موقع الناس     http://al-nnas.com/

حوار مع الأخ الكاتب يوسف أبو الفوز ( حكومة انقاذ وطني , أم ... انقلاب ؟ )

 

نجاح يوسف

السبت 22 /7/ 2006

كان الاخ والكاتب يوسف أبو الفوز موفقا جدا في تشخيصه الصائب للوضع الماساوي الذي يعيشه شعبنا العراقي اليوم وبعد اكثر من ثلاث سنوات عجاف عاشها بعد (تحرير العراق) من النظام الدكتاتوري المقبور على ايدي القوات المتعددة الجنسيات.. فإذا كان العراق كما يقول الأخ الكاتب على " (حافة) الهاوية التي يقود إليها الفلتان الأمني, والاحتقان الطائفي ومسلسل الفساد المريع , الذي ينخر جسم الدولة ويشل فعاليتها , وتعدد الميليشيات المنفلته خارج إطار أي قانون , ومسلسل الدم اليومي في ساحات وشوارع الوطن الذي صار فيه المواطن ينتظر أي حل يمكن أن يفتح له ولو كوة أمل في هذا النفق المظلم " ..فإذا كان العراق كذلك , إلى جانب ما ذكر قبلا في المقالة المذكورة , فهل يسعفنا الأخ الكاتب بكيفية تعزيز العملية السياسية (الديمقراطية) التي يدعو إليها؟ ومن هي تلك القوى السياسية التي ستعزز هذه العملية السياسية ؟ هل هم الإرهابيون أعوان النظام السابق؟ ام الصدريون ؟ أو ميليشيات القوى السياسية الحاكمة؟ مع الأسف الشديد كنت أتمنى ان لا يقع الأخ الكاتب في مطب طرح شعارات سياسية هو يعلم قبل غيره بأنها محض شعارات فارغة لا احد يعيرها اهتماما في هذا الزمن الردئ.. وهو بنفس الوقت قد ادان التفكير لإيجاد حلول خارج إطار نمط التفكير السائد والذي تعود مأساة الوطن إلى هيمنته على الحياة السياسية ..

فالأخ الكاتب يعول كثيرا على مجلس النواب (الشرعي) والحكومة الشرعية رغم انها ليست حكومة (قوس قزح).. ويطالب كذلك ب"دعم العملية السياسية ونشاط الحكومة وفقا للبرامج والالتزامات التي أقرت رسميا" و " تفعيل مجلس الوزراء للحكومة العراقية كمحاولة لتجاوز التناقضات التي تحملها معها." ..

إن اللبنة الأولى التي وضعت لبناء الدولة العراقية بعد (التحرير) كانت منخورة وهشة لأنها أختيرت على أساس المحاصصة الطائفية والعرقية , وما وضع فوقها من برامج وسياسات وقوانين جاء من رحمها, لذلك فإن هذا البناء المتهرئ والمشوه الذي نشاهده اليوم ما هو سوى وليد هذه الدولة, والتي شخصها بدقة الأخ الكاتب في الفقرتين الأولى والثانية من مقالته..

وأريد ان أحاجج الأخ الكاتب الكريم فيما تحقق " من خطوات صحيحة في المسيرة الديمقراطية" والتي يخاف عليها من نسفها..فهل يعتبر الانتخابات الأولى والثانية والتي جرت ضمن وضع استثنائي وفي ظل الاحتلال والقتل والترهيب وانفلات الميليشيات هي خطوات صحيحة في المسيرة (الديمقراطية) ؟ وعن أي ديمقراطية يتحدث الأخ الكاتب؟ إن الذهاب إلى صناديق الإقتراع يحدث في كل البلدان والمجتمعات الديمقراطية منها وغير الديمقراطية..وهناك العشرات بل المئات من البلدان الدكتاتورية وحتى فاشية تستخدم لغة الإقتراع لتثبيت شرعية الحكم المزيفة..والعراق وفي وضعه ما بعد (التحرير) لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتباره بلدا ديمقراطيا, حتى وبعد مشاركة الشعب في الانتخابات وسن الدستور وانتخاب مجلس النواب..الخ..وللأسباب التي ذكرها الأخ الكاتب في الفقرتين الأولى والثانية من مقالته..فالعراق , ومع الأسف الشديد أفضل وصف له هذه الأيام هو انه غابة وحوش تنهش بجسده حيوانات مفترسة بلباس بشر ..وأعداد كبيرة من هذه الوحوش أعضاء في مجلس النواب (الشرعي) والحكومة (الشرعية)., مع اعتزازي وتقديري بعدد قليل جدا من الشخصيات السياسية في داخل البرلمان والحكومة والتي تراهن بإخلاص على (تطوير العملية السياسية),رغم الشك في نجاحهم في مسعاهم هذا..

أما عن حكاية حكومة الإنقاذ الوطني , فإن الأخ الكاتب يعتقد بان : " مقومات حكومة الإنقاذ الوطني لا تتوفر في العراق حاليا, إذ لا يوجد لدينا مؤسسة عسكرية , قوية ومستقلة , حتى يمكن للقوى السياسية أن تتحالف معها لتشكيل الحكومة" .. إن الأخ الكريم يعترف ضمنا بأن المؤسسة العسكرية غير مستقلة , يعني أن ولاءها هو ليس للوطن والنظام (الدستوري الديمقراطي) , بل لقوى أجنبية أو أقليمية أو حزبية ..
وفي مكان آخر يقول الأخ الكاتب: " ان العراق الآن ليس بحاجة لحكومة انقاذ وطني , فإنها لن تكون اكثر من انقلاب واضح الشكل وصريح على العملية السياسية الديمقراطية التي ناضلت غالبية الأحزاب السياسية الوطنية من اجلها. إن بناء دولة ديمقراطية حديثة لا يمكن أن يتم من خلال نسف العملية الديمقراطية وإجهاضها." وأرجو أن يتسع صدر الأخ الكاتب لملاحظاتي حول مقاله هذا , فإني أعتقد بأن الأخ يوسف أبو الفوز ما زال أسير الشعارات الطنانة والتي لا تنسجم مع الواقع الذي يمر به العراق..فليس هناك عملية ديمقراطية في العراق من اجل إجهاضها..والقوى الوطنية العراقية عندما وقفت ضد حل الحرب كانت محقة لأنه لا يمكن تحقيق الديمقراطية من خلال فوهات المدافع ..فالعراق اليوم هو بلد محتل, وتحكمه حكومات وجيوش عدّه..حكومة انبثقت عن برلمان انتخب تحت وصاية المحتل وأسلحة وتهديد الميليشيات , وحكومات مبعثرة هنا وهناك وكل واحدة منها لها قوانينها وشرائعها والتي لا تنسجم مع دستور البلاد ..أما الجيوش , فحدث ولا حرج, فالاحزاب الدينية لها ميليشيات وتسليحها أقوى من تسليح جيش الحكومة (الشرعية) ..لذلك فإن استخدام مفردات (تفعيل ودعم ) العملية الديمقراطية, سترتطم وتتحطم على صخرة إرادة ورغبات وتعنت المحتل والقوى المتنفذة في مجلس النواب والحكومة , وهؤلاء الاطراف جميعها لا تنسجم مصالحها مع استتباب الأمن والاستقرار..

إن المطالبة بحكومة انقاذ وطني لا يعني بأي حال من الأحوال إجهاض ما يسمى بالعملية الديمقراطية..ولا تعني كذلك التحالف مع سبب المشكلة قوات الاحتلال..بل مع القوى الشريفة في القوات المسلحة والقوى السياسة الوطنية والتي تريد بناء العراق على أسس حضارية , وتبعد شبح الحرب الطائفية عنه, حيث تعمل القوى الشريرة جاهدة على تفتيته ونحر ابنائه..كما يمكن الاعتماد على المجتمع الدولي والجامعة العربية لدعم هذا المشروع ومن اجل ان يكون له غطاءا شرعيا .. فإلصاق التهم الجاهزة بمشاريع وحلول قد تكون غير مألوفة وجديدة , والتي (قد) تكون حلولا لأوجاع ابناء الشعب ووضع حد للتدهور المريع الذي يشهده العراق, لا تخدم لا المسيرة الديمقراطية المنشودة ولا المحافظة على ما تحقق...هذا إن تحقق شيئ يذكر.. والمشروع هذا بحد ذاته , ولا ادري الجهة التي طرحته, اذا تمت مناقشته بجدية من قبل مثقفينا وساستنا , قد نخرج باجابات مقنعة وبحلول لأزمتنا الحالية..
مع فائق التقدير..