| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

نعيم آل مسافر

 

 

 

                                                                                الأحد 20/3/ 2011

 

عيد الشحرة ونخلة حسون

نعيم آل مسافر 

بعد أن فقدت أم حسون ولدها الوحيد في الأنفجار الأخير .. أطلقت العنان لدموعها.. علها تطفئ شيئاً من نيران قلبها المشتعلة.. ولكن أنى لها ذلك.. فنيران قلب الأم الفاقدة، لا يمكن أن تطفئها، كل فرق إطفاء العالم..

أرادت البقاء عند قبر وحيدها.. فإلى من ستعود؟ ومن ستجد في البيت عند عودتها؟ لأن حسون كان كل حياتها.. خصوصاً أن كل ركن من بيتها الطيني القديم، يذكرها به.. فهنا كان يجلس.. وهناك ينام.. هنا كان يمازحها وهناك يقبل يدها.. في هذا الركن صورته.. وذاك ديلاب ملابسه...

لكن المشيعين حاولوا مواساتها، بكلمات تصّبرها على مصابها الجلل.. ولما يئسوا من إقناعها، منعوها من البقاء عند قبر الحبيب.. بل أجبروها على العودة معهم.. وقالوا لها : إن لم تعودي، وإن لم تبقي على قيد الحياة، فمن لحفيدك حسون الثاني؟؟؟ أُسقط في يدها، وأُجبرت على العودة مرغمةً...

سارت أم حسون وعيناها في قفاها!!! تراقب كومة تراب ٍ تضم بين ذراتها قطعة كبدها الممزقة..

عادت وهي غير مقتنعة بأحد الأمرين.. هل حسون حي أم ميت؟؟؟ فعمدت للبحث عن وسائل أخرى.. لعلها تصل لنتيجة.. تحاول من خلالها إطفاء نار الفراق التي تسري في أوصالها.. وأول ما تبادر لذهنها، إلقاء تساؤلاتها على حفيدها حسون الثاني.. الذي مازال جنيناً في بطن أمه.. وتشكو له بثها وحزنها.. لكنها عدلت عن الفكرة.. كي لا تصيب المولود الموعود بالحزن والبكاء.. وهو فرحتها المنتظرة.

كانت تجلس على شاطئ النهر، الذي يمر قرب بيتها، كل يوم.. من الصباح حتى المساء.. لأنها لا تستطيع المكوث في الدار سوى دقائق. . كانت تتحدث مع النهر طوال النهار.. وهو يستمع إليها صامتاً.. وخيل إليها أن ما يجري فيه سيل من دموعه مواساةً لها.. فاستهوتها تلك الفكرة.. وأدمنت ذلك الطقس الحزين.. تخاطب النهر، وتراقب دموعه الممتزجة بدموعها..

لم يكن أمامها غير ذلك النهر .. الذي تنساب مياهه أمام عينيها بهدوء وصمت.. ولا يلومها على كثرة البكاء، كما الآخرين.. لكنه لا يهديها إلى سبيل للخلاص..

كانت من خلال تلك التأملات على ضفة النهر ، تبحث عن رمز حي أو ميت لحسون.. أي رمز.. فالقبر بعيد، وممنوع عليها المكوث عنده.. كي لا تموت.. ومن لحسون الثاني إن ماتت؟؟ ولا تستطيع أن تبني قبراً رمزياً لولدها على ضفة النهر.. كي لا يسخر منها سكان القرية.. الذين يمرون عليها كل يوم، ما بين مشفق ومستكثرٍ عليها كل ذلك الحزن.. كما أن كثرة بقائها على النهر قد تصيبها بالجنون.. وهي ببساطتها، وقلة ذات اليد.. لم يخطر على بالها، أن تنصب لولدها تمثالاً.. تجلس تحت ضله..

عند رجوعها للبيت في إحدى الليالي.. لإكمال الشوط الثاني على وجه الوسادة.. حيث تسقيها بدموع صامته..
لو كان لتلك الوسادة صوت ، لأنت لتلك الدموع الساخنة.. ومن يدري؟؟ فربما أنّت !!! ولم تسمعها، إلا أم حسون.. ومثيلاتها من الأمهات...

رأت في تلك الليلة، بعض أوراق (الخس) معلقة في زوايا البيت.. فعرفت أنها ليلة (الدخول) .. جاشت بها الذكريات.. هذا أول دخول، تدخل فيه أوراق الخس بدون حسون.. أيُ عيد هذا وأية آلام يحمل؟ فاستأنفت سمفونية البكاء النبيل.. مع مواسي ومعزي جديد في تللك الليلة.. وهو أوراق الخس..

وفي صباح اليوم التالي عزمت أمرها، على أن تزرع على ضفة النهر نخلة صغيرة.. تعتبرها شاهدة قبر، أو تمثال، أو أي رمز آخر.. ولأن النخلة كائن حي فقد رأت أن في حياتها حياة جديدة لحسون.. وفي نموها نمو جديد يطيل من عمره القصير..

ولما مر بها أهل القرية في صباح يوم الدخول.. مصطحبين عوائلهم وهم ذاهبين للإحتفال بعيد الشجرة أو النوروز.. وذلك بالتنزه في الحقول القريبة أو المنتزهات.. أو زيارة أضرحة الأولياء الصالحين أو الأقارب.. كما جرت العادة كل عام..

رأوا أم حسون، تجلس عند نخلتها الحسونية الصغيرة.. فتوقفوا مندهشين.. وقرروا العدول عن فكرة الخروج من القرية .. والأحتفال بعيد الشجرة مع أم حسون.. وعلى طريقتها.. وذلك بأن يقوم كل واحد منهم، بزرع نخلة على النهر...
ليكون حسون وأمثاله غابات النخيل.. تمد أحبتهم وذويهم المفجوعين بفقدهم.. بشئ من الصبر والأمل..

وللحديث بقية


 

free web counter