| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

نعيم آل مسافر

 

 

 

                                                                                السبت 18/2/ 2012

 

على قيد البحر

نعيم آل مسافر    

نغرق فيه بمحض إرادتنا .. لا نبحث عن طوق نجاة .. نجاة وغرق في آن واحد .. نصر وهزيمة ..

نقع في منطقة فراغ بين الإرادة واللاارادة .. الواقع والخيال .. منطقة تتعطل فيها محركات وعدادات المشاعر ..

تصل لقائد المركبة ايعازات غير صحيحة .. تخرج عن مسارها .. لا تستطيع رادارات النصائح والإرادة من العثور عليها , وإعادتها إلى المسار الصحيح . يُعلن خبر فقدانها بمنطقة الفراغ الوردية .. تقدم التعازي إلى ذوي الضحايا , في حين يجب أن تقدم لهم التهاني ..

تشقق بقشرة الروح ينبئ بحدوث زلزال مدمر لا يوجد حد أقصى لدرجته .. مقياس ريختر لم يصنع لقياس هزات كهزاته .. تتوقف فيه قوانين الطبيعة ونواميسها .

توسونامي كبير لا تستطيع أنواء القلب الجوية االتنبوء بحدوثه .. لا يحتاج لمزيد من الوقت أو لمقدمات كي يحدث..

يحتاج لحظة ..

عمر بأكمله ..

يأتي أو لا يأتي ..

يتصور البعض إمكانية اتقاءه .. الدخول في إعصاره لفترة معينه والخروج منه .. لا يعلمون انه لو جاءهم , لا يستعجلون ساعة ولا يستأخرون .. يدركهم حتى في بروج مشيدة من الحذر والتجارب السابقة .. وغيرها من الواقيات الغير مجدية لكوارثه ..

إنه والموت وجهان لعملة واحدة ..

كلاهما لا فرار منه ..

يأتي متى شاء ..

لا يمكن العودة منه ..

لم يتوصل العلم الحديث لاكتشاف صور ينفخ فيه لينسل العاشقون من أجداثهم .. فيقولوا لنا الحقيقة , عن ماهيته .. كينونته الحقيقية .. علنا نكتشف عقارا لعلاجه .. لقاحا للوقاية منه .. يتحدى العلم الحديث بكل جبروته وتطوره ..

لا يكفي أن نطوف بحره بسفن المشاعر والأحاسيس , التي يمكن أن تدمرها العواصف , لبحره تقلباته الخاصة .. بعد كل سكون عاصفة وبعدها الهدوء وهكذا دواليك .. في حلقة أبديه ..

يفترض أن نتجرد من كل شيء - كما ولدتنا أمهاتنا - للغوص في أعماقه السحيقة . دون التفكير بالعودة إلى السطح مرة ثانية .. العوم على السطح لا يجدي نفعا .. جثث عائمة أيضا .. درر تغرق و تستقر في القاع ..

أنفس درة في العالم ..

لا يباع أو يشترى ..

الغرق فيه هو السبيل الوحيد للنجاة منه ..

فكر بذلك وهو يجلس على ساحل أفكاره المتلاطمة .. بعد عودته الحادية والأربعين من آخر رحلة غرق ..

محاولات غرقه العديدة استهلكت ذاكرته .. لم يعد يتذكر كل التفاصيل .. أشكال البواخر والزوارق , ماركاتها , أشرعتها الملونة .. حروبه وصراعاته مع القراصنة , التي لم يرجع مهزوما منها في يوم من الأيام .. أجاد لعبتهم .. لا يتذكر أسماء جميع البحارة .. لحظات الجنون التي قرر فيها إلقاء نفسه وسط الأمواج عنوة .. محاولات البحارة لإنقاذه .. أطواق النجاة التي رموها له .. عودته بعد ذلك عازما على الشفاء من هذا الغرق .

يفترض أن يغرق مرة واحدة وتنتهي المسالة ..

أو يتعلم فن العوم ..

عملية الغرق تكررت كثيرا .. يبقى كل مرة على قيد البحر., لا يدري إن كان حيا أو ميتا .. غارقا أو ناجيا..

أية مرة كانت الحقيقية ؟

هل من غرق في هذا البحر الوردي ؟

ليت الغرقى يعودون لإنقاذ من يليهم ..

- غرقت في واحدة من محاولاتي السابقة ؟

- إن لم يكن غرقا ً فماذا كان ؟

توجه نحو البحر في محاولة غرقه الثانية والأربعين ..



 

free web counter