| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

ناصر الثعالبي

 

 

                                                                                  الأحد 29/4/ 2012

 

حكايات عمالية
لأيار ولكل شهداء الطبقه العاملة

ناصر الثعالبي

الحكاية الأولى: زعفران
هذه امرأة من بلادي تحمل في قسماتها ملامح أجدادها زنج البصرة، وتأتزر برباط ثوريتهم، فهي وأديم الأرض صنوان. حرقت ملامحها حرارة الشمس، فباتت أشبه ماتكون بقطعة من الفحم لايعرف تكوينها إلا إذا ابتسمت. تغرق فمها بِكرةٍ من(السويكة) * فتبدو شفتاها مزدحمتين بألوان شتى. مهنتها تحضير السويكة وبيعه قرب جسر الخورة في زمن، امتهن أكثرية أحفاد الزنج مهنة بيع السويكة و(الهيس)** . ليس لديها غير قفة تضع بها إناء من الألمنيوم، وبه هذه المادة المسماة سويكة، وعمود ترفع عليه عباءتها كمظلة، تقيها شدة الشمس.

الحرب العالمية الاولى أعطت للامبراطرية التي لاتغيب عنها الشمس مرونة التحرك باتجاه العراق. وكانت بوابته الأساس البصرة، باعتبارها ميناء أولا، وقريبة من الهند ثانيا. دخلت القوات، وأولها زحف ليدخل مركز مدينة البصرة من جسر الخورة، هذا الجسر الذي ترابط فيه الثائرة زعفران. تقدمت مجاميع من السيك والكركة، كما يطلق عليهم أهل البصرة، وهم من الهند (إقليم السيغ).

هبت زعفران رافعة عمودها بوجه القوات الغازية صائحة : لن تمروا!! ومثل لبوة دنا الخطر من أشبالها هجمت على العدو. إنها الارض، إنها الكرامة والعرض، انهالت بعمودها عليهم، فبادرها سيكي بإطلاق النار عليها. خرّت مضرجة بدمائها. تقدم جمع البائعين وصنّاع السويكة، رفعوا زعفران فوق أكتافهم هاتفين :(سيكي كتل زعفران يهل السويكة عزلوا) وهذا الهتاف من وجهة نظري أول دعوة إضراب للمهنة الواحدة في تأريخ العراق الحديث، بعده كان إضراب الدوكيارد (المسفن) 1918.

الحكاية الثانية: جنجون
تميز القائد النقابي (جنجون) بروح الدعابة والأريحية، وهو من أحفاد الزنج أيضا، بالرغم من أنه معروف بالحزم والشدة في الدفاع عن حقوق العمال، وهو من المشاركين في إضرابات العمال وقيادتها كشيوعي في مختلف الأحداث. ذات يوم اعتقلت الشعبة الخاصة (فرع من الأمن خاص بالسياسيين) جنجون.

العراق كان تحت طائلة الأحكام العرفية. وكان (شمس الدين عبد الله) الحاكم العرفي المعروف، تثير أحكامه سخرية الناس. جنجون يعرف أنه سيقدم اليه. التفت الى رفيقه قائلا (انلاصت). قدّموا جنجون الى العرفي، ووقف في قفص الاتهام، مهيبا تعلو قسماته جدية الثوار في لحظة الحسم .مرت أسئلة الحاكم العرفي الروتينية من القسم، ومن ثم الاسم والعمل. لكن ما أثار الحاكم اسم جنجون وبشرته السوداء! فقال له: انت شنو يابه هم اسمك جنجون، وهم اسود، واتريد اتصير رئيس وزراء؟؟ ليش انت شنو تشرشل؟؟ رجعت الدعابة الى جنجون قائلا: سيادة الحاكم هو تشرشل وانا جنجون شنو الفرق هو هم رئيس وزارة !!

الحكايه الثالثة: خباثة
في الأحياء الشعبية تكون الفواتح (مجالس العزاء) في الشوارع لعدم اتساع البيوت، ولكثرة المعزين . كان أحد نشطاء العمال الشيوعيين مراقَبا من قبل رجل أمن ريفي، تدل هيئته من النظرة الأولى على مهنته. لم يجد هذا العامل مفرا غير الدخول الى مجلس الفاتحة، لما له من مكانة لايمكن تجاوزها.

اضطر رجل الأمن أن يدخل المجلس أيضا. وبعد قراءة الفاتحة فكر العامل الشيوعي بالتخلص من رجل الأمن بإحراجه في مجلس العزاء. سأله أمام الجميع، وبشكل ودود جدا: ابن عمي انت اشكثر تاخذ راتب ؟؟ أجاب متباهيا: اخذ سبع دنانير و نص!*** أجاب العامل: ابن عمي ابحظك وابختك هاي الفلوس تسوى كرشة ****؟؟ انحرج الرجل حين سمع أحدهم يقول: شنهي هذا سري اوجاي للفاتحة؟؟ ***** 
نفض رجل الأمن عباءته، وخرج مسرعا.

نشرت في جرية طريق الشعب 30-04-2012

* السويكة :خليط من التبغ الرديء وبعض الأشياء الأخرى.
**  خليط من التمر والعرق الحار، وبعض الأحيان يهرس مع السمسم ويكور على شكل كرة.
***   كان راتب رجل الأمن في العهد الملكي سبعة دنانير ونصف
****  كرشة بالجيم المصرية تعني وشاية.
*****  السرّي اسم يطلق على رجل الأمن في المناطق الشعبية وهو لايحظى بالاحترام.
 

free web counter