| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. ناجي نهر

 

 

 

الخميس 3/12/ 2009



تناقض بعض الأكاديميون وشروط المنهجية
(2)

د. ناجي نهر
 

تعاقب الحضارات و صراع الثقافات :
جرت الأشارة فى القسم الأول من هذا المقال الى اهمية المنهجية والموضوعية للآكاديمي والباحث والأنسان المنتج لأعمال مختلفة فكرية اوتقنية وفي هذا القسم سأشير بأختصار شديد الى اهمية المنهجية والموضوعية فى المتغيرات الحضارية وصراع الثقافات واثرها الأيجابي على مجمل عملية التطور الحياتية . فقد تأكد للأنسان الواعي المعاصرمن خلال التحقيق فى التاريخ انقسام الناس الى صنفين (مادي علماني) و(ميتافيزيقي مثالي) فالصنف الأول يعمل بأثر منهجية علمية منظورة وملموسة وممنهجة عند مزاولة اعماله الفكرية والتقنية ولا يعتقد بالشعوذة والدوغماتية والسفسطة الغيبية التي تبتعد عن مداركه ، بعكس الصنف الثاني الذي لا اثرملموس لوجود العلمية الممنهجة والموضوعية الواقعية فى افكاره الميتافيزيقية المثالية بسبب اعتماده على منهجية وموضوعية جاهزة ستأتيه نازلة من خارج وعيه وتخطيطه بمعنى ان الأنسان لا يحتاج ان يرهق ذهنه فى التخطيط لنجاح أعماله او تطويرها على وفق ما يضعه من منهجية موضوعية مدروسة تعتمد الأستفادة من تجارب سابقة ،بل يتكل على من بيده القدرة واليه ترجع الأمور،متنقضآ مع الأنسان العلماني المعتمد على امكانته المعرفية الذاتية وتجاربه الخاصة . ولكن مهما اختلفت المقاسات والتعاريف لمفهوم صراع الثقافات فالمعنى المقصود يشير الى صراع الآيديولوجيا التي أفرزتها مسيرة تطور الأنسانية فى مرحلة ما مقارنة بما أفرزته آيديولوجيا مسيرة تطور الأنسانية فى المرحلة الزمنية التي تلتها ارتباطآ بالزمن والمكان المحدين ،هكذا يؤكد التاريخ ان مراحل التطور تعاقبت واتخذت اسماء مختلفة ، فبعض الباحثين قسم وسمى المراحل التطورية على وفق نمط الأنتاج وتقسيم العمل والتوزيع كما فعل ماركس ومن سار على خطاه من المنظرين واتسمت اسماء مراحل التطور بحسب منهجيتهم على وفق تدرجها الزمني ب [ مرحلة المشاعية البدائية ، مرحلة الرق والعبودية ، مرحلة الأقطاعية ، مرحلة الرأسمالية ، مرحلة الأشتراكية والشيوعية ] وبعض الباحثين من اعتمد البيئة والمكان وتضاريسهما والصناعات المميزة لساكينها ، فجاء تقسيم المراحل بالأسماء التالية [العصرالحجري ، العصر البرونزي ، العصر الحديدي ، العصرالجليدي ، عصر الفحم ، عصرالنول ، عصر البخار ،عصرالدواليب المسننة ، عصر الكهرباء ،عصر البترول ] وغيرها ، ومن الباحثين من اعتمد البيئة وما عول عليه الأنسان فى حله وترحاله كما جرى فى الجزيرة العربية حيث خلد شعراء العربان بتلك الآيديولوجيا البسيطة وبما افرزته من اعمال بسيطة ما تخللها من ذكريات تاريخية لا تتعدى وصف الحروب والبأس والتفاخر فيها وفي وصف الجود والكرم وملذات الطغاة ومجونهم ووصف الليل والخيل والبيداء الظبى وعيون المها وحور العيون وصبر الناقة وما شابه ذلك . كما أكدت بعض البحوث والدراسات على ما امتازت به شعوب الجزيرة العربية من التلقائية وعلى اثرها البسيط جدآ فى مراحل تطور المجتمعات البدوية الرحالة وغير المستقرة وما افرزته من آيديولوجيا بسيطة ايضآ . وتناسبآ مع حالة الأنسان وانغماسه فى البداوة والترحال التي افرزت حالة التلقائية ترسخت كذلك وبأثر سلبي حالة معشوقة ومستهام بها من البداوة والترحال أدامت تخلفه قرونآ عديدة قبل ان يستقر حاله ويبدأ مرحلة الحداثة الأولى وتكوين المدن والدولة ،حيث كان يعتمد فى انجاز اعماله على التلقائية واثر العادات والتكرار والروتينية فى العمل وكانت هذه التلقائية تتناغم بأثر متبادل مع الآيديولوجيا السائدة آنذاك وبتفاعل مطرد يزيدها يومآ بعد يوم رسوخآ وتأصلآ حتى اضحى الخروج من تلك العادات والتقاليد مستعصيآ ومعيبآ ومتواصلآ حتى فى حاضرنا المعاش . لقد كانت العملية التطورية لحضارة ولثقافة وآديولوجية لأنسان قبل الثورة الصناعية بداية القرن السادس عشر تكاد تكون معدومة اسوة بغيرها من الحضارات فقد ساد التخلف فى تلك المراحل الزمنية البعيدة كوكب الأرض بحكم المسيرة المتشابهة والمتدرجة للتطور ، سواء اكانت حياة الأنسان فى تضاريس متعرجة او على ضفاف المحيطات والبحار او الأنهار او فى الصحراء المترامية الأطراف ،فما من شئ يميز تلك المجتمعات غير البساطة والتلقائية التي لا تحتاج الى المنهجية والى الموضوعية بالمفهوم السائد اليوم .

لقد استمر اثر البساطة والتلقائية راسخآ فى ادراك العربان مع تعاقب الحضارات وصراع الثقافات بصورة سلبية حتى هذه الساعة واستمر معه تناقض اقوالهم مع افعالهم بحكم العادة المتوارثة والمفتقرة بالأساس الى المنهجية والموضوعية . وعند تدقيق الباحث الرصين وغير المتحيزلأصل العرب والتحقيق فى معنى مفردة العرب يتوصل الى ان المفردة جاءت من تسمية (الغدير العذب ) بالعرب ،ولكن بعض الباحثين اأكد ان مفردة العرب جاءت من (البعير الجرب )ومن صفات اخرى معيبة لا حاجة لذكرها لضعف التوثيق . وعلى اية حال فقد كانت آديولوجية وثقافة العربان وحضارتهم كما اسلفنا بسيطة تكاد لا تذكر لكن المغالين فى تمجيد العرب ظلوا ينفخون ويلمعون ويجملون بهذه المفردة من دون جدوى بقصد ان تأخذ مفردة العرب حيزآ كريمآ فى حضارات الأمم الأخرى . وحتى جاء الأسلام بآيديولوجية دينية تحررية واكثر تقدمية متأئرآ فى الأديان التوحيدية الأخرى اليهودية والمسيحية التي سبقته ،والتي سادت شرق وشمال الجزيرة العربية وفلسطين وبيت المقدس ،وكانت آيديولوجية الأسلام طافحة في مفردات تحذيرية وترغيبية وترهيبية كابسة ورافعة فى مضامين الفسخ والنسخ و فيها شكم وتحديد لنفوذ القبائل المتسيدة وطغيانها والحد من ممارساتها المتوحشة والحد من آيديولوجية السيف والأقتتال الدائم حيث كانت القبائل الكبيرة تغزو القبائل الصغيرة وتبيدها عن بكرة ابيها وما يتبقى منها احياء يصبحون عبيدآ للمنتصر ,ولكن مع ما في الأسلام من الترغيب والترهيب الا انه لم يكن بقادرعلى الحد من ثقافة الغزو والسلب والنهب الا بنسب ضئيلة جدآ ولم يكن بقادر على ان يخرج عن الثوابت الآيدولوجية السائدة فى القبيلة او يضعف من سلطتها وصولجانها فى مهانة العبيد والتسيد ولذا ظل معظم العربان متمسكآ بثوابت القبيلة وعنجياتها حتى الساعة برغم نهي الأسلام عنها ، واكثر من ذلك فقد وقع بعض المتنفذين من العربان المعاصرين كما يبدو لي فى خطأ أصل العرب وغالوا فى قيمة مفردتها وتمجيدها بما هو اسمى من عقيدة الأسلام ،فعلى سبيل المثال فأن آل سعود كما يبدو من ممارساتهم الملموسة يقيمون مكانة العرب وصولجان القبيلة ونفوذها بما هو اسمى من عقيدة الأسلام و مكانتة بل ويعد تخليهم عن ذكر الأسلام فى تسمية مملكتهم بمثابة ردة عن الأسلام وعدم الأعتراف بالنبوة ,فالمفروض منهم لو كانوا فعلآ جادين ومقتنعين فى المبادئ الأسلامية ،ان يضمنوا اسم مملكتهم اسم الأسلام لتصبح [المملكة الأسلامية السعودية ] وليس العربية السعودية وبتصوري ان وقوعهم فى هذا الخطأ جاء من سببين الأول ان العرب اسم وهمي لا يشير الى كيان محدد ويبقى معناه حمال اوجه لمعاني ومسميات مختلفة وثانيآ ان الأسم الحالي يخالف ادعائهم بحماية الحرمين الشريفين ،وهو بأعتقادي ادعاء لا يتعدى الهيمنة على مكاسب الحج التي تتفوق بمردوداتها المالية على مكاسب النفط ، وهذان التناقضان وما تحملان من أزدواجية هما ما وقع فيه ايضآ عن (قصد) وسابق معرفة واصرار انتهازي حزب البعث الأشتراكي وكل الشوفينيين القوميين من العرب والأكراد لقاء تعهداتهم فى خدمة الصهيونية الرأسمالية العالمية والعمالة لها على وفق آيديولوجية ميكافيلية سفاكة للدماء وبأجور بخسة وبائسة ومفرقة للصفوف وغير متناسبة مع حضارة حقوق الأنسان المعاصرة . - ان سياسة الخوف والأرهاب والفتاوى المرجعية وكثرة التأويلات والأجتهادات لم تتح الحرية الكاملة للباحثين والمفكرين بأخذ نصيبهم فى اختيار المنهجية والموضوعة العلمية ، حيث ما زالت تطاردهم فلول البغي والتخلف تحت مسميات ويافطات متنوعة ،ولكن ومع سمو الوعي ستنكشف كل الأوراق وسينتزع الأنسان كامل ارادته وحقوقه ويكتسح معوقات تقدمه ويتوجها بفصل الدين عن السياسة وقطع دابر ومرتكزات الأنتهازية الى الأبد فيصبح الأنتساب كما هو سائد فى معظم دول الغرب الى مكان السكن فيقال عراقي او امريكي او الماني اومصري الخ بدلآ من مسيحي ويهودي ومسلم ومندائي وكردي وعربي وفارسي وسني وشيعي وما فى القاموس المعقد من مصطلحان انتهى مفعولها وقضى نحبها وغدت اليوم [اكسباير ُExpire].

ان صراع الثقافات بمعناه البسيط يعني الصراع ما بين الآيديولوجيا السلفية والآيديولوجيا المعاصرة ،حيث تولد بذرة التمرد والنضال ضد القديم فى رحمه وتجرى عليها تطورات الأستحالة والنمو داخل ذلك الرحم حتى يوم مولده وترعرعه واجتيازه ظروف غاية فى الصعوبة والتعقيد فليس من السهل انتقال الناس من القديم الى الجديد بيسر ،وهم فى غالبيتهم العظمى سيحتاجون الى فترة ما تخضع فى محدودية أمدها الى ظروف ذاتية وموضوعية تختزل فيها اسباب صعوبة وأستئصال آثارالآيديولوجية القديمة التي تعودوا عليها سابقآ لفترة طويلة حيث قد ترسخت جذورها الآيديولوجية والحضارية فى ممارساتهم العملية وتغلغلت واستقرت في وعيهم ,وليس بأستطاعتهم التخلص منها الا بمساعدة الغير ,ولذا كانت مثل هذه الحالة فى مساعدة الناس من التخلص من ترسبات القديم لافتة لأنتباه المناضل وتقتضي منه ضرورة أستعداده الى مساعدة الأنسان الآخر للتغلب على هذا التأثير المتجذر فى سلوكه ووجدانه وهو عمل انساني جبار لا يقتصر على المناضل وحده بل يتطلب جهود منظمات المجتمع المدني واستعداداتها الضرورية المتضمنة وضع برامج تثقيفية تحفز الدولة او بعض مؤسساتها المختصة الى المشاركة الفاعلة لتحقيق هذا الهدف وفي مختلف الأتجاهات .

ان مهمة انتشال الأنسان من الآيديولوجيا القديمة واسعة تسع مسؤلية المجتمع بكامله وكذلك فهي ملزمة للدولة بكافة مؤسساتها الحكومية والجماهيرية وملزمة لمشاركة مختلف التنظيمات والأحزاب السياسية فى المساعدة وأتباع وسائل توعية وتثقيف علمية هادئة ومبرمجة وصبورة ومتنوعة المنهجيات والأهداف الموضوعية .

- ولذا فقد بات واضحآ ان الصفة المميزة للعلماني هي اختصار الأجابة على كافة اسئلة الحياة بجمل قصيرة مفتوحة وغير منغلقة تساعد بأستمرارعلى ايجاد اجوبة بديلة أفضل , فالمنهجية العلمية ترفض الحدود والسدود والأبعاد الهندسية والمقاسات الرياضية والجمل المنقطة والأفكار الشمولية الجاهزة والتوقفات الساكنة والحقائق المطلقة ,وكون المنهجية العلمية طبيعية وحركة علمية مفتوحة ومتحركة ومتغيرة وجذابة للباحثين والمختصين والمنتجين والجماهير الواسعة . - وكما هو معروف فأن فلسفة العلم فلسفة تطبيقية بطبعها وهذه الخاصية تجعلها عاجزة عن المحافظة على نقاء الفلسفة التأملية ووحدتها بسبب ان نقاء الفلسفة التأملية غير ممكن عمليآ فالفلسفة التأملية تتميز بتعدد الأجتهادات والتأويلات والتناقضات والأحتمالات الأشكالية المختلفة ،ولهذا السبب بالذات أضحت مهمة العلماني فى عصرنا هي حصر هذه التناقضات الميتافيزيقية والتأليف بينها بهدف ابقاء منحى الأتجاه العلماني عمليآ فى المسار الصحيح وليس العكس كما حسبه جميع الفلاسفة من قبل [ ارسطو الى بيكون ] ومن هنا جاءت شروط الفكر العلمي السياسي والأجتماعي خاصة متميزة بالوضوح وسهولة التطبيق والتحقيق والتشابه مع تطبيقات وتحقيقات ونتائج العلوم الفيزيائية الرياضية الدقيقة .

- لقد وجه سمو الوعي العلماني لطمات موجعة الى نافوخ الميتافيزيقيا المثالية والأفكار الرأسمالية الأستغلالية التي ما زالت قوية وتمتلك الأمكانت الجبارة المعرقلة لأنتشار العلمانية لكن الناس فى مشارق الأرض ومغاربها بأنتظار ضربة العلمانية القاضية للرأسمالية الأستغلالية واخراجها من حلبة الصراع المسئول مع الطبيعة ،فبدون ازدهار العلمانية لا يمكن انقاذ البشرية من البؤس والدمار . - ان الرسالة الأنسانية السامية توجب على العلمانيين عدم التردد والتناخي فيما بينهم وشحذ همم بعضهم البعض وخوض النضال المثابر لأقتلاع كافة الأسوار والمعرقلات وجعل الطريق سالكة ومعبدة امام زحف الشعوب الهادرة من اجل سيادة العلم ودحر الشعوذة ,بالأستفادة من خلاصات تجارب الحضارات الماضية والتراث الأنساني العام وتسخير نتائجه وتوصياته فى بناء الحاضر وتصوير شكل المستقبل الزاهر لأجيالنا .

 

¤ تناقض بعض الأكاديميون وشروط المنهجية (1)
 


 

free web counter