| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

نعمة السوداني

 

 

 

الأثنين 7/11/ 2011

 

جليد مسرحية للمخرج صميم حسب الله ...

قراءة نقدية

 نعمة السوداني *

سينوغرافيا الالوان في لغة العرض المسرحي
وعقلانية الحياة والتعايش في بيئة التعايش البشري بين التجلي والتعبير ...
حينما نتابع عمل مسرحي مهم للغاية علينا ان نفكر بافتراضية تكامله ونبحث في ماهية العملية التواصلية الفكرية للغة العرض المسرحي ومكونات الصورة وعملية الازاحة الفنية لكل ما هو غامض مع التاكيد على اهمية --العرض البصري المسرحي -- وعناصره المتعددة كالبحث في متابعة السينوغرافيا وتاثيرها على هذا النص الادبي او غيره من النصوص بسبب تحولاته الدراماتيكية اللاحقة حينما يتحول الى نص العرض بصريا والذي ايضا يحمل في طياته عناصر مهمه جدا تعتمد على -- التمارين البدنية للمثلين والافكار التي تحتوي العمل بالاضافة الى فلسفة المخرج والعاملين في هذا المنتج الفني -- والذي نراه امامنا نصا صوريا بصريا ملفتا للنظر.

بالاضافة الى التاويلات التي صاحبت افكار المخرج على طول عملية انتاج واخراج هذه المسرحية والتي ربما تاتي بالضد من فكرة المؤلف او للتاكيد على تلك العلاقة التي تحمل بجنباتها الذائقة الجمالية في اعماق النص , وما يتخلل ذلك من متغيرات في بنية النص الادبي -- المسرحي -- الذي قد يصل في بعض الاحيان الى تفكيكه تماما ومن ثم الانطلاق من جديد لاعادة الافكار وبنائه من جديد وتحويله الى حركات وافعال وصور ومشاهد درامية وفق رؤية المخرج الجديد لمشروع النص -- العرض المسرحي -الذي يعرض امام المتفرجين كما فعلها المخرج الفنان صميم حسب الله والمجموعة الفنية الجيدة التي عملت على تنفيذ ما
هو جيد معه .

ولأن الواقع المعاش في العراق الان يفرض ارهاصاته ومشاكله الواضحة التي تؤثر على طبيعة العملية الاخراجية او على المخرج نفسه او حتى على الممثل كحاصل تحصيل , لذلك نعتبر عملية التاويل معقدة جدا بالنسبة للمخرج حيث سيكون هناك صراعا واضحا في افكاره وتاويلاته الباطنية واسقاطاته الفكرية النابعة من خلال الواقع الدامي الماساوي المرير الذي يعيشه اليوم وبالتالي تنعكس على عملية التاويل تبعا لظروف البلاد هذه , وهذه الحالة تنطبق ايضا على الممثل الذي يكون جزء من عملية التاويل هذه للنص من خلال فهمه الخاص للنص لكونه حامل الخطاب معبرا عنه بحركاته بحواره بطريقة التعبير الايمائي له كي ينقل او يوظف فكرة المؤلف وتفسيرالمخرج للنص وهذا ايضا يعتمد على امكانات الممثلين التي كانت متطورة وحريصة على تقديم فن التمثيل بشكل واضح .

ومن بعد هذه السلسلة من العلامات المميزة , يتوضح لنا تاثيرات هذه العوامل على -- بنية النص الدرامية الجديدة -- تبعا لخبرة المخرج الفنية وثقافته وشخصيته كما سيتحقق للمتفرج المشهدية البصرية في ذلك العرض وكيفية الاستفادة من مادة العرض الفنية .

هذه المقدمة هي قراة تقديمية -- لمسرحية جليد -- للمخرج والناقد المسرحي المبدع صميم حسب الله .الذي ساهم في اطلاق العنان للانساق البصرية التي جسدها في -- صوره الماساوية-- عبر فضاء السينوغرافيا البصري التي بنيت عليه المسرحية والتي اعتمدت على علاقة مهمه جدا بين --الالوان والضوء والموسيقا ببعضها البعض - مع ميزانسين فني او تشكيل حركي فني للمثلين وهم يتكومون في ربع صغير من -- يسار المسرح -- المكان الذي حصلت فيه الجريمة والقتل والدمار - ( دمار الاسرة العراقية ) في هذه التفاعلات الرائعة التي انتجت لنا نصا بصريا تشكيليا مستقلا عن النص الاصلي ,الذي بدوره اعطى للمتفرج قدرة على الانفعال و التفاعل لفهم هذا الشريط المليء بالصور الحية , المتحركة , المتفاعلة ,المؤثرة على العين بشكل لايقبل الجدل ,حيث راينا بعدا بصريا وماديا مليئا بالاشارات التاويلية المهمة عما يحدث في الواقع المعاش الان من احداث يندى لها الجبين .

المخرج مؤلف العرض المسرحي :
مسرحية جليد للكاتب الفرنسي جان لويس كاليفرت .. المسرحية الاصل تحمل اسم ---غني وثلاث فقراء---
ان مخرجا شابا يتسم بانعاش عملية -- الخلق الفني -- التي ضعفت في بعض العروض المسرحية نجده هنا هو الخالق الاول للفضاء البصري الجديد بكل مكوناته تبعا لزمن العرض , حيث اخذ مكانة واضحة لدور الكاتب المميز او المؤلف بفلسفة مخرج مختلفة جعلته يقوم بعملية كشف وتعرية امام الجمهور -- للنص الادبي بتقديمة نصا بصريا -- من خلال شريط من الصور الدامية التي تستفز العين والمشاعر حيث جعلها تتناسل باشعاعاتها المثيرة المؤلمة من خلال ذلك اللون الاحمر على المتفرج انه لجدير بان يكون مخرجا مهما في المستقبل عبر قيادته لهذا النوع من العمل انه صانع جيد لخطاب النص البصري .
علما ان مخرج العمل هذا هوايضا ناقد فني , بمعنى اخر انه مخرج اخر ايضا , وبذلك فهو ينطلق من ثنائية وليست احادية الابعاد ويرى العمل من زاويتين اخراجية ونقدية وربما اكثر ربما نجده في لحظات هو مفسر لما يجري وفي لحظات يجبرنا على ان نتفق معه على انه قدم لنا مراة عكس بها ملامح شخصياته الدموية التي خرجت من الوهم الى الواقع الحسي الذي عاشه الانسان العراقي , شخصيات قدمت العمل بشكل رائع, بالاضافة الى كونه هو المخرج بالدرجة الاساس الذي اعتمد على مقاربة الاشياء بين التجربة الشخصية والواقع والادوار التي قمتها الشخصيات .
جليد هي مسرحية لصرخة قوية مدوية ضد القتل والموت الجماعي و المجاني ... اراد لها المخرج ان يقدمها عبر سينوغرافيا مشهدية محددة ومكثفة تعكس طبيعة الاوضاع المزرية التي يمر فيها الانسان العراقي . لقد جاء ت الاحداث في زمن العرض المسرحي مؤثرة جدا لانها بنيت على اساس لعبة الالوان -- اللون الابيض والاسود والاحمر الذي سال كثيرا في مكان الاحداث .
ولابد من الاشارة الى انه هناك ايضا مسارا موفقا اخرا مرافقا لهذه الصور الموجعة اخراجيا هو مصاحبة الموسيقا الخاصة ( للحركة والفعل ) قبل واثناء وبعد -- توزعت مع فعل الممثلين التي عبرت عن مضمونها من خلال طبيعة الاحداث التي مرت تتصاعد الموسيقا مع اتساع حدقة العين والعكس صحيح .. انها صورة العرض الفنية الحقيقية المطلوبة للنص البصري الذي يسمو نحو التكاملية ويشكل منجزا مهما في تقديري للمخرج المبدع وادواته وعناصره .

الشخصية والحالات النفسية والابتكار لوظيفتها ....
تميزت المسرحية في عرضها هذا , بتميز الطريقة الاخراجية مثلما اشرت اليها والتي اعتمدت تفاصيل وحالات مختلفة و متعددة اضافها المخرج صميم حسب الله -- كما في الحالات النفسية الممزقة للشخصية التي لاتملك من درجات الوعي التي يمثل انسانيتها -- على ان شخصياته التي حملت في تصرفاتها وسلوكها كثير من الالام والدمار والماساة بالاضافة الى الضعف والجهل وعدم تحمل اي مسؤولية او اي شيء . ومع عمق الوجع المخيف التي حملته هذه الشخصيات والتي عبرت عن نفسها ومكنوناتها وهي تتجاوز الخطوط الحمراء من خلال الضغط النفسي التي لا تتحمله في تماسك العلاقات اللانسانية في المجتمع العراقي ( الاسرة العراقية الواحدة كيف تتمزق ) حتى تصل الى الذروة في غاية القتل والتصفية ..

نحن امام عرض بصري قدم لنا فيه من المرارة العالية ومن القساوة الموجعة ترواحت بين اعمال القتل واساليب القتل الجديدة التي حدثت في المجتمع العراقي بين عامي 2006-2007 ربما جاءت قريبة من افكار المخرج او معانياته ايضا . وهي بحق تؤثر على العين بشكل مباشر , عمق فيه صرخة تدوي .
‏وبالرغم ما موجود في هذه الصرخة من استغاثة للبقاء على --الحياة وديمومتها -- خوفا من الموت بالقتل والاساليب الاخرى وانتشاره في كل مناحي الحياة انما هي صرخة انسانية جاءت تعلن اشارتها لوقف نزيف الدم الجاري .
إلا أنها اذا بقيت هكذا ستصبح صرخة محدودة فقط اثناء -- زمن العرض -- نحن نريد بها ان تستمر وان تقدم على مسارح بغداد وعلى مسارح المحافظات الرئيسة لما فيها من مادة ودرس وما تحمله من عمق الوجع الإنساني المخيف على اقل تقدير -- لشخصية العرض -- التي استوحيت من الواقع وهي امامنا على هذا المستوى في كل اللحظات التي عشناها في زمن العرض ,أو في لحظات صمتها اوموتها كونها تعطي اشارات ودلالات للمستقبل ‏ القادم .وكما يقال ان الصورة تبقى عالقة في الذاكرة في حين اللغة او الحوار قد لايحتفظ به الدماغ .

ان الاستفادة من الصورة البصرية تجعل من المخرج صميم حسب الله ان يتمسك في مسرح مليءبالغضب والقسوة ذلك الغضب المتصاعد حتى يبلغ ذروته و يعلن عن احتجاجه على تلك الظروف التي خلقتها الاوضاع الدراماتيكية تحديدا بين عامي 2007---2007 وما حل من دمار وخراب شامل في عقلية الانسان العراقي حينما ابتكر اساليب للقتل جديدة لاخيه الانسان .
انها مسرحية تعالج قضية مهمة جدا هي قضية الوجود الانساني في الوطن والتعايش بين مكوناته بشكل طبيعي لابشكل حيواني كشريعة الغاب , لذلك نشاهد امامنا خطابا صوريا واضحا يؤدي وظيفته ازاء عقل ووعي الانسان المتفرج , كي يجعله متيقظا لما يدور حوله من ماساة كونية .
المخرج وضعنا وسط -- مذبح مخيف -- قدمت فيه الاضاحي للموت المجاني , حقا اقولها انما نحن امام مجزرة حقيقية صورت في مكان الجريمة الذي هو عبارة عبارة عن مربع صغيرفيه ادوات التعذيب والتنكيل والقتل, بالاضافة الى تعدد اساليب القتل , نحن امام برك من الدماء المتوزعة على ذلك المكان في زمن جاء بالتوافق مع لغة -- السينوغرافيا التواصلية -- مع المتفرج -- بمؤثرات الموسيقا المختارة و لعبة الالوان الجميلة الابيض الاسود الاحمر .
ان اهم ما تركته بصمة المخرج من محفزات فنية وانسانية في هذه المسرحية موضوع الصورة وما احدثته من انقلاب على مستوى الحوار ونوعيتها حتى بدت لنا الصورة وكانها سلطة تخترق انسجة المسرح العراقي من جديد وبتعدد الدلالات وتنوع واقتضاب الحوار , شاهدنا صورة بصرية واقعية متخيلة انتقلت بنا الى صور فعليه حقيقية كانت قد حدثت منذ ايام وايضا بدلالات مجازية .
اليوم نحن امام صورة دخلت في الذاكرة الجمعية العراقية ,تعبر عن عمق الماساة , بمشهدية الالوان حيث فجرت حالات مفزعة , لقد اراد المخرج ان يخلق لدى المتفرج صورة من نمط جديدكي يقوده في التفكير الى ثقافة جديدة انسانية عبر لغة الصورة التي تخاطب كل الحواس والشعور كي ينهض راي جديد يستنكر اساليب القتل والموت و لما حدث من ماساة , صورة لثقافة البصر بالعين .
ولا يخفى علينا ايضا ان نقول انه هناك تظافر متكامل في منظومة الصوت والحركة والتشكيل والازياء البيضاء -- الاكفان -- المخيفه والاضاءة التي شكلت لنا فضاءا مسرحيا لاتبرح عين المتفرج عنه ولو لحظة واحدة , حقق من خلاله المخرج افضل تنسيق في مكونات العرض وتحكمه فيه .
جليد ... صرخة حقيقية او نستطيع ان نسميها -- رسالة -- تحاول ان تطهر المتفرج من ادران المجتمع السيئة والانتقال به الى عقلانية الحياة والتعايش في بيئة التعايش البشري لا الحيواني ولا لشريعة الغابة . شكرا للمخرج صميم نتمنى له المزيد من العطاء الفني المتميز .ولا ننسى ان نشكر الضيوف الاحبة -- الممثلين البارعين في ادائهم الجميل بالاضافة الى من عمل في الاضاءة والسينوغرافيا -- على هذه الشخصيات التي لانتمنى ان يكون لها دور في الحياة الطبيعية .


الممثلون :
حيدر جمعة .. محمد عطشان .. حسين علي .. اكرم عصام ..مصطفى الروح .. علاء قحطان .. سهيل نجم

الموسيقا :
للفنان الراحل احمد فيض الله

الاضاءة :
حيدر عدنان ... وميض كاظم

اخراج :
صميم حسب الله

 

* ناقد مسرحي - هولندا



 

free web counter