| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

نعيم الزهيري

 

 

 

الجمعة 1/7/ 2011




حسن سريع ابن الفلاح المعدم الذي دخل التاريخ

نعيم الزهيري

لم يهتم سكان الريف العراقي ، عدا العاملون في دوائر الدولة ، بتسجيل تاريخ الميلاد ، فتراهم يدونونها عند الحاجة فقط ، في دخول مدرسة ، الالتحاق بالجيش او في التعداد السكاني ...او غيرها من الامور .

في احدى القرى البعيدة عن مركز مدينة السماوة ، في كوخ من القصب والبردي ، كانت الصرخة الاولى تعلن ميلاد طفل جديد في هذا العالم المليء بالتناقضات والاوهام ..انه الطفل الثالث لعائلة فلاح معدم اسمه سريع من عشيرة بني حجام ، حدث ذلك في اوائل عقد اربعينات القرن العشرين .. لقد كانت فرحة العائلة كبيرة جدا . ان سكان الريف  وحتى سكان المدن عندنا يفرحون بالابن الذكر اكثر من البنت ، وذلك للظروف الاجتماعية والاقتصادية ، حيث ان مجتمعنا كان مجتمعا عشائريا ، وبحاجة للرجال اكثر .

ز ُفت البشرى لسريع وهو يعمل في الحقل بين الادغال والطين فكانت فرحته لا تقل عن فرحة عائلته واقاربه .

نما حسن كغيره من ابنا الريف المعدمين ، ولم يكن متميزا ً عن اقرانه من الاطفال ، اذ له نفس البشرة السمراء ،ونحافة الجسم والانف الكبير والعينان السوداوان ، لكنه نشط كثير الحركة  ... وعندما تصلب عوده اخذ يذهب الى الحقل مع والده واخويه ، واحيانا يرعى البقرة او يجلب لها الحشيش من المزارع المسموح بها .

كانت ظروف الفلاحين وبيئتهم مزرية انذاك ، بسبب عدم الاهتمام بالريف من قبل الدولة ، وبسبب العلاقات الاجتماعية الاقتصادية قبل ثورة الرابع عشر من تموز 1958 ... فالفلاح يعمل بنظام المحاصصة لدى الاقطاعي او السركال او مالك الارض وتكون حصته ربع المحصول ؛ وغالبا ً ما يخرج مديونا عند جني المحصول ، فيخرج صفر اليدين من اتعابه ، لانه مثقل بالديون للمرابي او لمالك الارض  او التسليف على الاخضر !!

ومن مزايا النظام الجائر انذاك هو ربط الفلاح بالارض ، وعدم احقيته في الانتقال منها الى مكان اخر الأ بموافقة الملاك وبحصوله على ورقة تسمى بـ " الخلاصية " وذلك هو نظام القنانة بعينه. النظام الذي جاء وفقا لقانون (حقوق وواجبات الزراع) منذ ثلاثينات القرن الماضي  ( الغي القانون في ثورة الرابع عشر من تموز 1958 ، وهذا احد المكاسب الذي حققته الثورة ) ...

اما النزاعات التي تحصل بين الاشخاص فالحاكم والقانون هو الاقطاعي نفسه !!

 حدث شجار بين عائلة سريع وبين عائلة اخرى في نفس القرية قتل فيها احد ابناء تلك العائــلة     ( يبدو ان احد اخوان حسن او حسن نفسه قد قتل الصبي ) . اصدر الاقطاعي حكمه بطرد سريع وعائلته وترحيلهم لمدة سبع سنوات !! فرحلوا الى مدينة كربلاء وسكنوا في قصبة عين تمـر  (شثاثـة) .. وهناك دخل حسن المدرسة الابتدائية واكمل الصف السادس .. ولعدم قدرة العائلة من تغطية نفقات الدراسة ، تطوع حسن في الجيش ودخل المدرسة المهنية لقطع المعادن  . ولمهارته وذكائه عين بعد التخرج معلما في نفس المدرسة ورفع الى رتبة نائب عريف مهني .

كان حسن مغرما في لعبة كرة المنضدة ، وبعيدا عن الانعزال والانغلاق على النفس ، محبوبا غير متسرع في الكلام او اعطاء الرأي ...

حسن متوسط القامة نحيف ذو بشرة سمراء لوحتها شمس الجنوب . له عينان صغيرتان سوداوان ، لا تفارق الابتسامة شفتيه رغم جديته في الحديث ..

تزوج حسن من احدى قريباته وسكن كوخا ً في ـ حي الشاكرية ـ  في جانب الكرخ  ببغداد  ، ورزقا طفلة ، كان عمرها ستة أشهر لدى استشهاده . 

يبدو ان الاحداث التي مر ّت بها عائلة حسن في السماوة وشظف العيش وتحكم الاقطاع بمصير الفلاحين وفقرهم المدقع ، حيث لا يحصلون مما ينتجون ما يسد ّ رمقهم بالكاد ، هذا من جانب ومن جانب اخر الانفتاح وما حققته ثورة الرابع عشر من تموز 1958 من مكاسب للشعب العراقي وللفلاحين بوجه الخصوص ، برفع سلطة الاقطاع وسن قانون الاصلاح الزراعي ..وغيرها  ، أثر ذلك في فكر وتصورات حسن سريع ، وذلك كان مهم جدا في اعتباره من الاسباب المهمة في مقاومته الانقلابيين ...

وقد اثر في حسن ايضا حكايات الفلاحين من كبار السن عن ثورة العشرين ومقاومة المحتل الانكليزي ، وحفظه اهازيج الفلاحين الثوريه ، عندما كان يستصحبه والده للمظايف عندما كان صغيرا ً . كما ان بيئة الريف تجعل ابناء الفلاحين بعيدين عن الخوف ، وتملأهم الجرأة والاقدام ...

كان حي الشاكرية حيا ً كادحا بمعنى الكلمة ، وابناء الشاكرية معروفون باقدامهم وفرقهم الصدامية ، فمواقفهم في الفعاليت النضالية كمساندة الاضرابات العمالية ومضاهرات السلم في كردستان ومقامة انقلاب الثامن من شباط الاسود في عام 1963 ، فعاليات بطولية سجلها التاريخ باحرف لا تمحى من تاريخ العراق المعاصر . وتلك البيئة الجديدة وانضمامه الى احدى التنظيمات الشيوعية في الجيش  قد اضفت على حسن طابعا ثوريا واعيا... التقيت الثائر البطل حسن لاول مرة يوم 26/6/1963 أي بعد فشل موعد التنفيذ يوم 24/6 الذي كان المقرران تنفذ فيه القطعات العسكرية والمدنية لدى سماعها البيان الاول من الاذاعة !! التقيته مع فاضل موسى الرماحي في اجتماعنا في بيت الصديق مزهر في منطقة الخندق ، فاقترحت ان يكون التنفيذ في ساعة الصفربدلا من التنفيذ بالاعتماد على الاذاعة ، وهذا اضمن فوافقني حسن بقوّة قائلا : سأطلق الرصاصة الاولى في ساعة الصفر التي سَتـُحَدد ، وفي الاجتماع الاخر في 30/6/ كان تدقيقق ومراجعة للخطة وكان معنا هذه المرة محمود الجايجي من مدينة الثورة.. كان اسلوبه في الحديث موزونا ورصينا وواثقا من نفسه ... وفي المرة الثانية ضمتنا زنزانة واحدة بعد فشل الانتفاضة ، وكان يتمتع بنفس الهدوء والثقة بالنفس ، حيث قال متندر ً: اذا عجز الحزب عن القيام بالثورة فستكبر ابنتي وتقوم بها ! وكان معنا في نفس الزنزانة الرفاق كاظم فوزي والرفيق نزار الاعرجي والرفيق احمد خضرونائب ضابط من الناصرية وشخص مدني يسمى ابو سلام من الشبيبة صاحب اسواق السلام في ساحة الطيران . 

كان حسن يقول للمحققين انا وحدي اتحمل المسؤولية انا اجبرتهم على رفع السلاح ... وفي محادثة مع العريف البطل كاظم فوزي في نفس الزنزانة قال له حسن قل : حسن اجبرني على حمل السلاح ، فرد كاظم : لكنني كنت معتقلا في مقر الفوج وانا ومن معي من المعتقلين كسرنا باب السجن وخرجنا واعتقلنا الضباط واستولينا على مقر الفوج وساهمنا في الثورة ! قال حسن : قل ان حسن كسر الباب وارغمنا على حمل السلاح وكفا ...

كانت سخصية حسن طاغية على كل من عرفه فحتى الذين يحملون رتبا اعلى من رتبته يكنون له اعمق الاحترام ويمتثلون لرأيه وتوجيهه ...

وبعد اكثر من اسبوع نقل حسن الى السجن العسكري رقم واحد وضمته مع مجموعة كبيرة من ثوارالمعسكر المجموعة رقم (1) الى ان اعدم مع رفاقه في فجر يوم 31/تموز/ 1963 وهو يتغنى :

السـجـن لـي مـرتـبــة واالـقـيـد لـي خـلـخـال     والـمشـنقـة يـا فهــد مـرجـوحــة الابطــال

لكم يا حسن وكل رفاقك الثائرين وكل شهداء شعبنا وحركتنا الوطنية الــمــجــد والــخلــود

 

مدينة ارهوس/ الدنمارك

1/7/2011

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 





 

 

free web counter