفية دليل على الارتباط العضوي بينها وبين نظام ملالي طهران.

إن المشكلة ليست في منع واحد أو مجموعة من الأشخاص من العملية السياسية ، بقدر ما هي وسيلة لسيطرة جماعات معينة على الحكم بعد إن استمرءوا طعمه والنيل من ثروات العراق في عملية ترجمت كونها إقصاء مرشحين بعثيين ، بل في الحقيقة ترجمت في الشارع العراقي كونها إخصاء للمجتمع وعودة لمحاكم التفتيش الاسبانية في خلق جو من الخوف والرعب من بقايا نظام رحل على الرغم من كونه امتاز بظلمه وجبروته ولكنه فقد مسببات بقائه ولا قيمة لبقاياه ولا لفكرهم.
فرافعوا لواء إلغاء الأخر كانوا سابقا يعلنون عن مبدأ شراكة ، وإذا بهم يبنون مشروع إقصاء . فهؤلاء يساهمون عمدا وعن سبق إصرار وترصد في دفع العراق إلى أتون حرب أهلية من جديد ، بلا أي اكتراث لما ستؤول إليه الأوضاع في قابل الأيام ٬ لان المهم مصلحتهم الشخصية ٬الحزبية ومصلحة النظام الإيراني .!

وفي الوقت الذي كان يتنقل فيه وزير المصالحة الوطنية اكرم الحكيم بين العواصم للالتقاء بالبعثيين السابقين من سياسيين وقادة جيش من اجل دعوتهم للمشاركة في العملية السياسية ينشر قبل عدة أيام مقالا وزعه مكتبه على وسائل الإعلام متهما الولايات المتحدة بأنها تريد إعادة البعثيين للسلطة . وهي نفس النغمة التي رفع شعارها احمد الجلبي الذي رأس لجنة الاجتثاث مع علي اللامي مسئول في المجاميع الخاصة المدعومة والممولة من قبل ملالي طهران والمتهم في جريمة وقع ضحيتها العديد من العراقيين.

نشر احد الكتاب العراقيين مقالا جاء فيه بان من يحارب البعثيين من هو ضحيتهم٬ وهذا لا ينطبق على احمد الجلبي على الإطلاق لأنه ساهم في دعم النظام في تقديم التسهيلات المصرفية إثناء حرب الخليج الأولى عبر بنك البتراء الذي اتهم فيما بعد بسرقته ولا زال موضوعه مفتوحا لدي الدوائر القانونية.
يعتبر الجلبي وعائلته أنفسهم ضحية ثورة الرابع عشر من تموز 1958 وبقي الرجل أمينا في عدائه لها ولعصرها وقادتها وكل من يؤمن بها .

قام الجلبي بعد دخوله بغداد على متن الدبابة الأمريكية الاستيلاء على وثائق الاستخبارات العراقية٬ ليس فقط من اجل الابتزاز والمتاجرة٬ وإنما لإخفاء دوره مع النظام في ثمانينات القرن الماضي. فاتهام الولايات المتحدة بأنها وراء إعادة البعثيين والتدخل في الانتخابات العراقية كان من الممكن أن يقولها إي شخص غيره ٬ حيث أدهش الكثيرين٬ خاصة أولئك الذين يعرفونه عن قرب . فدوره المشكوك فيه في تشجيع الولايات المتحدة للقيام بحربها وكونه كان بالوعة صرف للمال الأميركي معروفه وموثقة . فوقوفه اليوم ضد أسياده السابقين جاء بعد إن لفظوه وافتضاح دوره المزدوج في خدمة أجهزة النظام الإيراني والأمريكي قبل سقوط النظام وبعده.فتصرفه ذاك حتما لم يكن من اجل المصلحة الوطنية العراقية وإنما لاهدافه الشخصية البحتة التي أثبتت الأيام خلال سنوات ما بعد سقوط النظام الصدامي ٬أنها لمصلحته الشخصية أكبر من أن تكون حتى لمصلحة طائفته.

لم يكن الجلبي وحده في الحملة ضد الولايات المتحدة وإنما شارك فيها حتى فروع الأحزاب الطائفية في الخارج بالإضافة إلى قادتها في بيانات مذيلة بمناصبهم التي لولا "الجزمة" الأمريكية ودماء حوالي 5000 أمريكي ومليارات الدولارات٬ كما قال احد الكتاب العراقيين في مقال له في عراق الغد٬ لبقوا أما تحت رحمة أحذية الاستخبارات السورية والإيرانية أو يعتاشون على التهريب وبيع جوازات السفر أو المعونة الاجتماعية وفي أحسن الأحوال بائعين في أسواق الخضرة. فلا يمكن لبلد قدم التضحيات كأميركا في سبيل إزالة سلطة البعث العمل على عودتها٬ إن العكس هو الصحيح فان فدائي صدام وإفراد جيش القدس قد نزعوا بدلاتهم واستبدلوها بلحى ومحابس من قم وانظموا إلى المليشيات والأحزاب الطائفية وأصبحوا عمودها الفقري الذي تعتمد عليه وبالتالي قادة أحزاب الإسلام السياسي بالدرجة الأولى من قام بتأهيل الذين كانوا رأس رمح وسكين قهر بيد النظام البعثي الصدامي .

جاء القيء الطائفي على لسان ٬الغبي في التاريخ ٬بهاء الاعرجي ٬ في تصريحه الذي لم يكن زلة لسان قال عنه طالباني في بيان له :" ان المساس بالرموز الدينية محظور دستوريا وشرعيا وأخلاقيا"٬ وإنما تنفيذ دور معد مسبقا حيث جاء تجاوز واعتداء على شريحة مهمة في المجتمع العراقي لدفعها الابتعاد عن العملية السياسية وتصريحه ذاك دل على مدى الحقد الطائفي لدى قادة أحزاب تعمل على زيادة التفكك الاجتماعي وصبت الزيت على النار التي تشعلها عصابات القاعدة من اجل عدم مشاركة العرب السنة في الانتخابات التشريعية ومقاطعتها.

كان نوري المالكي على حق في كلمة له بان الشيعة العراقيين هم أغلبية أعضاء حزب البعث ولكن قرارات الاستبعاد من المشاركة في الانتخابات القادمة كانت موجه لآخرين وهي التي شجعت الاعرجي وغيره على اطلاق تصريحاتهم الطائفية.

إن المصلحة الوطنية ٬ كي لا يقع العراق في أيدي النظام الإيراني ورجاله إلى الأبد٬ لا بد من المشاركة الفاعلة لجميع العراقيين ٬ خاصة تلك الفعاليات السياسية ومؤيديهم والأشخاص الذين أعلنوا مقاطعتهم الانتخابات. إن أي صوت يسحب من الأحزاب الطائفية ويصب في مصلحة القوى الوطنية والديمقراطية العراقية٬ سيعمل على مساهمتها في صنع القرار السياسي العراقي وكذلك قطع أطراف أدوات النظام الإيراني في العراق وحرمانهم من تحقيق أهدافهم ٬ وفي ذلك انتصار للعراق ومستقبله.



 

free web counter