| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. نبيل الحيدري

 

 

 

                                                                                     الأربعاء 16/3/ 2011



وعاظ السلاطين

نبيل الحيدرى

على مر التاريخ اعتمد السلاطين على وعاظ الدجل والتزييف لدعم سلطانهم وإصباغ شرعية وقدسية عليهم، فأفرط وعاظ السلاطين فى مدح الطغاة والغلو فيهم لدرجة كبيرة والوقوف ضد الشعب فى حريته وكرامته وحقوقه.

الفقيه الشيعى محمد باقر المجلسى صاحب (بحار الأنوار) مثال صارخ كواعظ للسلطان الشاه حسين الصفوى زمن الدولة الإيرانية الصفوية فهو يمشي خلف شاه فاسد ظالم تقديسا واحتراما وتأييدا له فى كل ظلمه وجوره وفسقه وقتله حتى كتب المجلسى عنه (دولة العدالة وسلطنة السعادة صاحب الحضرة العليا سيد سلاطين الزمان ورئيس خواقين العصر شيرازة أوراق الملة والدين وصفوة أحفاد سيد المرسلين الماء والخضراء للبستان المصطفوى وعين سراج البيت الرضوى السلطان الذى خدمه كثير جم والخاقان حيث الملائكة له حشم وخدم تلهج ألسنة أرباب التصوف بزمزمة الدعاء له بخلود دولته تعينها على ذلك طيور العندليب الشامخة على أغصان سدرة المنتهى يا من جبين غضبه يفك العقد التى لا تحل وراحة يده الكريمة سحاب مطر على مزارع الآيسين مؤسس قواعد الملة والدين السلطان الأعظم والخاقان الأعدل الأكرم ملجأ الأكاسرة وملاذ القياصرة والكل له داع بأن يزلزل الله كل سيف يشهر ضده ويجعل كل راية نفاق مرفوعة بوجهه كفنا لرافعها وحاملها...) وغيره كثير حتى أنه مشى خلفه سابا ولاعنا للخلفاء فى قلب السوق الملئ بالمذهب السنى فى التشيع الصفوى زمن الدولة الصفوية وانحرافها فى التشيع عن خطه العلوى وسيرة إمامه على بن أبى طالب القائل (لقد بايعنى القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه) نهج البلاغة، جمعه الشريف الرضى

وقد اعتمدت السلطات المستبدة على وعاظ تبرزهم كقيادات دينية سامية تشرعن للطغاة تسلطهم وظلمهم، ورأينا رجال الدين يمشون خلف السلطان ويؤيدونه ويدعمونه فى كل مراحله خصوصا فى أزماته ومحنه أمام مطالب الشعب بدلا من وقوفهم إلى جانب الشعب المظلوم والمقهور والمحروم من حقوقه كما يحصل فى زماننا المعاصر، وكمثال معاصر لثورة الشعب المصرى حيث كان شيخ الأزهر المعين مباشرة من قبل مبارك، موقفه مشينا فى دعم الدكتاتور ضد الملايين من الشعب كذلك موقف البابا شنودة كزعيم للمسيحيين مؤيد لمبارك ضد الشعب وثورته المباركة  .

ولا يفوتنا ذكر المرجعيات الدينية فى العراق ورئاستى الوقف الشيعى والسنى فى العراق فى دعم السلطة ضد الشعب ومظاهراته المشروعة التى هزت عروش الطغاة فى الجمع المتتالية من جمعة الغضب إلى جمعة الكرامة وحتى جمعة الحق من شمال العراق إلى جنوبه كمطالب وطنية حقيقية كما قدموا عددا من الشهداء الأبرار من خيرة شباب العراق العظيم، علما أن المرجعيات قد سوّغت لنفسها امتلاك المليارات من أموال الدولة والوقف والخمس وهى تستخدم (الحيل الشرعية) فى التحليل لنفسها ما تحرمه على غيرها وتستخدم الدين لمصالحها الشخصية وترفع السياسيين الفاسدين وتحميهم لذلك رفعت المظاهرات شعارات وهتافات تندد بكل هذه الأدوار التى باتت مكشوفة ومعروفة للشعب خصوصا الشباب الواعى الذى تجاوز المرجعيات بل أن أقرب المقربين للمرجعية يفضح فسادها وتناقض أقوالها مع أفعالها ثم يعلن تحوله إلى العلمانية واللبرالية وغيرها .

كتب الدكتور على الوردى كتابه الرائع (وعاظ السلاطين) وهو يفضح الوعاظ ودجلهم قائلا (الواعظ يصفق للظالم ويبصق فى وجه المظلوم ولا يفتأ الواعظون يدعون لأصحاب السيف والسوط بطول العمر فى كل صباح مساء فهم يقولون للظالم أحسنت وللمظلوم أسأت، ويظهر مدى النفاق الذى يتعاطاه الواعظون حيث هم ينذروننا دوما بعذاب الله بينما هم يهشون ويبشون فى وجوه الظلمة ويقومون لهم احتراما وإجلالا، فإذا اعتدى أحد المترفين على فقير وجدت الواعظين يضعون اللوم على عاتق هذا الفقير وحده، بينما إذا أخطأ الفقير مرة فاعتدى على مترف قامت قيامة الوعاظ وأخذت مواعظهم تنهمر على هذا الفقير من كل جانب، لقد نسى الواعظون بل تناسوا اللصوصية الكبرى للظالم الذى ينهب أموال الأمة ويبذرها على ملذاته وملذات أبنائه وأعوانه، إن مشكلة الوعاظ أنهم يأخذون جانب الحاكم ويحاربون المحكوم ولا زال الوعاظ يعيشون على فضلات موائد الأغنياء والطغاة لذلك يتغاضون عن تعسفهم ونهبهم وترفهم ثم يدعون لهم بطول العمر فقد وجد الطغاة فى الواعظين خير عون لهم فى تخدير الناس وإلهائهم، فينشغلوا عن ظلم الطغاة وفسادهم وطغيانهم) لذلك كان كتابه هذا من أهم الكتب التى أفزعت الوعاظ الفاسدين المتواطئين مع الطغاة والمترفين ليتحالفوا وتصدر الفتاوى ضد الوردى وخصوصا كتابه (وعاظ السلاطين) فصدرت خمسة كتب ومئات المقالات ضده من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وقد تنبأ بانتصار الشعوب على السلاطين والطغاة وذكر مصر بالخصوص وهو يرى التفاوت الطبقى الرهيب بين الفقراء المسحوقين وطبقات السلاطين ووعاظهم .

والعجيب الغريب أن نجد فتاوى فقهاء السلاطين تتناسق مع فساد كبير لا يقبله العقل والشرع مثلا (الحيل الشرعية) التى تحول الحرام إلى حلال حسب المزاج كذلك صرف الحقوق الشرعية فى (الشأنية) فيجعل نفسه من شأنه الحصول على الملايين من أموال الفقراء لنفسه وبيته وعائلته كصهر السيستانى وحاشيته ووكلائه فضلا عن رجال الدين فى قيادات الأحزاب الدينية الحاكمة والفاسدة، مع نظرة بسيطة إلى حساباتهم البنكية وسفراتهم الدائمة إلى الدول الغربية ومصاريفهم التبذيرية خصوصا أعراسهم المليونية بالعملة الصعبة كما شهدتها لندن وغيرها، كذلك حتى فتاوى الحدود والقصاص والديات مثلا تفرق الأحكام بين العبدة والمملوك من جانب وغير الأمة والمملوك وغير ذلك كثير لمن يراجع وعاظ للسلاطين ودجلهم واستغلالهم الدين لمصالحهم الشخصية وقلب الحق إلى باطل وما أكثره فى عصرنا الراهن واختلاط الأوراق وينطبق عليهم قوله تعالى (ومن الناس من يعجبك قوله فى الحياة الدنيا ويشهد الله على ما فى قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل) والتاريخ خير حاكم على الطغاة ووعاظهم المنافقين الفاسدين  .



 



 

free web counter