| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. ناجي نهر

 

 

 

                                                                                      الجمعة 27/5/ 2011

                                                 

عوامل نجاح ثورة الشباب المعاصرة

د. ناجي نهر

مع عظمة ثورة الشباب المعاصرة ذات البعد الثقافي والأنساني ، وصحة شعاراتها المعبرة عن طموح مجتمعات العالم الثالث فى التجديد والتغيير الأفضل لكونها تصب فى آخر المطاف فى مصلحة الشعوب المظلومة ثم فى خانة تطور الحياة الأيجابي عامة ، لذا فكل مخلص ومشجع لهذه الثورات يرى ان هذه الأهمية ستتعزز بنتائج عالية القيمة والأهمية اذا ما تضمنت دراسة الشباب الأستفادة من ملاحظات صحيحة ومفيدة مستخلصة من تجارب نضالية سابقة ، فستمكن مثل هذه الدراسات معالجة ما سيظهر على واقع الأحداث خلال التطبيق من معوقات شبيهة بما ظهر من ثغرات فى تجارب نضالية سابقة ، لكي يتسنى للشباب معالجة كل ما يعترضهم من معوقات بيسر وبروح من المسئولية الثورية .

1 - لا شك ان الشباب يعرفون بان خدمة الفيس بك وكل اجهزة الحاسوب التي استخدموها فى بلورة اهدافهم وفى تنظيم حشدهم وتحديد موعد انطلاقته الثورية ، لا تتعدى ان تكون وسائل وادوات ناجحة جدآ فى توحيد جهد الشباب فى تحقيق التغيير الأفضل لمجتمعاتهم ، اذ ليس بمستطاع احد اليوم نكران فعالية هذه الوسائل التقنية المتقدمة فى أنجاز التحرر والقدرة على تجاوز الخطوط الحمراء التي كان الطغاة يضعونها لعرقلة مختلف الثورات والأنتفاضات الشعبية ، فلقد اضحت هذه الوسائل التقنية العجيبة اليوم اقوى من اي دكتاتور ومن اية حكومة ، غير ان هذا كله ، ينبغي ان لا يُنسي الشباب السبب الأساس للثورة ، وجملة اخرى من الأسباب المتجسدة فى الجوع والبطالة والأستبداد والظلم والتهميش وفقدان الحريات والحقوق والمساواة ، وفى منع الشباب القسري من القيام بواجب بناء اوطانهم على اسس حديثة. اذ ليس من الوطنية والأنسانية الشك بقدرة الشباب كونهم صناع الحياة ، وليس بمخلص من يخامره الشك بان شباب العالم الثالث الذين استعدوا لأنقاذ بلدانهم من التسلط والظلم والجوع ، وصمموا على قيادة بلدانهم الى ما فيه حريتهم وسعادتهم ، قد تناسوا ان يتدارسوا عظم المهمة التي ينوون ركوبها والتصدي لها ببسالة نادرة ، وتوقفوا مليآ عند ما تتطلبه المهمة من تضحيات غالية لا يقدرعليها غير الذين قد تأكدوا اولآ من رخص انفسهم التي وهبوها طواعية لأنقاذ شعوبهم مقابل الحرية والسعادة ، فكان لزاماً عليهم امتحان امكاناتهم وصبرهم على المطاولة واثرتهم فى بذل الغالي والثمين من اجل التخلص من الفقر والمهانة ، وتطهير عقولهم من ثقافة السلف المتخلفة التي كان حكامهم الطغاة يتعكزون عليها ويطبقونها على مجتمعاتهم بالنار والحديد ، لكي يستمر حكمهم على انقاض تفشي مظاهر التفسخ والفساد الأجتماعي والأخلاقي وضياع القيم الأنسانية فى المجتمع ، ويسود التخلف وتسحق ارادة الناس ، وتدمر عملية التطور والتغيير بكاملها ، لذا كان شعار ثورة الشباب القضاء على هذه المظاهر.

2 - وبالتأكيد سوف تستغل الأنتهازية ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية هذا المد الجماهيري الشبابي بحجج مختلفة لتدس انفها الأعوج مستغلة الظروف الذاتية الركيكة لشعوب العالم الثالث ولكي تمارس شعوذتها المعهودة الهادفة الى تحقيق ما سيصب فى نهاية الأمر فى خدمة مصالحها فى هذا العالم ، كما فعلت فى افغانستان وباكستان وغيرهما ، وتخلصت من الأنظمة التقدمية ومن مختلف الأنظمة التي لا تصون مصالحها او تضعف من هيمنتها ، فكيف تفلت ثورة الشباب من مصيدة المخابرات الأمريكية هذه؟ وكيف يقرأ الشباب عوامل نجاح ثورتهم ، فكان لزاماً على الشباب الثائر الأستعداد المطلوب للمهمة بكل ما تتطلبه من تضحيات وعلوم ومنهجيات وادوات ودراسات شاملة لتجارب نضالية سابقة بهدف تحقيق التغيير الأفضل بيسر ، بالأضافة الى استعداد الشباب لتحمل تداعيات الصراع الصعب مع السلف المستميت فى دفاعه عن التراث القديم ، وتحمل نتائجه الخطرة بخاصة حينما تتكلل الثورة بالنجاح ، وتنطلق حينئذ الحريات المكبوتة باطراد ، وتزدحم بالمقابل عقيرة كتل الأنتهازية والمفسدين المغمورين بشتى الحركات الأبتزازية والمطالب المربكة ، ومنها التكالب على السلطة بغية سرقة المال العام ، وارباك العمل السياسي والأقتصادي بمطالب غير مشروعة ، بغية احداث الفوضى والعمل على اعادة عجلة التطور الى الخلف ، فتزدحم المطالبة بتشكيل أحزاب سياسية أصطناعية ، واصدار صحف مبتذلة وغيرها من الأمور المرتجلة والمفضوحة النوايا والأهداف الأنانية الخالصة ، مما يتطلب من الشباب عدم الأستهانة بمهمة الثورة ، واعتبارها مجرد اسقاط نظام واحتلال مكانه ، بل ينبغي عليهم تقويم الثورة كعمل كبير وجبار ، يتطلب دراسة مستفيضة للظروف الذاتية والموضوعية واستعداد مسبق للقضاء على كل مظاهر الأنتهازية بعد نجاح الثورة ، كما يتطلب مسبقآ تحديد التنظيمات والأحزاب السياسية المرتقبة بثلاثة او اربعة احزاب ، وباسماء لا دينية بل باسماء متناغمة مع المرحلة المعاشة وشعارات التغيير مثل : [حزب الحرية والديمقراطية] ، [حزب الحداثة والتغيير] [حزب التقدم والمساواتية ][تجمع التيار الديمقراطي] وما يماثل ذلك ، وبشرط ان ينص دستور الثورة بعد نجاحها على ان يكون نصف تلك الأحزاب منتخب للحكم والنصف الآخر للمعارضة ، وسيكون لتفعيل التيار الديمقراطي فى جبهة عريضة تضم كافة القوى المؤمنة بالحداثة والتجديد وبناء الدولة المؤسساتية التي ستضع فى اول بنود دستورها الجديد اهمية وضرورة فصل الدين عن السياسة.

3 - سيضيف وعي العصر على الشباب الثائر مهمة اضافية تتركز فى اهمية قراءتهم للتفاصيل الدقيقة لمتغيرات عصرهم . فقد انهى مجرى التطور الحياتي خصوصية دور الفرد والقادة الضرورة ومختلف التنظيمات السياسية والشعارت القومية والأثنية والتنظيرات المؤدلجة وفتاوى الوعاظ ، وثقافة التسلط والتسيد المذهبي والعنصري ، وباتت ظاهرة الديمقراطية والحداثة والدولة المؤسساتية والأعتراف بالآخر هي الثقافة الوحيدة السائدة والناجحة فى الميدان ، و هذه الظاهرة من ناحية اخرى متناقضة تمامآ مع ثقافة السلف العقائدية الجامدة التي تجذرت فى مجتمعات العالم الثالث باثر سلبي فى مختلف نواحي الحياة الأجتماعية وفى مختلف التنظيمات المنظمة لحياة الناس ، ولذا يرى المتخصصون فى دراسة ظاهرة التحولات الأجتماعية والحداثة المنعكسة على شباب العالم الثالث بأثر ايجابي ، ان ثورة الشباب الجماهيرية المجددة ينبغي ان تنطلق من ساحات التحرير العامة وليس من سراديب الجوامع واوكار الأنتهازية الدينية ، وذلك تناسبآ مع شعاراتها فى الحرية والديمقراطية والحداثة . لذا فان مهمة الشباب كما اسلفت ليست بالسهلة وستلاقي عقبات صعبة ومقاومة شرسة لتجذر الثقافة الذكورية والعقائدية الأنتهازية فى مجتمعات العالم الثالث حتى النخاع ، فمن المؤسف جدآ ان يصيب فيروس تلك الثقافة السلفية القاتل المتجسد فى الجمود الفكري وفى النوم على الكراسي يصيب قلب الأحزاب العلمانية التي اضحت قياداتها تستمرئ التربع فوق قمة التنظيم الهرمي مبجلة بالهالات والأسماء السامية خلافآ لما هو معهود وخلافآ للنظام الداخلي ومن دون مبالاة لما سيحدثه التربع الطويل فوق قمة التنظيم الهرمي من ترهل تنظيمي وانشقاقات وتمزق فى صفوفها.

4 - من البديهي ان تصاحب كل ثورة وتطور اجتماعي جديد ثورة (توعية) كضرورة فاعلة تهدف الى نسف القديم المتمثل بمختلف الثقافات السلفية البطرياركية العشائرية والأثنية البالية والتي تسببت تداعياتها القاسية فى تدمير مختلف مكونات المجتمع ، وواصلت سفك دمائهم لحد الساعة ، بسبب تمسك السلف بتلك الأفكار برغم انتهاء زمانها وعطائها ، والتي بات فى بقائها ما سيجعل الكلام عن الحداثة والديمقراطية محض ثرثرة لا معنى لها ، فقانون الحداثة يشترط على الشعوب اذا ما ارادت ان تدخل الحداثة ، ان تحدث قطيعة تامة مع ثقافة السلف ومختلف الأفكار والأنظمة المؤدلجة بشكل كامل ، لكي تتحول بسرعة من المجتمع الأهلي العشائري القديم المتخلف الى المجتع المدني المؤسساتي الديمقراطي ، وفى تطبيق هذا الشعار ما يعني ، ان على القائد الذي سينتهج التغيير ان يوفر لأفراد المجتمع دون تمييز كل ما يلزم من الحرية والسعادة لكي يبدعوا ويتألقوا فى العطاء فى جوانب الحياة المختلفة وفى كل المهن والأختصاصات ، وان هذه الشروط هي مما تعد ميزة وسمة من سمات القائد الجديد ، فاين قادتنا من هذه الميزات السامية ؟.

5 - الثوار الأكفاء هم من يلتزم بسنن التطور وقوانينه ، فلم يلجأوا لأي سبب كان الى حرق المراحل ، حيث ستفشل مختلف الأفكار مهما بلغت من الدقة ، كما فشلت الأفكار العلمانية برغم صحتها بالتطبيق ، بسبب كونها طبقت بغير زمانها ومكانها مما الجأ الثوار الأوائل الى تطبيقها بالقوة والقهر وهو ما انتج بالمحصلة المنظورة دكتاتورية المتسلطين على قيادة الدولة البيروقراطية بدلآ من دكتاتورية البروليتاريا العمالية العادلة ، وذلك بسبب تدني الوعي بالأفكار العلمانية السائد حينذاك ، فقد كانت الشعوب بحاجة الى زمن اكثر تقدمآ فى التقنيات والأفكار وكانت بحاجة الى (وعي اسمى وخصائص انسانية واخلاقية ارقى) مما كان متوفر فى حينه. واستنادآ الى تطبيق قانون المراحل ، فسوف تعد كافة التنظيمات السياسية القديمة على اختلاف مسمياتها شائخة ومنتهية المفعول ، ولهذا السبب بالذات تعد مرحلة بناء الدولة الديمقراطية المؤسساتية هي المرحلة المناسبة لعصرنا ، فهي من اكثر الشعارات المعاصرة نجاحآ فى التطبيق لكونها متناسبة مع وعي الشعوب فى المرحلة المعاشة ، اما كيفية تغيير علاقات الأنتاج لاحقآ لتكون متوازية مع المرحلة الزمنية المحددة ومتناسبة مع تطورها التقني ، فستخلقه ثورة المجتمع فى كل مرحلة من مراحل التطور اللاحق ، فالشعوب كفيلة بحله وهي جديرة بذلك ، حيث ليس بمقدور اي كان وصف ما ستكون عليه العلاقات الأنتاجية والأنسانية منذ الآن ، فلكل مرحلة زمانها وناسها وثقافتها المتناسبة مع واقعها.

6 - ليس من ضير ان يجيد الشباب لعبة السياسة ، فيقبلوا بالأستعانة الأجنبية فى ظرف دقيق للخلاص من الحكام الطغاة واجهزتهم القمعية ، بشرط ان يكونوا قادرين على قلب الطاولة على رأس من يحاول اعادة الأستغلال باي لباس جديد ويمكنه ثانية من سرقة ثروات بلده .

7 - اثبتت الأحداث ان الحداثة والديمقراطية لا يمكن نجاحهما بغير فصل الدين عن الدولة ، احترامآ للدين وصيانته من استغلال وعبث الأنتهازية ، فالمتدينون الحقيقيون زاهدون فى السلطة والسياسة ومتغيراتها التي لا تتناسب والنهج الثابت للدين ، اما المتكالبون على كراسي الحكم باسم احزاب وتنظيمات دينية فهؤلاء هم قمة الأنتهازية ، و قمة المخربين للدين والدولة الديمقراطية معآ ، مما يتطلب من الشباب الحذر منهم الف الف مرة.

8 - وبتصوري اذا ما صمم الشباب الثائر من مستخدمي برامج التواصل الأجتماعي ، اختزال زمن المعاناة لشعوبهم واعطاء العلاج الشافي والسريع لها ، فعليهم البدء بأجتثاث اصل الداء من جذوره وهو المتمثل بانظمة السعودية وايران ، فهما مصدر الشرور ومنبع الجريمة المنظمة والأرهاب الفكري والجسدي والتخلف والمنهجية المؤدلجة ذات الطقوس الجامدة والمتشددة للغاية والتي لا تطاق .

9 - على الشباب الثائر بعد نجاح الثورة ان لا تأخذه فى الحق لومة لائم ، وبخاصة فى حكامهم الطغاة الذين استمروا بالحكم بقوة النار والحديد وباساليب غير شرعية ، برغم انهم بالأساس قد فقدوا مزايا الحاكم العادل منذ زمن بعيد ، ولم تعد تنطبق عليهم معاني الحكم والحكمة ، حيث ان معنى مفردة الحكم من الناحية اللغوية مشتقة من مفردة (الحكمة) بمعنى المعرفة بأمور وقوانين الحياة وبالحقوق والواجبات والمساواة بين الناس ، والقاصي والداني يعلم بان حكام العالم الثالث قد كانوا فى غالبيتهم ، اميون متسلطون بالوراثة وفاسدون لا يصلحون للحكم ، غير انهم قد حكموا شعوبهم بقوة السلطة الغاشمة (البيروقراطية) واضاليل الأنتهازية الدينية الباطلة ، وبقوة الأسياد من خارج الحدود.
 

الف الف تحية عطرة الي كل الشباب الباسل المجدد ، مع التمنيات الصادقة لثوراتهم الواعدة بالنجاح المطرد والى امام...
 


 

free web counter