| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

ناجي نهر

 

 

 

 

الخميس 9/8/ 2007

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 


ماركس وماكلوهان ونظرية التطور


 ناجي نهر

تعتبر نظرية العالم الأمريكي - مارشال ماكلوهان - من النظريات الرأسمالية الحديثة جدآ والتي يعتبر فيها ماكلوهان أن وسائل المواصلات لعبت الدورالأساسي فى مسيرة التطور الأنساني والحضاري العام ولازالت وهذا تحليل خطل وغير دقيق سيتضح يؤسه للعيان عند مقارنته بالنظريات الحديثة التي سبقته أو عاصرته لحد يومنا هذا ,ومن أجل التعرف على من هي النظرية الصحيحة والأكثر دقة ,والتي برهن ,الواقع على صحتها بالتطبيق ,وبرهنت عليها مختلف معطيات العلوم الرياضية والفيزيائية والكيماوية والأجتماعية والعلوم المختصة الأخرى , وأصبحت بمثابة قانون من القوانين العلمية والبحثية المسلم بها والمعترف بصوابها من جميع المدارس العلمية ومن مختلف الباحثين والعلماء الأختصاصين ,وأصبح مثلها كمثل النظريات العلمية فى التقلص والتمدد ,وقوانين نيوتن فى الجاذبية وقوانين التكامل والتفاضل الرياضية وقوانين وحدة الأضداد وغيرها ، وفى سبر غور هذه النظرية وبعد التدقيق والتمحيص والمقارنات ,نستطيع القول أن ,نظرية ماكلوهان ,نظرية صحيحة فى أكثر معطياتها فيما يختص بعلم الأتصالات وتسويق الأنتاج الرأسمالي ,لكنها بذات الوقت ,ركيكة وتفتقر الى الدقة فى بعض جوانبها الأخرى ,ولذا سأعتمد مناقشتها بالنظريات الصحيحة المعترف بها من أكثرية العلماء والباحثين ,وسأناقشها بأيجاز وموضوعية وكالآتي : -
1) - من حيث الأكتشاف التحليلي النظري ,فأن ما جاء بنظرية العاالم الأمريكي ماكلوهان من تناول نظري لتطور الأنتاج الرأسمالي يمكن إعتباره يميل الى الدقة من جانب التطورالعلمي والتكنلوجي الصرف ,ولكن حتى نظريته هذه فأنها لا تعود الى بنات أفكاره الخاصة ,بل هي منقولة من نظريات عديدة لفلاسفة الثورة الصناعية الذين إستهلت بواكيرها فى منتصف القرن السابع عشر ,ثم جاء القرنان الثامن عشر والتاسع عشر حاميا الوطيس بالمعارك والصراعات الفكرية ونظريات الحداثة والتغيير الصناعي والأجتماعي والحضاري العام ,ونظريات ما بعدهم كالتي إختصت فى نظريات الثورات التحررية المختلفة ,وقد إشتهر من فلاسفة تلك الفترة – توماس هوبر وجان جاك روسو و كانت وديكارت وهيكل وفيورباخ وماركس وإنكلس وآخرين وكان - ماركس - من أبرز إولئك الفلاسفة الذين اعطوا فى أبحاثهم ونظرياتهم ,أدلة موضوعية مقنعة عن التفسير المادي للتاريخ وعن تحليل صراع الطبقات الأجتماعية والتطور في مجال العلوم والتكنلوجيا عبر الزمان والمكان . وقد بين ماركس أسباب هذا الصراع وتداعياته وايجابياته ,وتجلت عبقريته فى صياغة قوانين حركة المجتمعات وأدوات تغيرها,وتوصل الى أن من أهم تلك الأسباب هو الجانب الأقتصادي للأنسان ( أي الحصول على قوته وتطويره من أجل إدامة الحياة ) وهو ما يعبر عنه فى - عمل الأنسان - وتطوير أدواته من أجل تلبية إحتياجاته المتزايدة مع الزمن والمكان لحين ولادة ظاهرة الملكية الخاصة لوسائل الأنتاج المسروقة من ملكية الشعب العامة المبررة والمحللة بقتاوى الوعاظ المستفيدين من أسيادهم والمشجعين لهم على تنامي نزعاتهم الى الربح والنمو المالي السريع والأحتكار والأستغلال البشع المعمد بالدم فى أكثر الأحايين ,ولكن مع إن ماركس أسهب فى شرح تأثير الجانب الأقتصادي وما جره من إستغلال وقهر وإستبداد لكنه لا يعتبره العامل المؤثر الوحيد بل إنه أكد على وجوده كعامل أساس متأثر ومؤثر بكافة العوامل الأخرى وشدد على عدم وجود عامل لوحده قادر على خلق وولادة أية ظاهرة ونشؤها ,ولكن فى الناحية المقابلة فأن إلأستغلال البشع والأجرامي لجمهرة العمال الأجراء الذين يعملون على تلك الوسائل وما جره من قسوة ومرارة كان يفرزمن الإيجابيات ما هو أهم ,فقد أفرز زيادة الوعي وتطور وسائل الأنتاج بشكل مذهل ,فلكي يضمن العماال رضا الرأسمالي عنهم ولكي يحدوا من بطشه وتوحشه عليهم ,كانوا يتسابقون على تطوير وسائل الأنتاج التي يعملون عليها ,فيحدثون بذلك نقلة نوعية فى تطويرها , كانت فى الوقت ذاته ,ترفع من مداركهم ووعيهم درجة أعلى , وتؤدي الى تراكم التطور بفضل - عملهم - الذى كان العامل الحاسم فى التطور الحضاري المتعدد الجوانب وكان للتأثيير المتبادل بين تطوروسائل الأنتاج وعمل الأنسان ولايزال سر إستمرارية حركة التطور المطرد و سرمديته ,وسيبقى بلا إنقطاع . ولكن حركة تطور المجتمعات كما يحدثنا التاريخ لم يك مفروشآ بالورود والرياحين ,ولم يأتى ,دفعة واحدة وبتلقائية ,بل جاءت سيرورته متدرجة تخللتها كوارث ومآسي ودماء ما أنزل الله بها من سلطان ،كما أن هذه التطورات لم تكن إحادية الجانب ,ولم تكن معتمدة على تطور وسائل الأنتاج لوحدها ,بل كان تطورها مترابط ومتبادل التأثيير ,وشمل وغطى مختلف نواحي الحياة وعلومها المادية والروحية وكان لتطور علم الأتصالات والأعلام المعاصر شأنآ عظيمآ فى حركة التطور , أبهرت العالم الأمريكي - مارشال مكلوهان - وزميله العالم الأمريكي - هارولدأنيس - ولوثت بعض الحقائق التاريخية فى نظريتيهما التحليلية للتطور التاريخي مقارنة بالنظريات الصحيحة الأخرى , فهما حينما يتكلمان اليوم عن محرك التطور المعاصر ويربطانه بتطور علم الأتصالات ويعتبرانه هو العامل الحاسم فى مسيرة التطور وليس هو تحصيل حاصل لعمليات التطور المتتالية,فأن هذاالتحليل المبتور لعملية التطور ,هو ما شكل الجانب الركيك فى نظريتهما ,فعلم الأتصالات ,برغم أنه مذهل حقآ ,لكنه يبقى تحصيل حاصل لتزايد حاجات الأنسان المادية والروحية وتأثير ذلك على تطور وسائل ألأنتاج ووعي الأنسان ,فحتى مكلوهان وصاحبه يستدركان ويفيقان لركاكة تحليلاتهما العرجاء ,ويعودان الى الأستنتاجات والتحليلات الموضوعية و تتبع خطوات طريق التطور الصحيحة التي جاء بها ماركس وما أكده الواقع فأصبح من السهل على المختصين والمهنيين إثبات أن تطور وسائل الأتصالات العملاقة والمعقدة كالأنترنيت وغيرها إنما هو تطورجرى بصورة تدريجية لعمل الأنسان إبتدأه من عمليات إرسال وإستقبال بسيطة ومن أجهزة سلكية ,ثم تطور الى لاسلكية ,ثم الى شبكات وأقمار صناعية وهكذا , ومثل هذا التطور الكبير الذى جرى على علم الأتصالات جرى على الناس أيضآ ,وبما يتناسب مع وعيهم وثقافتهم وتنوع مصالحهم وعلاقاتهم وإسلوب خطابهم ودبلوماسيتهم .
2) - يقول ماكلوهان = إن الأشياء التى نكتب عليها كلماتنا ,لها أهمية أكبر من الكلمات ذاتها , بمعنى أن وسائل الأتصالات هى وسيلة وليست هدف ,ونجاحنا فى إستخدامها يتوقف على الدقة فى إختيارنا المناسب لها لتحقيق الهدف المطلوب ,فهذا الأستخدام هوالذى سيصبح أكثر تأثيرآ من الوسائل وألأهداف المطلوبة الأخرى . فنحن حينما نطبق إستخدام التكنلوجيا الجديدة فهى التي ستخلق لنا ظروفآ وأنماطآ جديدة فى حياتنا برغم أن البعض يعتبرلأول وهلة بأن هذا الأستخدام فاسد ويحط بالشأن لعجزتلك الآلة عن تحقيق الطموح بشكل مباشر ,ولكننا فيما بعد سنتعود عليها ونستشعر بلذتها ,ونعترف بأن الجديد سيمكننا من تحويل ما سبقه من قديم الى فلكلور فني من الماضي ويبقى من أفدح الأخطاء وأكثرها ضررآ وجريمة التمسك بالماضي والجمود عليه وتكفير وذبح كل من يستخدم الجديد لأغراض تطوير الحياة ,وهو ما يفعله السلفيون والتكفيريون المعاصرون اليوم . ويقال فى هذا الصدد أنه,حينما إكتشفت الكتابة ,حول ,أفلاطون الحوار الشفهي القديم الى شكل فني ,وحينما كانت الطباعة جديدة ,أصبحت العصور الوسطى برمتها شكلآ فنينآ من التراث ,وبرغم ذلك فأن الخوف والقلق بدأ يراود البعض فى أواخر هذه المرحلة التاريخية , بسبب سرعة وتغلغل التطور التكنلوجي الجديد وقد تم التعبير عن هذا الخوف بفكرة مسرحية - رقصة الموت - وجريآ على تحول القديم الى فلكلورعلى نمط الأفكار الأفلاطونية تلك ,ونظرآ لأن التكنلوجيا الحديثة قد تغلغلت فى جميع مقومات الحياة ,فقد خلقت سلسلة كاملة من الظروف الجديدة المربكة التى يتم التعبيرمن خلالها عن القلق والمخاوف منها بحذر مشابه للمخاوف من العولمة المعاصرة فقد تجسد التعبير عن تلك المخاوف بصور شتى ,فى مسرح - العبث والثقافة السادية وفى الفلسفة الوجودية واللبرالية المتحللة وغيرها - ,ويعود سبب هذه المشاكل وتداعياتها وكل ما فيها من مخاوف وقلق الى أن البعض حاول تطبيق الأستفادة من تطور تكنلوجيا وحضارة اليوم بوسائل وأدوات ,الأمس القديمة فحدث التناقض والصراع !!! فرجل الدين الجامد على نصوص إنتهى زمانها ومفعولها وأضحت اليوم - إكس باير ُExpire - لا يمكن له أن يكون متحمسآ ومخلصآ وصادقآ للتغيير كما مخطط له وبما يتناسب مع الطموح ,كما أن فشل تطبيقات الفلسفة الوجودية والنظريات العبثية الأخرى ,إنما هو دليل على القصور فى فهم أن التطور فى أي جانب من جوانب الحياة إنما يعني - حل لمشاكل الأشياء والموجودات السابقة - ,التى فرضتها ضرورة التطور فى حينها ,والتي ليس بالأمكان إيقافها أوالتلكأ بتطبيقها ,فتطور الطائرة كان الحل لمشاكل السيارة وتطور التلفزيون كان الحل لمشاكل الراديو - - وهكذا .
3) - إن ماكلوهان لم يهاجم التلقائية فقط ، ولكن أيضآ الطبيعة التجريدية ,فبدلآ من مقدرته على التجريد ,يهتم بالمقدرة على التخيل ويعتبره محور فكرته التى يقتبس منها التفريق بين الأشياء التى يسميها - ساخنة وباردة - وكان يقصد بالساخنة هي الأشياء والوسائل التى لا تحافظ على التوازن فى أستخدم الحواس أو الوسيلة التى تقدم الأفكار جاهزة الى حد ما ,مما يقلل حاجة الفرد للخيال , أما الوسيلة - الباردة بنظره - فهى الوسيلة التى تحافظ على التوازن بين الحواس ,وتحتاج الى خيال المكتشف ,والى أقصى درجة من الجهد الخيالى من جانب المتفرجين على التلفزيون بأعتبار أن التلفزيون يحتوي على عدد كبير من نقاط الضؤ الصغيرة التى يجب أن تنظمها المحسوسات الحسية ,وتصنع منها صورة للواقع . ولكن ماكلوهان ,حتى فى هذه النظريات التى ينسبها له ,يعود فيناقض تحليلاته أيضآ ,حيث يذهب الى إعتبار الراديو من الوسائل الساخنة ,ويعتبر الفيلم الناطق والتلفزيون من الوسائل الباردة لكونها لا تحتاج الى جهد خيالى .وما الى ذلك .
4) - إن هذه الأفكار الديماغوغية الخرقاء وتأرجحها المتخبط ,ظاهرة وموجودة ,فى ثقافة ,أغلب المفكرين الرأسمالين ,حتى ماكلوهان نفسه يعود ثانية فيصحح رأيه فى التلفزيون مادحآ له ,بأعتباره سيعيد الناس الى الثقافة الجماعية والى التجارب الجماعية فى الثقافة الشفهية ,وسيساعدهم على المساهمة الأجتماعية بدلآ من العزلة والأنسحاب السلبي ,ويدفع الناس الى الأنخراط فى العمل الجماعي بدلآ من الأنشغال بتداعيات التفكير الأنفرادي السقيم والمحبط ,كما سيساعد - القوميين الشوفينيين وغلاة الطائفية الى الأندماج بمواطني شعوبهم من أجل الديمقراطية للجميع , بدلآ من التطرف وإثارة النعرات العدائية والأقتتال ,ويقول ,بهذا الصدد ,لو كان التلفزيون موجودآ على نطاق واسع خلال حكم - هتلر - لساعد على إختفائه بسرعة ,وهذه الوصايا الأخيرة لماكلوهان تعتبر من المساهمات الأجتماعية والتكنلوجية المفيدة التي قدمها للناس والى شركات التلفزيون ,فى آن واحد .
5 - سأعود الى ماركس وماكلوهان ثانية من أجل المزيد من الأيضحات فى هذه المقارنة المقتضبة ليس إلا : - ومنها تأكيد ماركس على أن أساس التطور التكنلوجي والذهني هو - العمل - وهوالذي خلق الوعي بسيرورة متدرجة ,ويعنى هذا ان ، الأنسان تعامل مع المحسوسات المادية أولآ وقبل أن تكون له أية تصورات جانبية أو أفكار محددة بمعنى أن الأنسان,حينما باشر العمل لم يكن عاقلآ ,وهذه النظرة المادية فى تفسير التطور أثارت جدلآ - واسعآ ,وسع الدنيا برمتها ,وقسمها الى مدرستين فكريتين متناقضتين فى الرؤى - مادية - و - مثالية -
فالمدرسة المادية : تعتبر المواد والمحسوسات أولآ أي - المادة قبل الفكر - ,أما المدرسة - المثالية - ,فتعتبر ,الفكر أولآ ,أي أن الفكر موجود قبل المادة لكنه فكرغيبي وغير منظور ,وإنه ,أي الفكر ,خلق كل شئ , من قبل أن يخلق الأنسان ,ولا دخل للأنسان بألتطور إلا بقدر ما علمه ويعلمه وسيعلمه - الله - س - والله هو الفكر المطلق .
وبحسب نظرية ماركس المادية فأن عملية التطور بدأت بتلك الشذرات البسيطة من وعي الأنسان ,التي دخلت رأسه بالصدفة ، ومن خلال العمل الغريزي ومكنته من الأستفادة من النار التي إكتشفها وبالصدفة أيضآ ومكنته من أكل الغذاء مطبوخآ بالصدفة , ثم إستبدلت سلاحه الحجري بسلاح معدني بالصدفة ,ثم علمته تدجين الحيوان والرعي ثم العيش والأستقرار فى أرض محددة وإستغلالها وزراعتها كيفما أمكن ,ثم دفعته الحاجة الى الزواج والتناسل والذرية ,وهكذا بدأت وترعرعت عملية التطور متلازمة بتطور المادة ثم الفكر ,وبعد أن أخذت مدارك الأنسان تتطور بالتدريج ,أخذت وسائل الأنتاج التى صنعها تتفاعل مع درجات وعيه ,وتتطورنحو درجات أكثر رقيآ وتطورآ .وتضغط بأستمرار لترفع من وعي الأنسان الذي صنعها درجة أعلى ,أي تدفعه للأستجابة الى متطلبات حاجاته الجديدة المتلاحقة ,حتى أصبحت الحاجة مثلآ معروفآ لدى الناس البسطاء - الحاجة أم الأختراع - كما بدا واضحآ ,أن كل شئ ينشأ ويتطور بدافع الحاجة ويهدف الى تيسير العيش وتحسين وسائل الأنتاج وقوى الأنتاج ,ثم الحاجة الى وسائل مواصلات وتسويق لتصريف ضخامة الأنتاج التى دفعت بها وسائل الأنتاج العملاقة الى ما فوق حاجة المنتجين المحليين وحاجة السوق المحلية , ومن هنا فقد دفعت حاجة تسويق الأنتاج الهائل الحيتان الكبار الذين يمتلكون تلك الوسائل الى التفتيش عن أسواق خارج أماكن تواجدهم وعبر القارات الخمسة .
لكن العالم الأمريكي ماكلوهان ,المتأثر بثورة الأتصالات المذهلة ,يعتبر أن الأتصالات هى سر تطور التكنلوجيا وسر تطور الحضارة والوعي ,من دون أن يحدد المرحلة ,ربما سيكون لما يدعيه شئ من الصحة لو أنه حصر تحليلاته بالواقع الحضاري المعاصر ,كما فعل زميله – هارولدأنيس – حينما حدد بدقة المرحلة التى يتكلم فيها عن مستوى تطور علم الأتصالات ووصفها قائلآ ( ما هي إلا وسائل أتصال متحيزة لأحتكار المعرفة والمنتوج على حد سواء) لكن مااكلوهان ,أكد أكثر من مرة أيضآ أن تطور الأتصالات هو سر التطور بل ,وهو الحياة بذاتها ,وهذا التحليل من وجة النظر العلمية الدقيقة يتعثر فى مفاهيمه وتحليلاته المتخبطة ويتناقض مع عملية التطورالشاملة ,خاصة حينما يبحث فى الحواس والمؤثرات الخيالية وطبائع الأنسان المختلفة وكما يزعم هو فأن لكل وطن خصائص وسجايا وطباع مختلفة تتغير بتغير التكنلوجيا ,وهذه الصفات والسجايا الجديدة هي عنوان حضارة البلد وعلامة التقدم فيه ,وفات ماكلوهان أن بالأمس القريب لم يكن التطور الحضاري والتقدم العلمي فى اليابان والصين أو فى غيرهما على ما هو عليه الآن من التطور المركب المعاصر ,فما الذي تغير ؟ , أتغير طبع هذه الشعوب بين عشية وضحاها عندما تطورت التكنلوجيآ ؟ ,كلا إنما الذي تغير فى تلك الشعوب هو ظروفها المادية ,هو تطور إنتاجها الراقي ,هو أنظمتها التى فجرت الطاقات الخلاقة وحررت العقل وأتاحت فرصآ عظيمة للأكتشاف والأختراع والعلم وتطور المعرفة بشكل شامل وعام ,فالعلم بعد التطور الهائل لوعي الأنسان ,لم يعد خاضعآ للصدفة كما كان فى الجاهلية المتوحشة ,بل الى البحث والتجارب والعمل الدؤوب والغوص فى بطون المعرفة , ومن هنا نستطيع أن نفسر السر فى عجز البلدان المتخلفة ,لا سيما تلك البلدان التي تعتمد فى الأساس على الزراعة وتسود فيها الأمية والجهل ,الذان يحرمانها عن اللحاق بركب الحضارة ، فهذا التخلف ليس له أية علاقة بطبع الشعوب المتخلفة أوسجاياها وأصلها وفصلها أو عدم إصالة عنصرها ولونه أوالى تخلف عقولها وأمزجتها و ضعف خيالها ,فأبناء البلدان المتخلفة حينما تتاح لهم الفرصة فى تحرير عقولهم سيستطيعون من دون أدنى شك اللحاق بأخوتهم من بني الأنسانية فى البلدان المتطورة ,ويضاهوا أقرانهم فى الأختراعات والعلوم وفى إغناء الثقافة الأنسانية بكل ما لذ وطاب .
6 - لا أريد هنا أن أنفي إعتراف العالم الأمريكي ماكلوهان ,بتأثير الزمان والمكان على مجرى التطور الأنساني ,لكنه تناوله بشئ من الضبابية التي ,توحي أحيانآ بعدم الأهتمام , ولم يطرحه كحقيقة موضوعية مؤثرة وواضحة كالقوانين الرياضية ,كما فعل من قبله ,المفكرون العلمانيون أمثال ديكارت وفيورباخ و ماركس وإنكلس وأعطوا بذلك مثلآ نيرآ لبيان هذا التأثير الحاسم ,كما أن - روسو - وهومن أفذاذ آيديولجيي الثورة الفرنسية ,لم يستطع أن يتوصل فى كتابه - العقد الفريد - الى مفهوم الديقراطية كما يطمح لها المنتجون من العمال والفلاحين ,لكن الذين توصلوا الى ذلك الشكل من الحكم ,ولو بصورته الأولية ,هم عمال باريس فى ثورتهم عام 1871/ كما أن ,إعلان حقوق الأنسان الذى جسد مبادئ وأهداف الثورة الفرنسية لم يستطع هو أيضآ أن يرفع تلك المبادئ والحقوق مثلما هى عليه الآن ,وكما ليس ثمة من يستطيع أن يجادل ,فى عبقرية الأقتصاديين الكلاسيكيين الأنكليز ,فأذا لم يستطيع هؤلاء الأقتصاديون النبهاء ,أن يتوصلوا الى ما توصل إليه رواد النظرية العلمية من كشوفات هائلة ,فليس السبب كان قصورآ فى عقلياتهم ,وإنما هى ظروف الوعي فى الزمان والمكان وتأثيرهما على وعى الأنسان العام والشامل اللاحق ، مثلما كان ذلك فى الدعوة الأسلامية ,فبرغم طابعها التقدمي إبان ظهورها ,فقد أقرت - الرق - ولم تستطع ,وهى بعد فتية من تحريمه ,ولم يكن بأستطاعتها إلغاء إمتيازات الرجل على المرأة ,و لم تكن قادرة على إلغاء جملة من الأمتيازات لأغنياء قريش وملكياتهم الخاصة ,برغم أن نباهة الرسول وعبقريته وإنسانيته - ص - ليست موضع جدل ,ولم يستطع من بعده الخليفة النابه عمر بن الخطاب - رض - أن يحقق أفكاره المثالية ,كما تملكت الأمام علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - الخيبة والمرارة ,عندما إصطدمت مطامحه الأنسانية بواقع الحياة والناس ,وبالمثل أيضآ أخفق أبي ذر الغفاري فى نشر رسالته عن المساواة ,كما أخفقت العديد من الحركات والثورات ذات الطابع الأنساني بسبب عدم ملائمة الزمان والمكان وتداخلهما بالمؤثرات والأسباب الرئيسية المؤدية للنجاح أو الفشل .
- إن خلاصة ما أهدف إليه من هذه المقارنة النظرية الموجزة بين عمالقة الفكر ونظرياتهم التحليلية في مجالات تطور الحياة المتشعبة والمتداخلة التأثير ,هو التأكيد على أن نظرية ماركس أدق من نظرية ماكلوهان وإن أساس تطورنا التاريخي كان بفعل العامل الأقتصادي المعبر عنه - بالعمل - الذي كان أساس التطور التاريخي والتكنلوجي العام والشامل ولكنه ليس العامل الأوحد بل هو العامل المؤثر والمتأثر بكافة العوامل الأخرى التى سبق شرحها فى بداية هذا المقاال وبمفردات مبسطة فأ ن التطور المادي للتاريخ كان ولم يزل يتطور بوتائر تاريخية تصاعدية متناسبة مع تقادم الزمان والمكان متبادلة التأثيير النوعي بين العقل والعمل ندركه ونحسه فى العقل بسمو الوعي التطبيقي ونتاجاته المتجسدة 100% فى مقتضيات حياتنا اليومية ومن خلال خزائنه الفلسفية النفيسة وموسوعاته الفكرية المتنوعة الثرآء والقيم العلمية ,كما ندركه أيضآ فى العمل المتجسد فى خلق سعادتنا وتلبية حاجاتنا المتصاعدة وبأشكال وأنواع مذهلة التطور ومدهشة التقنيات بما يفوق حد التصور والخيال الميتافيزيقي المجرد ، والخلاصة فأن كل ما نراه اليوم من تطور فى مختلف جوانب حياتنا بما فيه التطورالحاصل على وسائل الأتصال وعلوم الأتصالات بشكل أعم , إنما جاء نتيجة وحصيلة حاصل للتطور المادي للتاريخ الأنساني الشامل والعام .