| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. رياض الأمير

 

 

 

الأربعاء 1/10/ 2008

 

أهو تحالف الأضداد فعلا ؟

د. رياض الأمير

أتفق مع ما كتبه الصديق الشاعر المتمكن يحى السماوي في مقاله الأخير حول "صوفا"(من الحماقة وصف مؤيدي الاتفاقية الأمنية بأنهم جميعا من العملاء لأمريكا وإسرائيل ،فإنه من الحماقة والنذالة معا، وصف معارضي الاتفاقية بأنهم من مؤيدي السياسة الإيرانية أو المؤتمرين بأوامرها . فالعراق حافل بالوطنيين الأبرار، وهم الكثرة الكثيرة بما لا يُقاس ، إزاء القلة القلية التي تُغازل تل أبيب وواشنطن أو قم وطهران أملا ً في وجاهة مبتذلة ومناصب موسمية مستعارة ، أو طمعا ً بمال ٍ من الرزق السحت) ، ولكن على الوطنيين العراقيين الأبرار، وهم الكثرة أن يغلبوا المصلحة الوطنية على المصالح الأخرى ، مهما كانت كما فعل الذين كتبوا بحياد دفاعا عن توقيع الاتفاقية الأمنية وهم بعيدين جدا عن أن يكونوا من الجماعات التي تغازل ، تأكل المال السحت ، تنشد منافع ذاتية أو جاه سياسي.
قال نوري المالكي:"أننا لسننا السبب في قدوم الجيش الأمريكي إلى العراق". فقوات التحالف وفي مقدمتها القوات الأمريكية موجودة في العراق وهي من خلص العراق والعراقيين من نظام شمولي متطرف العداء لكل مكونات الشعب العراقي، وكان مناطقي وقبلي التكوين، بعد أن فشل العراقيون بكل قواهم السياسية وزخمهم الديني الذي يتبجحون به اليوم في تحقيق ذلك الحلم. وقدمت قوات التحالف بكل قومياتها الكثير من الضحايا واختلطت دماء شعوب مختلفة على الأرض العراقية مع دماء العراقيين في إسقاط النظام الشمولي وضرب مخلفاته ومكافحة عصابات الإرهاب العالمية تلك القوات حررت الشعوب المسلمة في كوسوفو والبوسنة والهرسك من الاضطهاد الديني والقومي وليست دول إسلام – عربية مثلا . من المصلحة الوطنية أن يتعامل المرء ،الذي يحب وطنه فعلا ، بما يصب في مصلحته ،أمنه ،استقراره وتنميته مع الواقع والاستفادة القصوى من أحكامه.
يمكن أن تكون هناك وجهات نظر مختلفة، عندما تكون النية صادقة لخدمة الوطن حول مشروع يهم مصيره في حاضره ومستقبله يتعلق بإحدى النقاط أو مجموعة منها. أما الوقوف جملة وتفصيلا ضده كما هو الحال مع المعاهدة الأمنية فان ذلك يتم تحت تأثير غير مخلص.
إن كان خطأ قوات التحالف، ومنها القوات الأمريكية هو إسقاط النظام الصدامي وإزاحته من خارطة العراق ،جريمة بنظر البعض لذلك يقف ضد أي تعاون مع الولايات المتحدة فهذا شيء آخر.
من الطبيعي أن ينقسم العراقيين إلى جماعتين واحدة ضد الاتفاقية وأخرى معها، ولكن من الغريب أن يلتقي الضدان في الوقوف معا.فالعداء للولايات المتحدة من قبل مخلفات النظام الصدامي والمرتبطين بهم وحكام طهران والمعاملين من اجل أهدافه وكذلك عصابات الإرهاب فهذا شيء يدعو إلى التفكير. فمن المستحيل أن تكون المصلحة العراقية قريبة لهؤلاء اكثر من العراقيين الأبرار. أين كان القومجيون العرب المدافعين عن السيادة العراقية عندما كان يجول موظف صغير من موظفي وكالة الطاقة النووية في قصور الرئاسة ويفتش الملابس الداخلية لزوجات الرئيس وقادة العراق ؟ وأين كانت السيادة عندما قسم الوطن العراقي إلى خطوط طول وعرض ؟
أما العراقيين الذين لم يرف لهم جفن وهم يحكمون العراق بإرثه الحضاري بفضل وجود قوات التحالف ومنها القوات الأمريكية ويزايدون على وجودها فحديثهم عن السيادة شيء مضحك. ولربما ليس فقط ما يقوله المسئولون الأمريكيون عن احترامهم للسيادة العراقية، حسبما قالت وزيرة الخارجية حول الاتفاقية: "ليس من السهل التعامل مع دولة ذات سيادة، وان الولايات المتحدة تعتزم احترام سيادة العراق بشكل تام" وإنما يظهر على الأرض لما يجري الآن من تجاوزات في العمل السياسي من قبل النظام العراقي الحالي لا يتفق مع المبادئ الأمريكية وفي مقدمتها فصل الدين عن الدولة.
فان كان الوقوف ضد المعاهدة بحسن نية خالصة استنادا على موروث شعاراتي تعلمنا عليه أن نكون ضد الأجنبي ( الاحتلال البريطاني وثورة العشرين) وعدم السماح له إن يكون له موقع في وطننا، فالحالة الآن تختلف وكذلك الوضع السياسي والأمني للعراق والمنطقة والعالم عنه في بداية القرن الماضي. إن هذا الأجنبي، على الرغم من انه حقق حلم الأغلبية بإسقاط ما كان يتمنوه أن يقوم به حتى"أريل شارون" ،هو الضمانة الفعلية لعراق اليوم وغدا في الدفاع عن حدوده ما مدام ليس للعراق جيش قوي يستطيع القيام بذلك. أن قوات التحالف ومن ضمنها القوات الأمريكية عددها بحدود 170 ألف فرد معروفة قواعدهم وأسمائهم وحتى رتبهم العسكرية، لكن يصول ويجول في العراق أكثر من ربع مليون شخص مرتبط بالنظام الإيراني ويعمل تحت إمرته ولا احد يعرف قواعدهم والرتب العسكرية للكثير منهم ،أما إذا اعتبر الوجود الإيراني في العراق غير أجنبي بحجة من الحجج فهذا شيء آخر أيضا.
أليس من المفارقة أن تقف مخلفات النظام ألبعثي المقبور مع النظام الإيراني وأعوانه بالتحالف مع عصابات الإرهاب القاعدية ضد توقيع المعاهدة ؟ الم تمتلئ جميع وسائل الإعلام المسموعة والمرئية وفي مواقع الانترنيت ما يزيد على جميع ما تنتجه الأمتين العربية والإسلامية من مؤلفات ضد المعاهدة ،حتى دون معرفة بند واحد منها؟
قال رئيس كتلة القائمة العراقية الوطنية في مجلس النواب جمال عبد المهدي البطيخ انه:"ليس هناك تخوف من توقيع اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية". وكذلك قال سياسيون عراقيون آخرون مثله.
لقد وقفت الأحزاب الكردية والكثير من السياسيين من قوى سياسية موقف، إن لم يكن مؤيد بالكامل فانه موقف متزن يطالب بتحسين الشروط التعاقدية بين دولتين من اجل المصلحة الوطنية، وهذا المفروض منهم.
صرح هوشار زيباري وزير الخارجية بتأريخ الثاني والعشرين من أيلول الحالي بان الولايات المتحدة قدمت تنازلات هائلة للتوصل إلى اتفاقية أمنية مع العراق. وأكد بأنه في حال فشل الاتفاقية "وهذا وارد" فإن البديل سيكون العودة إلى مجلس الأمن الدولي والمطالبة بتمديد بقاء العراق تحت البند السابع من ولاية الأمم المتحدة في العراق.
لقد وصل التدخل الإيراني في الشأن العراقي حتى الامتلاءات العلنية ، حيث لزمت إيران الحكومة العراقية بعدم التوقيع على الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة. وأكدت قيادات إيرانية لمسئولين عراقيين وقيادات برلمانية معروفة مقربة من طهران وتعمل تحت توجهها، إنها ستطيح بأي شخصية سياسية في العراق تقبل على تمرير الاتفاقية. إن استعراض أسماء السياسيين من الأحزاب الشيعية التي يتعالى صوتها ضد المعاهدة لربما تفتح عين الوطني العراقي للحقيقة .
طالب الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد خروج القوات الأمريكية من العراق وان تقوم القوات الإيرانية بملء الفراغ . ولم تغلي الحمية دماء المدافعين عن الوطنية العراقية على اعتبار ما قاله نجاد انتهاك للسيادة العراقية.
أليس من الغريب أن يغدو وطنيا يدافع عن مصالح العراق في وقوفه ضد الاتفاقية وتسريبه معلومات كاذبة لوسائل الإعلام الإيرانية وهم من دخلوا العراق على متن دبابة أمريكية ؟

قال سفير الولايات المتحدة في العراق كروكر في لقاء صحفي مع صحيفة لوس أنجلوس تايمز بأنه يعتقد أن رئيس الوزراء نوري المالكي مصمم على صيغة نهائية للاتفاق في أقرب وقت ممكن، وأن المالكي سيأخذ بنظر الاعتبار مصلحة بلاده، لا ما تريده إيران أو أي بلد إقليمي آخر. وقال بان طهران تواصل مساعيها لعرقلة التوقيع على الاتفاق الأمني المزمع إبرامه بين العراق والولايات المتحدة. ولفت السفير الأمريكي الانتباه إلى أن طهران تريد بقاء العراق في حالة عدم توازن ولا استقرار لتكون في وضع يسمح لها بمراقبة الأحداث التي تجري هناك وتكييفها وفق رغباتها.

في استطلاع للرأي قامت به "عراق الغد" وشارك فيه أكثر من 500 شخص من داخل الوطن وخارجه(العدد يتفق مع المعايير العالمية لاستطلاعات الرأي) اظهر بان أكثر من 85% من العراقيين يعتقدون بان الوقوف ضد توقيع المعاهدة الأمنية جاء ليس حرصا على امن العراق وإنما لإبقائه ضعيفا وللانقضاض عليه .

أن اللعب على الإرادة السياسية العراقية "الضعيفة حاليا" يريد أن يعيد النظام الشمولي الصدامي السابق أو تسليم العراق كلقمة صائغة لإيران.
إن للولايات المتحدة اتفاقيات مماثلة مع الكثير من الدول . فلم تمنع اليابان الفخر بالسيادة الوطنية وان تصبح قوة اقتصادية عالمية وأبنائها يحتلون مراكز مهمة في هيكلية المنظومة الدولية. فبعد اليونسكو رشح ياباني لمنصب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية. ولم تستطع اليابان تحقيق معجزتها الاقتصادية لولا إعطاء الولايات المتحدة الدفاع عن أمن أراضيها من الزحف الصيني الأحمر وصواريخ كوريا الشمالية النووية. ونجاحات كوريا الجنوبية مماثلة. ولم تحرم اتفاقية مشابهة ألمانيا أن يكون لها رأي مغاير وتغدو قوة اقتصادية عالمية وغدت ضمن نادي خمسة زائد واحد(أعضاء مجلس الأمن الدائمين مع ألمانيا) فيما يخص المشاكل السياسة الدولية والمساهمة في حل ملفاتها. فألمانيا لم تستطع الوصول إلى ذلك لولا وجود اتفاقية تنظم عمل القواعد الأمريكية التي حمتها من زحف الدبابات السوفيتية تحت قبعات جنود ألمانيا الشرقية. والعراق مهدد ايضا بزحف من نوع آخر.
إن القواعد الأمريكية متواجدة على الأراضي التركية باتفاقية مشابهة لما يجري البحث عنه بين بغداد وواشنطن، ولكن هذا لم يمنع أنقرة أن تمنع استخدامها أو السماح لطائرات قوات التحالف من استخدام أجوائها لإسقاط نظام البعث العراقي في مارت – نيسان 2003. إن تلك الدول وغيرها التي لها اتفاقات مع الولايات المتحدة حققت انجازات باهرة ومن ضمنها بناء نظام ديمقراطي وسيادتها بقيت مضمونة أكثر من دول تتبجح.
إن مستقبل العراق مرتبط بمجموعة متداخلة الأجزاء مع بعضها . المباشرة في إعادة الأعمار ودعوة المستثمرين يحتاج إلى ثقة في الحالة الأمنية وكذلك ثقة كبيرة في الأجهزة التي تشرف عليها وتحميها. فهل وصلت أجهزتنا إلى ذلك المستوى الذي يمكن أن تضع الدول والشركات استثماراتها الكبيرة بملايين الدولارات في مشاريع في العراق؟ فالوضع الأمني هش والأجهزة المسئولة عنه مخترقة من كل أصناف أعداء العراق الجديد. إن وجود اتفاقية ضامنة لأمن العراق معناه تأسيس قوة أمنية وعسكرية متدربة يلتزم بها الجانب الأمريكي حسب بنود الاتفاقية،هذا بالإضافة إلى أن يكون للعراق حليفا قويا على المدى البعيد في الجوانب السياسية، العلمية، الاقتصادية والدبلوماسية.
إن خروج القوات الأمريكية يطالب به الأمريكان أنفسهم ليس اقل من العراقيين، ولكن بعد أن يصبح العراق قاعدة للأمن والسلام وتستطيع قواته الأمنية الحفاظ على ذلك. إن الوضع الأمني الحالي ، على الرغم من تحسنه الجزئي قابل للتدهور يوميا. فوصول عناصر الجماعات الخاصة من إيران وإعادة ترتيب قوى الإرهاب القاعدية نفسها والتنسيق بينها وبين العناصر المسلحة التابعة للنظام السابق تعمل ، أما من اجل إعادة نظام حزب البعث أو تفتيت العراق وجعله او جزء منه تحت الوصاية الإيرانية أو تحويله إلى قاعدة للإرهاب العالمي الذي ليس فقط خطرا على العراق وشعبه ومستقبله، وإنما هو خطر على الأمن والسلام في المنطقة والعالم . إن تحديد موعد للانسحاب الكلي في الوقت الحالي ليس فقط سيترتب عليه فراغ امني كبير وإنما أيضا خطأ استراتيجي لا يغتفر لأنه سوف يهيئ القاعدة اللوجستية لأعداء العراق لكي يكون مستباحا وبالدرجة الأولى من قبل النظام الإيراني الذي سيكمل مهمته في بتصفية ما تبقي من الكوادر والضباط والعلماء العراقيين وتحويله إلى مقاطعة كعربستان ضمن دولة ولاية الفقيه.
فهل إيران وعصابات القاعدة ومخلفات أجهزة النظام السابق القمعية والمستفادين منها حريصة إلى هذه الدرجة على مصلحة العراق ومستقبله في وقوفها ضد اتفاقية تتيح للعراق مظلة وحماية عسكرية، اقتصادية ودعم سياسي ؟ فان كانت تلك الجماعات تقف في خط واحد فمعناه اتفاقها وتخطيطها المشترك سوية ضد المصلحة الوطنية العراقية كما هو الحال ضد مجمل العملية السياسية وإسقاط النظام الصدامي. وإن كانت مختلفة ظاهريا فانه حلف الأضداد ضد الاتفاقية وليس من أجل مصلحة الشعب العراقي وأمنه ومستقبله.




 

free web counter