| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. نبيل الحيدري

 

 

 

                                                                                الأحد 22/4/ 2012



الشيخ الكبيسى بين ثقافة التكفير ومناغمة الفرس

نبيل الحيدرى

حديث الشيخ أحمد الكبيسى الداعية الإسلامى المعروف فى آخر حلقة من برنامجه الأسبوعى (وأخر متشابهات) من قناة دبى الرسمية، أثار جدلا كبيرا فى الساحة مما جعل مؤسسة دبى للإعلام تتبرأ من تصريحاته ببيان رسمى أنه لايمثلهم بل آراءه الشخصية، ثم إغلاق جميع برامجه الإذاعية والتلفزيونية بدبى وردود أفعال كثيرة.

كان من أخطر ما طرحه فى مناقشة مسائل تاريخية قديمة بين الفرق الإسلامية، هو اصطلاحات تكفيرية استعملت من المتشددين فى فترات زمنية معينة وفق سياقات خاصة وظروف معينة وإعادة تسويقها وذكرها مرارا وتكرارا كالروافض والنواصب. علما أنه لم يحدد لنا هذه الإصطلاحات ومعانيها ومناقشتها أصلا، بل أرسلها إرسال المسلمات البديهيات عنده دون هوية ثم الأخطر من ذلك هو تطبيقها على الواقع المعاصر حتى أخرج منها أحكاما جاهزة كاملة غير موضوعية فى اعتبار أكثر المسلمين المعاصرين إما روافض أو نواصب بقوله (صرنا الآن نواصب وروافض، ما فى واحد أحسن من واحد) حتى قال مراراً لمن يسأله قبل تكملة السؤال ويقاطعه بعصبية غاضبة متهماً إيّاه أنَّه ناصبى، وناداه (يا ناصبى.. يا نواصب) ذكرها لصالح من السعودية وعائشة من رأس الخيمة وصاحبه الشيخ إسحق وأسامة من أبو ظبى وغيرهم وقال (لاتسوِّى ملاعيب كأنكم خوش أوادم -ناس جيدون- خليك معه، الله يحشرك معهم-النواصب- كفاية اللعب هذا) ثم ذكر حديثا للنبى (لعن الله من ناصب لكم العداء) وسأل الله أن يحشرهم يوم القيامة مع النواصب بينما دعى لنفسه العكس فاحتكر الجنة له دون الآخرين حتى من سأله مجرد سؤال للمعرفة فإنه قاطعه وبعصبية بالغة ليجعلهم نواصب ويرتّب أحكامه الغريبة الجاهزة عليهم.

يقول الكبيسى أنه من الأنبار ويعرفهم وأنَّ الأنبار كلهم نواصب ولاعلاقة لهم بعلى ولا واحد بالمائة واعتبر النصب هو حب معاوية ابن أبى سفيان. وهو مخطئ جدا فى الإصطلاح والمفهوم كما هو مخطئ فى التطبيق والواقع الخارجى. وأنّى يوجد فى الأنبار من ناصبوا العداء لعلى وأهل البيت، وقد كثرت أسماء أهل بيت النبى فى الأنبار العربية كعلى والحسن والحسين وفاطمة فهل هؤلاء نواصب ينصبون العداء لعلى وبنيه؟ كلا وأبدا. يبدو أنه لايعرف أصلا معانى المصطلحات التى استعملها فى التكفير واللعن والإرتداد والطلقاء والخبثاء والحشر يوم القيامة حتى جعل الأكثرية المطلقة من المسلمين كفارا ملعونين فى جهنم. ولا يمكن القبول بحال من الأحوال بهذه الثقافة التكفيرية.
لم يستطع تحديد المفاهيم التى تحدث عنها بشكل سليم كالصحابى والمرتد والطلقاء والروافض والنواصب، فهو لا يعرف حتى الصحابى ولا تعريفه حيث يقول فى تعريفه (كل من رأى النبى أو رآه النبى)، بينما الصحيح (كل من لقى النبى وآمن به ومات على ذلك). كما أخطأ فى فضلهم وأقسامهم وهو يقول المرتدون والطلقاء ثم يقول (الخلفاء الأربعة والباقى كلهم برّة) (شق الصحابة من أجل الكرسى... ولم يوفق فى الحديث عن الطلقاء الذين اتهمهم مرارا بينما فيهم الصالحون والأولياء.

وبدأ يطرح قضية تاريخية قبل أكثر من ألف سنة سائلا إما أنت مع فلان أو عدوه ولاثالث لهما وهو أسلوب غير موضوعى فى مناقشة القضايا التاريخية علما أن تلك الفتن قد تدخل فى قوله تعالى (وإن فئتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) كذلك الأحاديث الشريفة فى الإبتعاد عن الفتن (كن فى الفتنة كابن اللبون لاظهر فيركب ولا ضرع فيحلب) وغيرها من الأحاديث التى عمل بها الكثير من الأصحاب فابتعدوا عن الفريقين وإلا وجب تكفير الأمة وأكثر المسلمين ولم يبق منهم إلا نفر قليل جداً بل أن الإمام على نفسه لم يقبل سلبهم أو أخذ أموالهم أو نسائهم أو غير ذلك فسئل (كيف تقاتلهم ولا تستحلهم) فأجاب (إخواننا بغوا علينا) ولم يسمّهم نواصب أو كفارا أو غير ذلك وصلى على أمواتهم واحترمهم وأرجعهم بإكرام.

نسى الكبيسى أن الإمام الحسن قد صالح وبايع معاوية لسنين طويلة حتى توفى، وكذلك الحسين بعد وفاة أخيه الحسن، أيضا صالح وبايع معاوية خليفة للمسلمين لعشر سنوات كاملة حتى توفى معاوية فماذا يقول عندئذ عن الإمامين الحسن والحسين، بل زين العابدين الذى عايش كربلاء بكل تفاصيلها قرأ فى صحيفته السجادية دعاء أهل الثغور فى حفظ جيش الأمويين. كيف لا وقبله تزوج النبى أخت معاوية الذى صار خال المؤمنين بعد أن كان كاتب الوحى، وكان من بنى أمية خيرة أصحابه وأوائل من أسلم وكذلك فى أبنائهم كعمر بن عبد العزيز فكيف يتبرأ الكبيسى منهم جميعا كما كان فى الجانب الآخر من بنى هاشم سيؤون ورديؤون كثيرون جدا... والكبيسى برأيه هذا يناغم الأطروحة الفارسية الصفوية المعاصرة.
وأين هم الخوارج من كلام الكبيسى، الخوارج الذين خرجوا على الإمام على وكفّروه وسألوه التوبة وكان أحدهم عبد الرحمن بن ملجم قاتل على وهو من الخوارج الذى كان مهر قطام الخارجية قتل على. فهم النواصب حقاً، ومنهم من قصد قتل معاوية بن أبى سفيان وهو البرك بن عبد الله المتحالف مع ابن ملجم، ومع ذلك رفض الإمام على مقاتلتهم وبعث ابن عباس لحوارهم وقال على لزعيمهم الذى رفض الصلاة خلف على كما رفض حكمه وخلافته (لك كل ذلك من الحقوق ولك أكثر من ذلك) وخاطب على قومه (من علّمكم قتل الناس على آرائهم) فى تحميل العلماء مسؤولية التكفير فى الأمة لا عامة الناس وبسطاءها كما فعل الكبيسى.

لم يفرّق الكبيسى بين العلماء وبين بقية الناس فجعل الناس روافض ونواصب حتى خاطب المتصلين به وحكم عليهم بألفاظه التكفيرية فى الدنيا والآخرة حتى عدم جواز الزواج بالبعض واللعن والإرتداد والخبث والحشر يوم القيامة وغيرها من ألفاظ البغضاء.
كما نسى الكبيسى أن الإمام على ابن أبى طالب قال مرارا (دعونى والتمسوا غيرى) (أنا لكم وزير خير منى أمير) وعشرات المواقف التى ترد أطروحته كليا.
واضح أن الكبيسى ضعيف جدا فى التاريخ والأحداث والفرق والملل والمقالات وما أكثر ماذكره غير صحيح فقد ادعى إجماع المسلمين فى أمور مختلفة جدا بل ادعى الإجماع فترات طويلة تاريخية للمسلمين جميعا على جماعة معينة الباقر والصادق والكاظم... مما يجعله جاهلا تماما فقد كثرت الفرق الدينية آنذاك حول القيادات وكثرت السجون لأصحاب المذاهب كأحمد بن حنبل وأبى حنيفة والشافعى ومحنة خلق القرآن وثورة زيد بن على ومحمد ذى النفس الزكية بل موسى الكاظم كان مسجونا سنين طويلة حتى مات فى السجن كما سجن الباقر وقصة موته وموت الصادق ولم يكن هكذا الوئام بين آل على وآل العباس فكيف أجمع الناس عليهم وعلى ولايتهم وطاعتهم بلا خلاف كما يزعم ولنرجعه إلى كتب الملل والنحل والفرق آنذاك وما أكثرها، كما أنّه يذكر تاريخا عجيبا للفتن وتأويلا غريبا دون سند أو علم أو مصدر أو دليل.
هنالك تناقض كبير وكثير فى كلامه ومن تناقضاته: تارة يقول لايوجد أحد من الصحابة قد سب أو لعن عليا، بينما تهجم على بعض الصحابة قائلا سبُّوا عليا مائة وعشرين عاما ولا أعلم من عاش هذه المدة الطويلة ممن نسب لهم ذلك، كما ناقض نفسه فتارة يعتبر الفرق والطوائف والفرق كلها لعب يهودية، ثمّ يقول مرة أخرى أنها نعم إلهية. وكذلك ادعائه لم يختلف الصحابة أصلا وما حصل فقط خلافات سياسية، فكيف حور خلافاتهم إلى دينية عقائدية فاصلة بين الجنة لأحدهم والنار للآخرين، وتناوله لقصة الإفك وعشرات التناقضات الأخرى
واضح أنه لايؤمن بكتب التاريخ ولا الصحاح ولا الأحاديث المعتبرة فقد كان مهاجما يقول مرارا: كتبكم فكركم تاريخكم صحاحكم... مستنكرا رافضا يعنى أنه لم يؤمن بها أبدا وأكثر من ذلك لم يحدد لنا أصلا مصادره وكتبه وصحاحه التى يعتمد عليها أبدا.

يذكر قصصا تاريخية لادليل عليها كارتداد الصحابة بالأسماء وموتهم مرتدين وقصة ابن عمر ورواية ابى هريرة وغيرها بينما فيهم من مدحه الرسول وكانت عاقبته رائعة. كما نقل عن التاريخ إجماعات لاوجود لها إلا فى مخيلته وأحاديث متواترة ومتفق عليها فى ذهنه فقط وغيرها

كما أفرط فى ادعاء أن كل مشاكلنا فى التاريخ كله وكذلك العصر الراهن هى من شخص واحد فقط... وهذا غريب فى قراءة التاريخ والمعرفة بالواقع والمشاكل وهى طريقة الخطباء التسطيحيين.
لا يمكن اختزال الدين كله حول شخص واحد وقضية تاريخية واحدة ونسى أنَّ هنالك عوامل كثيرة اجتماعية وسياسية وجغرافية واقتصادية وغيرها وأشخاص عديدين وحوادث كثيرة غيرها تتفاعل مع بعضها ولابد من دراستها جميعا وبموضوعية.

كما أنّ أكثر الآيات القرآنية تعتمد على العمل الصالح بعد الإيمان (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات …) معيارا أساسيا للجنة والنار فالجنة ليست حكرا لفرد وجماعته فى قضية واحدة دون العوامل الأخرى كما ادعى.
ادعى أنّ مشكلة الشيعة من شخص واحد فقط سمّاه، وأمّا قبله فقد مثّلوا المسلمين جميعا متفقين بلا خلاف، بينما هذه الأحاديث التى ذكرها موجودة فى الكافى للكلينى أى قبله بأكثر من خمسمائة عام بل وقبل ذلك أيضا لمن يعرف المصادر والتحقيق... مما يدل على جهل كامل فى الأحاديث ومصادرها والتاريخ ورجاله فضلا عن الكتب الحديثية
لقد ذكر لنا أحاديث وروايات لم نعهدها فى الكتب بل ادعى الإجماع عليها وأنها من أوليات العلم مثلا ارتداد أسماء منهم وقد دفع النبى لهم أموالا لإرجاعهم للدين ثم ماتوا وهم مرتدون، وقوله (أنتم جئتم بالسيف لستم بأصحابى، من يزنى بأمه، قصة هل لى من توبة... ادعى أن خالد من الطلقاء بينما أسلم خالد بعد الحديبية وقبل الفتح بسنوات، وأحكامه الكثيرة المرتجلة.
أما المحاور والمقدم للبرنامج فقد كان من المقدسين للكبيسى وهو يمدحه قائلا (العلّامة فى تجلياته القرآنية) وطريقته تأييد كل ما يقوله ويكرر مرارا (آمين) ولايسمح للمتداخلين بأسئلتهم الطبيعية.
من أهم الأمور الغريبة أن يكون (العلّامة) لايمتلك رؤية ولا منهجية أصلا للفقه أو العقائد أو التاريخ.

أفرط الكبيسى فى مديح شخصيات مثل شنودة وغيره بشكل مثالى كبير كما مدح اليهود والنصارى بالإسماء كما ذم فى الجانب الأخرى أسماء كثيرة فى تصوير الحالات الفردية وادعى أنهم مجهولون يجهل الجميع أصولهم ويشرح دورهم ومن جاء بهم... وذمّ الشيوعيين والبعثيين والعلمانيين والليبراليين... وكأنك ترى قصة من أفلام هوليود من خلال كلامه وتصويره علما أنه يجهل دينهم وأصلهم وأبسط تاريخهم وهو يتحدّث عنهم بالأسماء
لم يستطع الإجابة عن الأسئلة التى تعارض فكره وما لايعرفه مثل حديث موت ابن آدم الذى يسلم بصحته وأسئلة مبارك من الكويت وحديث أن إبراهيم هو خير البرية ومن قال بالخمرة فى قصص النبى قبل البعثة.
السؤال المطروح من نصّب هؤلاء الوعاظ ممثلين لله فى الأرض ويوزعون الجنة والنار كما يشاؤون فى فهمهم وأهوائهم مع اختلافاتهم مع بعضهم الآخر خلافات شديدة كما اتضح فى هجومه على معارضيه ومخالفيه من العلماء والشيوخ والوعاظ.
أقر الكبيسى بأنه فى كل حلقة يثير مشكلة فى الشارع وهو يتعمد ذلك فى فتاواه الغريبة كالفتاوى الجنسية والمتعة بل ويتهم كل من يخالفه الرأى بتسميته (الجهل والغوغاء) وهو أسلوب غير حضارى مع الرأى الآخر.

وهنا مسؤولية الفضائيات الرسمية فى الإبتعاد عن ثقافات التكفير والسباب واللعن والشتم والبغضاء إلى ثقافة المحبة والتعايش والسلام.
يعتقد البعض أنّ الكبيسى مولع بحبّ الجاه والمنصب والزعامة كثيرا مما جعله نجم الدعاة فى الفضائيات خصوصا دبى الرسمية وكونه أقرب لوعاظ السلطان هناك كما هو معروف لسنين طويلة، وكذلك لقاؤه مع صدام حسين، وأيضا مجيؤه فى 2003 إلى بغداد وخطبته الشهيرة فى مسجد الإمام الأعظم تحت وطأة الإحتلال وخطبته العصماء قبل سنة فى مدح رجال الإحتلال، ومناغمته إيران كثيرا بمناسبة وغير مناسبة ومدحه لهم مرارا وتكرارا، وفى هذا الحديث بالذات فقد مدح الفرس كثيرا جدا واعتبر الفرس ثقل المسلمين بكل شئ... بالعلم والفقه واللغة والتراث وكل شئ (كل حضارتكم من الفرس) وهم الدرة التى توقف المسلمين... وكأنّ العرب لايمتلكون أى شئ أبدا لا فى تاريخهم ولا فى حاضرهم، ثم بدأ التنظير الخطير للفرس بقراءة آيات قرآنية مدح وثناء (ولا يخافون لومة لائم) وتأويلها غريبا عجيبا فى الفرس حصراً ثم أحاديث النبى الكريم (ص) حول سلمان الفارسى … وكأن سلمان يمثل الفرس المعاصرين... وهاهم الفرس وأجهزتهم الرسمية وقنواتهم الفضائية تمتدحه وتعظمه وتجله مدحا وثناءا كما تمجد من يشتم الصحابة ويسبّهم ويلعنهم. ويمكن بسهولة مناقشة كثير من هذه الأحاديث والتأويلات العجيبة الغريبة عن روح الدين الإسلامى ومقاصد الشريعة الغراء فهنالك المئات مما يقابلها فأين التحقيق وأين الإنصاف وهذا العشق للفرس أكثر من الفرس أنفسهم الهاربين من سطوة ولاية الفقيه واستبداده والفارين بحثا عن لقمة عيش كريمة أو حرية وكرامة فضلا عن دعمهم للأنظمة الطائفية فى المنطقة. لعلّ هذا يكشف سرا أساسياً لكلمته التكفيرية فيما سمّاه النواصب والإرتداد واللعن والحشر فى جهنم على السنة المعاصرين وهو يقول (صار الشيعة روافض بواحد فقط جاء به اليهود لايعرف أصله وفصله لسب الخلفاء ولعن عائشة كما تشاهدونه فى العراق كذلك صرتم -السنة- نواصب بواحد فقط وهو معاوية ثم بنيه). وهى ثقافة تكفيرية غريبة

وكان الأولى للكبيسى أن يرى عشرات الآيات والأحاديث فى المحبة والسلام والرحمة (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) واحترام الإختلاف وإشاعة ثقافة الحوار الموضوعى البناء كما يمكنه تناول المسائل التاريخية بشكل علمى هادئ وهادف ونافع برؤية واضحة سليمة بعيدا عن ثقافة التكفير والبغضاء والسباب والشتم واللعن
 

 

free web counter