| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. رياض الأمير

 

 

 

                                                         الثلاثاء 16/10/ 2012



إلى متى يرُهُنٌ وطن عند المفلسين؟

د. رياض الأمير 

كتب الصديق الدكتور عبد الخالق حسين مقالا نشرته “الجديدة ” تحت عنوان “من وراء رفع صور خامنئي في العراق؟” وعزى ذلك لطرفين، الأول المليشيات التي تدعمها إيران بالمال والسلاح والتدريب. والثاني فلول البعث. ولا خلاف مع الصديق عبد الخالق بأن فلول البعث تحاول جاهدة إفساد العملية السياسية والعودة إلى الحكم ، والذي يساعدها في ذلك الأداء السيئ للسياسيين والأحزاب التي وصلت إلى السلطة بعد سقوط النظام الصدامي، ولكنها حتما ليست وراء رفع صور خامنئي أو الخميني في الشوارع أو في دوائر الدولة كما هو الحال في البصرة على الرغم من نهجهم “الغاية تبرر الوسيلة”. وإني أتفق مع حدس الصديق عبد الخالق بأن من يقف ورائها كل الجماعات التي تدعمها إيران بالمال والسلاح وكذلك توجهها لخدمة مصالحها في العراق مثل عصائب أهل الحق وحزب الله العراقي ومنظمة بدر وجيش المهدي. وليس خافيا على أحد بأن الأخير، وقائده مقتدى الصدر الذي يوجه الشارع العراقي المريض طائفيا هو أداة إيرانية مطواعة ومنفذ لأجنداتها كما هو الحال في تشكيل الحكومة أو التهرب من اتفاقه مع مجموعتين سياسيتين لسحب الثقة عنها بطلب إيراني. وأشارك الكاتب وكذلك الأغلبية من العراقيين من كل الأديان والمذاهب الاشمئزاز مما يجري في رفع صور حكام إيران وكذلك إزاء سكوت المسئولين الحكوميين عنها وعدم مواجهتها بحزم.
وبما أن الأجهزة الأمنية من استخبارات وجيش وشرطة تتبع القائد العام وهو نفسه رئيس الوزراء وبالتالي فإن رفع صور قادة النظام في طهران وتنفيذ ما تطلبه إيران حتما إن لم يكن بتوجيه من نوري المالكي ولكنه بمباركته.
في مقابلة مع صحيفة الشرق الأوسط اللندنية قال الدكتور موفق الربيعي المستشار السابق للأمن الوطني العراقي، والقيادي في الائتلاف الوطني والذي يشارك فيه رئس الوزراء: “الضابط الإيراني قاسم سليماني، اللواء في الحرس الثوري في مقر (فيلق) القدس يمسك بالملف العراقي، له القول الفصل في ذلك. إنه يدافع عن مصالح إيران القومية، وبالتالي يرى كل المنطقة من خلال هذا المنظار. ومن خلال علاقاته التاريخية مع كثير من القيادات العراقية يؤثر بقناعاته عليهم من خلال الإمكانات المتوفرة له، حيث أن بعض القيادات العراقية لا ترى في الانسجام مع توجهات إيران في العراق أي ضير.
في هذا الشهر جال قاسم سليماني في شمال العراق دون تأشيرة دخول من السلطات العراقية والتقى جلال طالباني ونجرفان برزاني وحثهما على السماح بعبور الطائرات الإيرانية المحملة بالمساعدات العسكرية لنظام بعث سوريا ولم تستنكر الحكومة العراقية أو وزارة الخارجية ذلك كما فعلت بزيارة وزير خارجية تركيا لشمال العراق قبل عدة أسابيع. وبعد زيارة سليماني مباشرة قامت السلطات العراقية بتفتيش طائرة شحن إيرانية متجهة إلى سوريا في مسرحية ضعيفة الإخراج بائسة التنفيذ ولم تجد فيها شيئا، جاءت كذر الرماد في العيون. فهل يمكن التصور من أن هادي العامري وزير المواصلات، رئيس مليشيات بدر التي هي جزء من جهاز “اطلاعات” الإيراني يسمح بذلك دون ترتيب مسبق؟ أو أليس هذا بعلم أعلى مسئول في السلطة في البلاد؟ فمن يعمل مع ملالي طهران لخدمة أغراضهم وتوجهاتهم هل يعقل أن يوقف طائرة للتفتيش ما لم يكن قد نسق مسبقا مع الحرس الثوري وقاسم سليماني أو مع حكومة طهران؟
إن دعم نظام البعث السوري وقيادته من قبل الحكومة العراقية على الرغم مما قدموه من دعم لقتلة العراقيين خلال سنوات ما بعد سقوط نظام صدام حسين وباعتراف النظام السوري والإيراني بأن ذلك من أجل إفشال خطط الولايات المتحدة في إقامة نظام جديد في العراق، تعدى كل الحدود دون النظر إلى مصلحة الشعب السوري وطموحه في حياة حرة كريمة دون استبداد طغمة العائلة الحاكمة وحزبها. وفي هذا الصدد أعلنت شركة ماليزية عن أن أوامر حكومية عراقية طلبت منها توجيه سفنها المحملة بأسلحة ومعدات عسكرية قيمتها مئات الملايين اشتراها العراق من صربيا إلى ميناء اللاذقية السوري، كما تمت صفقة السلاح مع روسيا بتوجيه إيراني واضح من أجل دفع فاتورة السلاح الروسي لدمشق والتي يعجز النظام هناك وكذلك نظام طهران من دفعها نتيجة الحصار الاقتصادي الدولي عليه وكذلك رشوة موسكو في دعمها لنظام الأسد واستمرار وقوفها مع نظام طهران. قال مركز كاست إن العقود تمثل ثالث أكبر صفقة لبيع سلاح روسي منذ انهيار الاتحاد السوفيتي بعد صفقة قيمتها 7.5 مليار دولار مع الجزائر عام2006 وأخرى بقيمة ستة مليارات دولار مع فنزويلا في 2009. فهل هذه هدية يقدما قادة العراق الجديد الذين وصولوا السلطة رغم على أنف الساسة الروس الذين وقفوا بعناد ضد إسقاط نظام صدام حسين؟
كتب الدكتور عزيز الحاج في هذا الصدد مقالا “للجديدة ” تحت عنوان “من العراق” جاء فيه: “بالطبع إن من واجب كل حكومة تسليح جيش الدولة بأسلحة متطورة ولكن بشرط أن يكون جيشا محترفا ومحايدا وغير مخترق، بعثيا ومليشياتيا وإيرانيا، كجيشنا اليوم، شأنه شأن قواتنا الأمنية المباركة. ثم لماذا روسيا، التي تتخذ مواقف معادية للأمن القومي العراقي والعربي بتحالفها مع النظام الإيراني ودفاعها عن المشروع الإيراني النووي، والتزامها بنصرة بشار الأسد؟!! نعم، لماذا ندفع المليارات لروسيا التي تدعم أنظمة العدوان والشر، ومنها كوريا الشمالية، وتهدد أمن المنطقة، وتمارس طبعة جديدة من سياسة الحرب الباردة؟!! هذه المليارات الأربعة الضائعة ألم يكن من الحكمة والعدالة تخصيصها للأرامل والعاطلين واليتامى، وأيضا لتنظيف العاصمة – المزبلة؟؟”.
نعم العراق يحتاج إلى قوة تدافع عن حدوده وأمنه، ولكن ضد من ولأي أيدي تسلم الأسلحة؟ ليس هناك خطر أكبر على أمن العراق واستقراره من التدخل الإيراني الذي هو ليس مبني على أسس طائفية كما يروج له البعض وإنما على أسس عنصرية ـ قومية فارسية بحتة.
أين المصلحة الوطنية العراقية من عمليات تسليح بهذا الحجم وكذلك الارتماء في أحضان نظام يسير نحو الزوال بخطى سريعة؟ إن الالتحاق بإيران له مردود داخلي سيئ على ما تبقى من نسيج المجتمع العراقي وتلاحم أبنائه. وليس سراً بأن أغلب العراقيين يرون الدور الإيراني سبباً للاحتقان الطائفي وإلغاء مفهوم الوطنية العراقية والسير حثيثا لبناء دولة ولاية الفقيه. ومن الغريب بأن الوضع الإيراني الراهن، لاسيما الاقتصادي منه، من الهزال في أن يغري بالتحالف معه، ناهيك عن الالتحاق به.
ففي ظل السياسات الإيرانية الداخلية التي رافقتها السرقة والتخلف الإداري والفساد الأخلاقي والاجتماعي والسياسات الاقتصادية الخاطئة التي انتهجتها حكومة طهران وخاصة في زمن أحمدي نجاد خلال السنين الماضية، تدهور الوضع الاقتصادي حيث وصل التضخم والبطالة إلى أعلى المستويات. وأعلنت العديد من المصانع والشركات عن إفلاسها وأغفلت أبوابها وطردت عمالها. والتدهور الاقتصادي أدى الى صعود الأسعار بشكل كبير حيث وصلت العديد من البضاعة ومنها أسعار المواد الغذائية الى مضاعفات أسعارها السابقة خلال الأشهر الماضية وبعض تلك المواد تضاعف بـ 200%.

وعلى الرغم من الوضع الاقتصادي المزري الذي تعيشه الشعوب في إيران يسير النظام بخطوات متسارعة من أجل الحصول على سلاح نووي موجه بالدرجة الأولى لتركيع الدول العربية المجاورة، لكن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يحمل أعداء بلاده مسؤولية الانخفاض الحاد الذي تشهده عملة إيران التي جاءت نتيجة للعقوبات الدولية، حيث تراجع تصدير النفط بنسبة مليون برميل يوميا وقطعت العديد من الدول علاقاتها الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية مع إيران. وآخر دولة كانت كندا وقبلها بريطانيا مما زاد الوضع الاقتصادي سوءا.
أعترف العديد من المسئولين الإيرانيين بتأثر الاقتصاد الإيراني جراء العقوبات وبأنه سينهار تماما إذا استمر على هذه الحالة لفترة ستة أشهر حيث فقدت العملة الإيرانية قيمتها مقارنة بالعملات الخارجية حيث تراجعت بنسبة 47% مقابل الدولار ونسبة 50% مقابل اليورو خلال الشهرين ألماضيين. فالانهيار المتسارع للعملة، يتبعه انهيار مداخيل الطبقة الوسطى فتصبح فقيرة لأن راتب الموظف الذي يعادل كمعدل 500 دولارا سيتسلم راتبه آخر الشهر، 265 دولارا، وهذا ما سيدفع أفرادها الميل للتغيير، وهذا قادم لا محالة.
في ظل هذه الظروف الاقتصادية التي يئن من تحت وطئتها المواطن في إيران لا تكاد تمر عدة أشهر، وأحيانا عدة أسابيع حتى يعلن النظام عن سلاح جديد تفوق عظمته كل الأسلحة ولم تسبق إيران دولة في “تصنيعه”، في مسرحية إعلامية تخفي الواقع الإيراني البائس وقد عرفت مثله فترة الحكم الصدامي.
نظام طهران يريد أن يلعب دور الدولة العظمى لكنها مغلفة بخوف حقيقي ممزوج بفوبيا مرضية بالعظمة والغلو في مقدرة القومية الفارسية، التي وقع في حبال خيالها قادة العراق الجديد. الكل يعرف بأن الدول العظمى الحقيقية تسعى إلى إخفاء ما توصلت إليه من نجاح في مجال التصنيع العسكري، لأنها لا تريد أن تظهر قوتها.
فهل سينقذ النظام الإيراني سرعة ومدى صاروخ “بدر”، أو”شهاب” وأشقاؤه “ميثاق وسجيل وزلزال وأبابيل” وغيرها، أم العراق، المنفذ الوحيد لجمع العملات الصعبة من سوقه وتصريف مخلفات منتجاته فيه مستغلين ولاء بعض من العراقيين على حساب المصلحة الوطنية العراقية لأجل المصلحة القومية للفرس؟
إن رفع صور خامنئي أو تنفيذ ما يطلبه النظام الإيراني ليس وقفا على المليشيات التي أوجدها ويمولها ويقودها أزلامه، وإنما أغلب الساسة وأحزابهم التي ترتبط برباط ما، طائفي ولائي، أو مصلحي تسير وتنفذ بشكل أعمى ذلك، وهذا يأتي من قمة هرم السلطة في بغداد إلى المحافظات وما أصغر منها إداريا. ومن أجل استمرار وتعزيز دور النظام رسمت إستراتيجية جديدة، تحسباً من انهيار نظام الأسد، وما سيترك من تداعيات سلبية على الوضع العراقي، وحجم النفوذ الإيراني فيه عبر مجموعة من الإجراءات في مقدمتها تقوية المرجعية الدينية المؤمنة بولاية الفقيه كما هو الحال في حزب الدعوة مرجعيته الجديدة محمود الشاهرودي. ربط جيش المهدي في تحالف إستراتيجي بين الدعوة وجماعة مقتدى الصدر “التيار الصدري”. وأخيرا جمع كل من منظمة بدر وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله العراق في تشكيل موسع يكون بأمرة النائب السابق جمال الإبراهيمي المعروف “بأبي مهدي المهندس”، نائب قائد فيلق القدس قاسم سليماني وذراعه القوية في العراق. وبالمناسبة هو أول من بدأ في استخدام تفجير السيارات في ثمانيات القرن الماضي قبل أن تستخدمها القاعدة.
فمن يقف وراء بيع العراق بثمن بخس لنظام بدأ ت نهاية عمره الافتراضي؟
 

free web counter