| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

نعمة السوداني

 

 

 

الأربعاء 5/10/ 2011

 

 (( ثورة عقارب الساعة )) (1) قصص قصيرة جداً
التكثيف ,الترميز , الايحاء ... صناعة فنية في نسيج الخيال للقاص نهار حسب الله

نعمة السوداني *

لابد ان اشير الى قضية مهمه جدا اعتبرها مفتاح مهم في عالم الابداع ,الا وهي :
ان الابداع هي صفة عند البشرو وليس موروثا, ولا ولن يحتكر على مجموعة من الناس, لذلك فهو اي -- الابداع -- يتطلب المرونه الفكرية, طلاقة واسعة , بالاضافة الى الموهبة .. وهذه كلها حينما تجتمع تؤدي الى الانتاج الذي يتصف بالجدية والمرونة والاصالة , وهذا ما تلمسته في قدرات القاص الشاب نهار حسب الله .
ان المبدع هو الذي يستطيع ان يضيف شيء ما لذكائه الذي يتمتع به لكونه موهوب ويتمتع بمهارات القدرة على انتاج الابداع وبهذا يكون مختلف عن الاخرين من البشر بتفكيره لانه لا
يجاريهم .
اليوم وانا اقرا هذه المجموعة القصصية القصيرة جدا وجدت بان نهار حسب الله هو قاص من نوع جاد وجريء عمل على ترجمة المشاعر والاحاسيس الانسانية المختلفة لشخصياته التي وردت في القصص بغربتها وبقساوتها وطيبها وجمالها وقبحها تبعا لبوصلة الحياة التي تتجه نحو المشاكل والازمات الكبيرة في الحياة اليومية .وكان حقا مبدعا فذا في التعامل مع الاحداث والشخصيات.

حفزتني هذه المجموعة بعد الاطلاع عليها على ان اكتب ما وجدته صحيحا , جميلا , ممتلئا ,متميزا في ما يخص معانيات -- شخصياته -- المتعددة المتلونة وهو يكتبها ويكتب عنها بحكايات و قصص مختلفه , شخصيات تمر عبر مفاتيح مختلفة لنوع هذا الجنس من القصة القصيرة جدا , فنجده يدلو بدلوه للقاريء , محاولا ان يزجه او يشاركه الهموم والماساة ( ربما واحدة من هذه القصص او اكثر من واحدة قد تلامس أوتتلمس مشاعره في الواقع المعاش) .

فقد عمل على تجسيد او معالجة موضوعاته عبرادواته الفنية من خلال -- عتبات القصة المهمة -- بدءا بالعنوان , التمهيد ,اعطاء مفهوما للقصة , والتعبير عن هيكلها , وبنائها الدرامي , والبحث عن الاثارة والتشويق , والتوقع الذي يحبس القاريء الى نهاية الحدث , وايضا لما سيحدث في المستقبل من توقعات للاحداث ثم يقود خيوط حكايته الى الذروة , وبالتالي يعطي دليله الابداعي للوصول الى عمق النهايات .

هنا نجد الكاتب نهار حسب الله قد عبر عن قدراته الفنية والابداعية في نصوص عملت بنسيج ملون مشغول بشكل متقن.

في هذه المجموعة ((القصصية القصيرة جدا )) يطرح القاص للقاريء ارهاصات وعذابات استلبت شخصياته , يرسمها هو, او تنطلق هي من فضاءات الحكايات حقيقية او وهمية , يختلط في خياله والواقع وبشكل مقصود (الحابل في النابل) ( الخيال بالمتخيل ), كل هذا النسيج يصاغ بلغة جميلة ملونة كالوان الفراشة وبادوات فنية ومفردات جميلة مثقلة بمعانيات كثيرة ايضا لشخصياته التي يقوم على تفعيلها كي يعطي لنا دليلا ومعنى اخرا لها . نعيش مشاهد ماساوية تمر في شريط يومي , صاغها عبر ممرات الحلم والتامل وتصوير اللحظة الراهنة .

وينطلق في قصصه القصيرة من نسيج الحكاية و يعتمد اللغة والخيال بسردا سهلا يعري زيف ما موجود من علاقات فاسدة , ملامسا الواقع في تشخيص علله ومشاكله ,و باعتقادي ان القصة القصيرة تعتمد على البناء الفني والموضوعي ,وكما نعلم انها جنس ادبي مستقل في عالم القصة , كما هو الحال في (((القصة القصيرة جدا ))) والتي ساشير الى بعض الملاحظات المهمة لانها مختلفة تماما عن جنس القصة القصيرة , وبما ان القصة القصيرة تعتمد التلميح لشخصية مفردة او انفعالا مفردا او تعبر عن مجموعة انفعالات ناتجة عن موقف معين , نجد فيها ايضا العناصر المهمة كالزمن والمكان والشخصية والحدث بالاضافة الى شكلها وحجمها . كما هي تعالج موضوعا يتطور بالضرورة الى ان يصل الى نقطة معينه -- الفعل او الحدث -- وبالتالي نرى سلسلة من المواقف تسير وفق نسق متوافق يخلق ادراكا خاصا .و كما نعلم ايضا في القصة القصيرة هناك تقديم حلول لنقاط الذروة باسلوب هادف او ساخر جميل .

في حين تعتمد القصة القصيرة جدا على -- اصطياد اللقطة -- وكتابتها على الورقة وفيها من الجرأة في طرح المواضيع كما قراته في هذه المجموعة في بعض القصص .

الشاب نهار حسب الله يتمتع بالجرأة العالية التي تميز شخصيته بوضوح .

اما بخصوص هذه المجموعة القصصية القصيرة جدا ( ثورة عقارب الساعة ) التي تتناول مفرداتها واحدثها وشخصياتها احوال المجتمع العراقي بمرارة الواقع وتطرفه في حل الامور العالقة بين كل الاطراف المتصارعة والتي تقف على نبذ التطرف الديني ونبذ لاسلوب القتل والدم , والحديث والتعبير عنها يكون بمستوى المسؤولية ومختلف ايضا بسبب ان هذا اللون او الجنس من الادب حتى لاتصبح منشورا او حطابا سياسيا , بمعنى اخر ان هذا النوع من القصة يختلف تماما عن مفهوم القصة القصيرة , لأن اركان هذا الجنس القصصي -- القصيرة جدا-- يعتمد على القصصية السردية المكثفة جدا يعني : ( جيب من الاخر ) لذلك لابد من ان يكون عامل حساب الزمن مهم جدا اي بمعنى الاعتماد على الاختصار والايجاز الذي لايخل بالمعنى او المضمون .

وقد وفق الكاتب في بعضها التي تنتمي الى جنس القصة القصيرة جدا وبشكل واضح وملموس .
ولانها تسمى بالقصة الومضه --- فلاش --- فانها تعتمد ايضا على وحدة الفكرة والموضوع. و يعتمد الكاتب فيها على -الايحاءات واعطاء الدلالات - بشكل رشيق في ايصال المعنى والمضمون , كذلك تتم عملية البناء الفني من خلال الاعتماد على - اللغة والاقتصاد بها اي الاقتصاد الدلالي الموجز وجعل اللغة تتجاوب مع التكثيف .

وتميزت بعض القصص في الترميز والسخرية والتهكم عبر تقنية خاصة سخرها الكاتب من اجل بث اشارات و شفرات تنقل الواقع بحلوه ومره, حاول القاص مرات عديدة ان يعبث بدافع السخرية السحرية التحريضية بحثا في الاثر الانساني من خلال الامتاع والابداع . وهذا ما اجاد فيه بشكل واضح مبين .

واعتمدت قصصه على مفهوم --البداية والنهاية-- في مستوى القصة القصيرة جدا وأستخدم ايضا -- التناص -- في عمله الذي حاول به ان يترجم فكرة حرة الى قصة الومضة وهي خالية من الحشو على الاطلاق خالية من الزيادات حتى من الناحية الوصفية , المهم فيها كان التركيز على الخط العام للفكرة دون الانحراف يمينا او يسارا . وقد اصاب في هذا المجال ايضا .

لاننا نعرف ان القصة القصيرة جدا لاتحتمل التمهيد اطلاقا او الاستهلال او الاشياء الطويلة ونعرف ايضا ان وظيفتها هي تطوير الحدث وبناء الشخصية,وهي ذات مضمون يعبر عن جوهره بشكله , او الشكل الذي يعبر عن مظهره بجوهره.

ومن مميزات ((( ثورة عقارب الساعة ))) انها تحمل في جنباتها مساحات ابداعية فنية صادقة
وقد اشتغلت على اداة واحدة بمسميات عديدة منها : التكثيف , الرمزية ,التركيز , الايجاز معتمدة على مادة -- الحكي -- زائدا رؤية الوجود , ان وحدة الموضوع فيها واضحة حيث تعتمد على مهارة السرد التي جاءت في ادوات السرد نفسها في الوصف والحوار .

و اود ان اقول رأ
يي الخاص عن المستوى الفني لهذه المجموعة القصصية :

اولا
: مع كونها تعبر عن قدرة فنية واضحة لكاتب طموح يمتلك ادواته الفنية بكل معنى الكلمة في هذا المجال الصعب , الا انه هناك بعض من التداخل الفني بين مفهوم القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا , بالاضافة الى بعض من التكرار في الفكرة بين قصة واخرى .
واعني بالتكرار في مضامين فكرة القصة مثلا : حيث جعل من البطل رجلا في القصة الاولى وفي القصة الثانية نفس الفكرة كانت البطله هي امراة ( نفس الموضوع ) وكما في قصة الساعات وعقارب الساعة الفكرة مكرره كذلك -- قصة اصلاح -- الفكرة مكررة كذلك قصة -- تضحية وقصة وفاء -- مكررة -- ومع هذه الملاحظات يتبدى لنا الكاتب بروح مفعمة باتجاه التعبير عن المشاعر والاحاسيس وما يدور حول مخيلته في الواقع , وهذا ما يجعلنا نقول لديه صياغات فنية جميلة للجملة , بالاضافة الى بناء الصورة .

وباعتقدي ان ما
جاء في هذه المجموعة هو جميل ,ولكن الاجمل في القصص من وجهة نظري والتي تعبر عن المفهوم الحقيقي--- للقصة القصيرة جدا --الفلاش -- الومضه هي :
قصص الدقيقة الواحدة . قصص خبرية ساخرة ... والباحثات عن الحب .. التفاؤل في زمن مشؤوم ..الله كم كان رائع ولذيذ هكذا شعرت بانني امام قاص موهوب حينما يطرق مجال القصة القصيرة جدا جدا . ومع هذا الاستعراض الدقيق للمجموعة الجميلة وجدت فيها الكثير الكثير من الجمال والاسلوبية الفنية المتطورة في الفكرة والموضوع واشتقاقات الفكرة كذلك وجدتها تحمل في جنباتها مساحات ابداعية فنية رصينه واسعدتني لحظات القرأة بحلوها ومرها ,على وانني اتمتع في ذلك التكثيف والتركيز والايجاز الذي اعتمدها في القص على مادة الحكي زائدا رؤية الوجود التي تحيط به تيقنت من صدقه السردي عبر الافكار التي وردت و تضمنت المجموعة بقوة وحدة الموضوع التي تنتمي الى عالم قاص يعتمد على مهارة السرد التي نجدها في ادوات السرد الوصف والحوار الجميلة .


ثانيا: وجدت في قصص اخرى هي ليست -- قصيرة جدا -- فقد استخدم الوصف فيها كثيرا بالاضافة الى التمهيد ولاحاجة لذلك الوصف ولا الى التمهيد وفي قصص اخرى ايضا قدم فيها ولاحاجة للتقديم او الاستهلال لانها تبتعد عن مسار القصة القصيرة جدا .

ثالثا: وجدت بالمحصلة انها قصص انسانية رائعة , كتبت لتبشرنا بولادة قاص رائع يستطيع ان يتنقل بين اروقة القصة والقصة القصيرة جدا وربما الرواية ايضا في المستقبل لانه يمتلك القدرة على الحكي والسرد وعلى استنطاق الواقع والاحداث وتكوين الشخصيات وتركيبها ونسجها وفقا لخيال ينبع من مرحلة مرعبة ليست بسهلة اقتنص منها الدسم والمهم - قد تحمل هذه القصص معها رائحة الدم والانفجارات ورائحة الموت - ربما ظروف عاشها الكاتب او قريبة منه . لذلك نستطيع ان في القصص القصيرة جدا اصاب الهدف وكان اكثر من رائع ..... حيث الالتزام بشروط القصة القصيرة جدا من حيث الاختزال والتكثيف والترميز .

اخيرا لا
يسعني الا ان اقول اليه مبروك على انتاج هذه المجموعة القصصية المهمة جدا والتي تعبر عن عمق الماساة التي يعيشها المجتمع وعن ذلك الالم الحقيقي الذي دخل الى كل بيت واثر في حياة كل امراة ورجل وشاب وطفل .. لقد اصاب كبد الحقيقة في قصصه البصرية التي هي اقرب الى الومضة التي تشعل العقل والفكر والعواطف وتكشف المستور بالجراة والشجاعة , قصص تتحدث عن عمق الجرح والنزيف الانساني الذي يعاني منه المجتمع العراقي الذي استخدم اسلوب القتل والدمار وابتعد عن مفهوم التعايش البشري الانساني .
نطمح الى انتاج اخر مفعم بالحب والمشاعر النبيلة من خلال ادب انساني يهدف للحرية والانسانية وانتم من يرفعون رايته دوما .

دمت كاتبا شجاعا مرموقا .


(1) مجموعة قصصية قصيرة جدا للقاص نهار حسب الله

 

* ناقد مسرحي - هولندا



 

free web counter