| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

نعيم الزهيري

 

 

 

الأحد 1/4/ 2012

 

مناضلون في مسيرة حزبنا الظافرة        

حسـن   الركَـــــــــــــاع

نعيم الزهيري

في سجن العمارة المركزي ، عام 1960 كان سجين في القاعة  رقم (2) ، قصير القامة  بدين ذو بشرة سمراء مائلة للسواد ، له عينان ضعيفتان غائرتان في محجريهما . كان لا يفارق فراشه طوال النهار ، ينشغل بالقراءة دوما ً ،وبسبب من ضعف عينيه يبدو وكأن الكتاب يلاصق خده . وفي المساء حيث يتم غسل ساحة السجن لتبريدها وازاحة ما يتراكم فيها من تراب ، تلك الساحة المعبدة بالقير وقد امتلأت بالحفر لقدمها ولا نعلم كم هو عمرها فالسجن شيد في زمن الدولة العثمانية " كما تقول الروايات " ...

كان حسـن يفرش بطانيته السوداء التي زودته بها ادارة السجن  في جانب الحائط ويتكيء على مخدته ويعاود القراءة ، واحيانا يكتب شيئا ينقله من كتاب .. دفعني الفضول ذات مرة للتقرب من ذلك الكادح الذي اجهدته السنون والعمل المضني ، كما يبدو، وذات مساء تقربت منه فرحب بي واشار بالجلوس فجلست على طرف البطانية ... كان الكتاب الذي يقرأ به حسن هو القاموس الفلسفي الاشتراكي ، وكان قد سجل 220 مصطلحا ، استعرته منه وكتبت محتوياته كلها بقلم الرصاص المبري تماما ً على ورق لف السكَائر ( وقد استفدت بذلك من قراءتي كتاب تحت اعواد المشانق للمناضل الجيكوسلوفاكي " فوجيك " ) وسرّبت الورق للبيت في زيارة عائلتي لي .

تبين لي ان الرفيق كان من سكان المسيب يعمل اسكافيا ولا يملك من ادوات العمل سوى مطرقة وسندان وكلابة وبعض الخيوط والفرش واصباغ اضافة ً الى المسامير ، فهو يعمل لترقيع احذية وصبغها وان وارده لا يكاد يسد مصروفه اليومي بالكاد ... ومن مهنته عرفّته اهالي المنطقة بــــ ( حـســـــن الـركَــــــــاع ) .

ان جور الاقطاع وظلمه على الفلاحين الفقراء واستغلالهم البشع انعكس على حسن وعلى كل اصحاب المهن (غير المحترمة) كالحياكة وصيد الاسماك . اما المهن الاخرى كصناعة المشاحيف والحدادة فهي افضل بقليل لانها ترتبط مباشرة بالانتاج الزراعي .  

ان مرارة العيش التي ذاقها حسن جعلته يتقبل بشكل سريع معرفة اسباب تلك الشرور ومصدرها ، وباحتكاكه مع قوى اليسار ، قاده حسه الطبقي ان يتلمس طريقه الصحيح فانخرط في صفوف الحزب الشيوعي العراقي ودفع ضريبة النضال في المعتقلات والسجون ، ولم يخسر الا قيوده ... صار حسن كادرا حزبيا هاما وصار دكانه البائس مركزا لتوزيع الكتب الماركسية والبيانات الحزبية ، فمن يصدق ان دكان الاسكافي البائس ذاك يشكل خطرا على النظام بكل جبروته وجيش الاقطاع الذي يسنده !؟

قرأ حسن بيان الحزب الصادر في 12/تموز/1958 وتوجيهه لكل كوادره بضرورة الحذر والترقب اليقظ لحدث هام جدا سيحدث في العراق ، وقد فهم حسن ما يقصده بيان الحزب فصار (ينتظر بفارغ الصبر اليوم الموعود)... وبعد يومين بزغ فجر تموز واعلان الجمهورية فخرج حسن على رأس الجماهير لتأييد ومساندة النظام الجمهوري الوليد والدفاع عنه .... صدر قانون الاصلاح الزراعي رقم 30 لسنة 1958 الذي رفع سوط الاقطاع عن ظهور الفلاحين وكادحي الريف ؛ لكن الاقطاعيين واذنابهم وجهاز الحكم الذي بقي على حاله لم يمسه التطهير ،اضحوا يحوكون المؤامرات على الجمهورية ويعرقلون تطبيق قانون الاصلاح الزراعي ومواده الصريحة في تحديد سقف الملكية .

ادرك حسن ، كغيره من المتنورين ، تلك النوايا الخبيثة ، فحشد الفلاحين المحرومين قائلا :  " ان الحصان نفس الحصان ولم يتبدل منه غير السرج " مثلما يقول ابو كَاطع ... ان الحق يؤخذ ولا يعطى ... الحكومة سنت لكم قانونا للاصلاح الزراعي ، يعني اعطتكم الارض وعليكم تطبيق القانون بأنفسكم بدون مفوض شرطة ولا رشوة او عزيمة دسمة للمسؤلين ؟ فسارع الفلاحون وفي مقدمتهم  حســـــن حاملين حبلا طويلا وقسموا الارض ، ارض الاباء والاجداد فيما بينهم ، وفقا للقانون وشيد كل فلاح كوخا لعائلته في ارضه المسلوبة التي عادت له .

دافع الفلاحون عن ارضهم بقوة السلاح والقانون ولم يتمكن الاقطاعيون والملاكون وحتى الشرطة السيارة من انتزاعها منهم ... امـــا حسن فدبرت له تهم احيل وفقها الى المجلس العرفي العسكري وصدر عليه الحكم بالحبس الشديد خمس سنوات ، وارسل الى سجن العمارة المركزي ...

لكم يا رفاقنا الاوائل الذكر الطيب ، فأنتم الحجر الصلب في بناء صرح حزبنا العتيد ، وعلى طريقكم سائرون...

 

يتبع




 

 

free web counter