| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. نبيل الحيدري

 

 

 

                                                                                الجمعة 14/9/ 2012



في ذكرى الشهيد هادى المهدي

نبيل الحيدرى

قتل بشقته بكاتم الصوت فى رأسه وفى شقته فى الكرادة الشرقية بقلب بغداد وقريبا من بيوت المسؤولين والأحزاب الدينية الحاكمة التى هددته مرارا وتكرارا وهى خائفة مرعوبة من فكره وقلمه ونقده وحركته .

كان الشهيد المهدى من المتنورين الناشطين وخيرة الشباب الواعى ومن الرائدين فى الإحتجاجات فى ساحة التحرير ببغداد من 25 شباط متأثرة بالثورات العربية فى تونس ومصر وغيرها.

كان الشهيد ناشطا حقوقيا ومخرجا مسرحيا وكاتبا شريفا. كان ينقد الفساد والظلم والمحاصصة الطائفية واستغلال الدين فى مصالح الأحزاب والوعاظ ورجال الدين الذين أترفوا وأتخموا على حساب الشعب الفقير المحروم الباحث عن لقمة كريمة أو حرية أو إنسانية مفقودة فى العراق الجديد .

كان المهدى صديقا مخلصا وفيا. أخبرنى أنه ذهب إلى ميدان التحرير فى القاهرة ليخبر إخواننا المصريين بمعاناة العراقيين ومواكبتهم للثورة المصرية متمنين لهم النجاح ولنا كذلك. علما أن الفساد الموجود فى العراق هو فى أرقام خيالية جدا فالميزانية تتجاوز المائة مليار دولار ولا خدمات ولاماء ولا كهرباء ولا شوارع مبلطة ولا مدارس محترمة...فقد صرف على الكهرباء أكثر من 27 مليار دولار ولا كهرباء، وفقدت المليارات تلو المليارات فى جيوب الوعاظ ومسؤولى حملات البر والحج والتقوى والحسينيات .

وقد رأينا الكثير من رموز الأحزاب الدينية الحاكمة اليوم ممن كان يعيش على المساعدات الإجتماعية فى الغرب قبل الغزو الأمريكى للعراق عام 2003 وإذا به يتحول إلى مليونير فى التجارات والشقق والقصور والفلل والفنادق فى أوربا والخليج العربى وإيران والدول العربية وأمريكا والدول العربية، فمن أين جاء بالمليارات فى غضون فترة وجيزة.

كانت الأحزاب الدينية الحاكمة اليوم تخاف كلمته وحركته وصوته لذلك اختطفوه بتلك الطريقة الهمجية قبيل توجهه إلى مظاهرات ساحة التحرير، إختطفوه وبسيارات الإسعاف وبالتهديدات والتعذيب حتى استعملوا وسائل تعذيب تمنعه من الإنجاب وتهدد بالإغتصاب الجنسى كما أعلنه فى مؤتمره الصحفى ببغداد أمام القنوات الفضائية ليفضح السلطة الدينية الحاكمة.

إتصل الشهيد بى مرارا وأخبرنى بتهديدات جدية من أتباع ولاية الفقيه الإيرانية المسيطرين على الكرادة الشرقية التى يسكنها الشهيد وقد حدثنى أنه يمتلك وثائق ومشاهدات وشهود يحب أن يكتب عنها ويفضح الأحزاب الدينية .

كتب الشهيد بوضوح وصراحة وبقلمه الشريف تحت عنوان "حملة تشهير ضدي يقودها اوباش مرتزقة وصبيان المالكي". وضع يده على أساس البلاء والفساد دون أدنى مجاملة أو نفاق أو تزلف كما يعمله إعلاميو السلطة  .

كما قدم المهدى استقالته من دائرة السينما والمسرح في وزارة الثقافة وفق رسالته المؤرخة في 30/5/2009 عندما وجد المسرح غير هادف تابعا لأجندة السلطة ومرتزقتها. وفى رسالته إلى القاضي عبد الستار البيرقدار بتاريخ 21/3/2011، بعد شرح جرائم الحكومة ضده وضد المتظاهرين جاء ما يلي: (أطالب بقبول شكوى ضد القائد العام للقوات المسلحة بشخصه ووظيفته جراء تعرضي للاختطاف والاعتقال بلا مذكرة قضائية وبلا جرم وتعرضي للاهانة والضرب واصابتي بكدمة خطيرة في رأسي وورم في ساقي اليسرى!..). لقد عطلت الكاميرات فى منطقة حساسة جدا فى الكرادة قرب المنطقة الخضراء قبل تنفيذ الجريمة النكراء وبدم بارد بعد أن استقبلهم وضيفهم فى بيته الكريم. إن الدلائل تشير إلى أن يكون قاتله من معارفه وقد كان يقوم بواجب ضيافة القاتل الذي أطلق عليه طلقتين من مسدس كاتم للصوت في رأسه من الخلف وأرداه قتيلا حيث المهدي كان ينوي المشاركة في تظاهرات يوم الجمعة التاسع من ايلول.

وكانت القوات الأمنية العراقية المنتشرة وسط العاصمة بغداد أغلقت، جميع مداخل المنطقة الخضراء وقطعت جميع الطرق والجسور المؤدية إلى ساحة التحرير تحسبا لأي تداعيات أمنية محتملة قد تنتج عن تظاهرة اليوم الجمعة.

قبيل اغتياله، كَتَبَ هادي المهدي (غدا 9.9 عرس حقيقي للديمقراطية في عراقنا الجديد.. سيخرج ابناء العراق بلا طائفية بلا احقاد يحملون قلوب ملؤها العشق والتسامح ليقولون لا للمحاصصة والفساد والنهب والفشل والعمالة يطالبون بعراق افضل وحكومة افضل واحزاب افضل وقيادات افضل). واضاف في صفحته على الفيسبوك (انهم يستحقون ان نصفق لهم ان ننحنى لهم نشاركهم هؤلاء هم ماء وجه العراق وكبريائه وكرامته.. تحية للعراق في ساحة التحرير.. العار للسياسي الذي لا يفكر الا بقمع هؤلاء ومواصلة دجله وكذبه وفشله). وأشار الى جملة من التهديدات كان يتعرض اليها قائلا (كفى.. اعيش منذ ثلاث ايام حالة رعب، فهناك من يتصل ليحذرنى من مداهمات واعتقالات للمتظاهرين وهناك من يقول ستفعل الحكومة كذا وكذا وهناك من يدخل متنكر ليهددنى في الفيس بوك.. سأشارك في التظاهرات وانى من مؤيديها، وانا اعتقد جازما ان العملية السياسية تجسد قمامة من الفشل الوطنى والاقتصادي والسياسي وهي تستحق التغيير واننا نستحق حكومة افضل.. باختصار انا لا امثل حزب ولا اية جهة انما امثل الواقع المزري الذي نعيشه.. لقد سئمت مشاهدت امهاتنا يشحذن في الشوارع ومللت اخبار تخمة ونهب السياسيين لثروات العراق). هكذا كان صوته صادقا صريحا قويا مدويا .

الخبير الإجتماعى على الوردى فى كتابه (وعاظ السلاطين) قال (الواقع أن الوعاظ والطغاة من نوع واحد هؤلاء يظلمون الناس بأعمالهم وأولئك يظلمونهم بأقوالهم. فلو أن الواعظين كرّسوا خطبهم الرنانة على توالى العصور فى مكافحة الطغاة وإظهار عيوبهم لصار البشر على غير ما هم عليه اليوم) واليوم أصبحنا فى مرحلة أخطر عندما صار الوعاظ سلاطينا وحكومة الأحزاب الدينية الطائفية .

أقول لك أخى الهادى المهدي لقد خافوك على دكاكينهم وسلطانهم وأموالهم وخفتهم على الوطن والوطنية والإنسان والكرامة والشرف خصوصا المساكين والفقراء والمعوزين وقد جاوزوا نصف الشعب تحت خط الفقراء بينما الطغاة يسرحون ويمرحون ببذخ وترف وسرقة وفساد بلا وازع أو ضمير أو إنسانية أو شرف لتقتل القيم كلها زورا باسم الدين والديمقراطية وهما منهم براء براءة الذئب من دم يعقوب .

وداعا يا هادي أيها العزيز الغالى الصادق الشريف الشجاع الأبى وهاهى قوافل الشهداء أمامك والمسيرة تسير إلى الأمام رغم جسامة التضحيات فقد قدم أكثر من 300 من الإعلاميين العراقيين أرواحهم فى طريق الكلمة الحرة متحدين الطغاة ووعاظ السلاطين فلتطمئن روحك بنفس مطمئنة راضية مرضية كريمة شريفة (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعى إلى ربك راضية مرضية) وعشت حيا خالدا فى قلوب الشرفاء.

 

free web counter