| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. ناجي نهر

 

 

 

الخميس 17/12/ 2009



حكمة غوته وما يجري فى العراق

د. ناجي نهر

تقول حكمة لغوته " ما لا نستطيع فهمه بالكامل لا نستطيع السيطرة عليه.."
تلك الحكمة هي حكمة علمية مجربة تنطبق على حال العراقيين المزري وعلى حال غيرهم فى جميع شعوب العالم المكبلة بقيود التبعية ،لكن العراقين ظلوا اكثر المظلومين عبر تاريخ الأنسانية الطويل فقد بدأ تاريخ ظلمهم منذ انتشار ثقافة ( السيف والبيداء ) البدوية بخمسة آلاف عام قبل الميلاد حتى دكتاتورية البعث العوجوية ،فللبعث تاريخ اسود فى الأجرام فاق بوحشيته جميع المراحل التي سبقته . لقد ابتدأ اجرام البعث فى مناطق العربان المختلفة منذ تأسييه على وفق الأفكار الميكافيلية العرقية العروبية الوهمية [الغاية تبرر الوسيلة] ، وابتدأ اجرامه المتوحش فى العراق منذ انبثاق ثورة 14/تموزعام 1958 ثم اغتيالها فى شتاء اسود من عام 1963 بالتعاون مع قيادات ذات القوى الدينية الأسلامية العربية والكردية الشوفينية سيئة الصيت والفعل الأنتهازي المهيمنة اليوم على دولة العراق وخيراته ،هذه القيادات التي نراها اليوم بعد سقوط شريكها الآيديولوجي عام 2003 تكثر الطعن فى تاريخه الأسود بسكاكينها الدينية والقومية الشوفينية المشرعة ليس ضد دكتاتوريته البعثية العميلة دائمآ بل وضد العلم ومناضليه وحضارته المعاصرة حيث اصبح الجحود والغدرعند هذه القيادات فضيلة و اصبح اجترار اجرام حزب البعث سمة لخطابهم الأنتهازي المعاصر مثلما هو سمة لخطاب كل الأنتهازيين الذين يجيدون التقلب على البطن والقفا ،كما أضحى سلعة يبيعون فيها ويشترون سندات الأنتخاب واصوات الجماهير الساذجة المغرر بها ،متناسين ان البعث كان قد اغدق عليهم العطاء وكانوا خدمآ فى دولته العشائرية المتخلفة التي تربعت على رقاب العراقيين وسلبت ارادتهم وحبست أنفاسهم وعقولهم طيلة ما يقرب من نصف قرن افرزت خلالها نتائج مقيتة كانت واحدة منها تلك التي مهدت ويسرت وبررت لعملية أحتلال امريكي مكشوف للعراق ولسقوط تلك الدكتاتورية غير المأسوف عليها فى بداية عملية الأحتلال عام 2003 ودخول الأمريكان بغداد ابطال محررين تزهو قاماتهم الزغاريد مع تصفيق الشعب الحار تصفيقآ لا مثيل له تعبيرآ عن فرحته بسقوط الصنم الذي ابتلى بدكتاتوريته طوال تلك السنين المدمرة وما جره نظامه الميكافيلي من اضطهاد بشع على الجميع . ولكن لم يكن شعبنا الطيب ليعلم بكامل سيناريو الأحتلال المحبوك ضد حياته و ضد تقدمه ونهب خيراته ،ولم يكن يعلم لماذا حنن الله قلوب الأمريكان لتحريره من قبضة الطغاة ولماذا عادوا (الأمريكان) يزاولون القرصنة والأبتزاز بعد الأحتلال وتدبير الأنفجارات اوالتقاعس عن كشفها وهم الذين يمتلكون احدث وسائل الكشف والمراقبة فى حفظ سلامة بلادهم ومنشئآتهم المختلفة ،كذلك لم يكن شعبنا الطيب يعلم ماذا سيكون دور الأمريكان بعد التحرير المزعوم ؟ حيث أختلطت عليه التفاسير بسبب كثرة الأجتهادات والفتاوى العراقية فى مشروعية الأحتلال والتحرير وبسبب اساليب الأمريكان الملتوية ومكائدهم المحبوكة والمعقدة والمتعددة الأوراق والصور فلم يكن بمقدوره (الشعب) استيعاب واقعه المعقد الجديد ونسى كيف يحتاط لنفسه ومستقبل اجياله عندما ستدور الدوائر الأخرى عليه بعنف اشد جراء هذا التحرير المشؤوم . لقد كثر الكلام عن فترة دكتاتورية البعث وجرائمه التي كانت بحق فريدة فى التاريخ الأنساني ببشاعتها حتى ساعة سقوطها المخزي غير المأسوف عليه ولكنها كانت غنية فى تجارب فوضويتها واحداثها الخلاقة وعلى من يدعي احقية النضال من اجل الشعب الأستفادة القصوى من دروسها لكي لا تتكرر ذات المأساة التي كان من افرازاتها ودروسها ظهور الأحزاب الدينية والقومية السرية بشكل واسع كنتيجة للأضطهاد الديني والقومي التي مارسته الدكتاتورية الساقطة حينئذ ،كما كان من نتائجها المرتبطة بمسلسل الأحداث ان اندفعت هذه الأحزاب بشكل عاطفي للتفتيش عن مخرج للأفلات من طوق تلك الدكتاتورية اللعينة وفوجدت مخابرات العم سام بأنتظارها حيث توافق تفتيش المعارضة العراقية عن مخرج من دكتاتورية صدام مع تفتيش مخابرات العم سام عن ساحات جديدة لنقل معركة امريكا مع الأرهاب خارج حدودها ضمانة لسلامة الشعب الأمريكي والتضحية بشعب غيره وحدث ما حدث من قصة [الغزو والتحرير] ، ولكن كان على تلك الأحزاب الدينية والقومية ان تغير اسماء احزابها بأسماء مناسبة للتحرير الجديد بعد سقوط الدكتاتورية ان كانت صادقة فى شعاراتها حقآ ولكنها لم تفعل برغم انه لم تبقى لديها من حجة للتشبث بتلك الأسماء سواء تبرير واحد هو المحافظة على المصالح الفردية والفئوية الضيقة التي انغمس فيها البعض بعد السقوط بشكل سئ وغير اخلاقي .

وعلى اية حال ومع كل ما جرى من توحش عقب التحرير ظل الشئ الذي لا يعرفه غالبية العراقين وكان مثار استغرابهم واسئلتهم التي كانت فى اكثريتها تدور فى حلقة واحدة ثم تختزل فى محيط سؤآل واحد هو لماذا تضاعف سيل دمائهم ودمار بلادهم ونهبها بعد ان حنن الله قلوب الأمريكان لتحريرهم وليس غزوهم كما يدعون ،ثم اين هي الديمقراطية والدولة المؤسساتية المتحضرة التي وعدوا ببنائها والعراقيون والمراقبون ووسائل الأعلام المحلية والعالمية لا تبصرمنها غير تحول الأمريكان الى شيعة مغالية تتباكى على الحسين المظلوم وتهتم فى تنظيم مواكب العزاء والسير على الأقدام مئآت الكيلومترات بأرجل دامية ورؤوس حاسرة لاطمة على الخدود والصدور وبحساباتها المدروسة جيدآ ان الأنتهازية العراقية تعد هذه الثقافة المتخلفة هي الديمقراطية الأمريكية العراقية المطلوبة ما دام اكثرية الحكام معممون وباعة ترب ؟ ولكن هل الظلام الدامس والجوع والمرض والرعب والبطالة والدماء النازفة هي الحقوق المشروعة للشعب ؟،واذا لم تكن هذه او تلك فعلى اية عملية سياسية يتكلم الأمريكان واعوانهم المعممين والمعقلين والمسدرين وليس المكسكتين من لابسي الكاسكيت BASEBALL-HAT حيث يحرم الدين الأمريكي فى العراق بفتوى المرجعيات الصامتة لبس الكاسكية الغربية والأمريكية تحديدآ ، كونها ذبح حرام !!.

لقد كانت السنوات الستة العجاف الماضية قاسية بحق على فقراء العراق بشكل لا يمكن وصفه او تشبيهه بمصيبة اي شعب من شعوب العالم فقد خسر فيها شعب العراق دمه وثروته وحضارته واعيد الف سنة الى الوراء نحوعهود التخلف والحكم الأتوقراطي الذي يجمع سلطتي الدين والدولة بيد واحدة حديدية متوحشة وفاسدة ومتنوعة الفتاوى والتقلبات ، ولكن هذا الشعب المقدام كما هو معروف من تاريخه المجيد سرعان ما يعض على الجراح وينهض بعد كل المحن البربرية التي ما انفكت تحاصره وتهدد حاضره ومستقبله بمخاطر جدية مرعبة تستدعي منه حساب نتائجها بوعي ومسؤولية ، فالشعب المقدام بعد تقاطع مختلف المحن على كتفيه الفولاذيتن قد تمكن من الخروج من قمقم الشعوذة والدجل مستفيدآ من تجاربه وبدأ يستفيق من غيبوبته بالتدريج ولو بنسب بسيطة لا تعينه فى الوقت الحاضر على تغيير واقعه والخلاص من آثار عبوديته الجديدة واستدرك بما جمعه من حقائق خلال السنوات الستة العجاف الماضية ومن تجربته القديمة / الجديدة مع العم سام ومقارنتها بتجاربه السابقة وتحليل مختلف احابيل هذا العم الأستغلالي وتلون حيله وخططه الجهنمية بأشكال شتى سواء كانت تلك الأحابيل معه اومع شعوب الأرض المستضعفة الأخرى فهذا الشعب المارد الجبارأستطاع كشف الخلل والأنطلاق والأفلات من مختلف المؤثرات واستخلص النتائج والحقائق التالية :-

1 - ان الحالة المزرية التي يعانيها (الشعب) ستستمر فى التصعيد على ما فيها من تعقيدات كجزء من مخططات العولمة الرأسمالية الأحتكارية القاتلة للشعوب الصغيرة والسارقة لثرواتها وكنموذج لليبرالية الجديدة المتطرفة . وعلى الشعب ان يتمسك بعروة الوحدة الوطنية والمنهجية العلمية ويهيئ نفس لمهمة التغيير لحين حدوث متغيرات فاعلة وايجابية على التوازنات الدولية القائمة لصالح الشعوب المظلومة فقد استطاع الشعب كشف واستخلاص نتيجة مهمة هي ان العملية الجارية فى العراق لا يمكن تسميتها بالعملية السياسية بالمعنى المعروف والممنهج ،حيث ان كل ما موجود فيها ما هو سوى عملية ذر الرماد فى العيون و عملية ما تتعدى الا ان تكون نموذج أمريكي قديم (فرق تسد) بوجه جديد وبصناعة أمريكية خالصة 100% تم تطبيقها بأساليب شيطانية اكثر خبثآ ومهارة على وفق منهجية جديدة تعتمد المحاصصة الآثنية والطائفية والعشائرية وتهدف الى تحقيق ثقافة استعمارية بثوب مزين بتشريعات تبريرية جديدة مقرونة بغض الطرف عن الحرامية وبتنوع العطايا الثمينة واغداقها بكرم أمريكي حاتمي على العملاء الجدد فى السروالعلن. أما هذا التباكي والضجيج المفتعل الذي نسمعه من بعض عملاء الأحتلال بعد كل انفجار متدفق بسيول من الدماء البريئة ما هوالا جعجعة لصوص فارغة لتصفية حسابات جبانة فيما بينهم بهدف اللأنفراد بلحمة الكتف .

2 - والأهم ان يعرف الداني والقاصي ان من الخطأ القاتل ان يتورط قائد تعبوي بمجرد التفكير بان شعبنا المظلوم قادر الآن وهو في هذا الحال والواقع المأساوي القاهر وبوجود الأحتلال من لملمة صفوفه وتوحيدها من اجل القيام بثورة تغيير نحو الأفضل ،والصحيح والموضوعي ان يظل مطلب الشعب الملح محددآ ومتكررآ وكأنه صادر عن سذاجة وصفاء نية ولكن [بمكر وفن واعي ]وجزء من التمنيات المقرونة بأمل المنكسر الذي يضع مطالبه بهيئة سؤآل هو : لماذا لم يطبق الأمريكان ان كانوا محررين حقآ نموذج بلادهم الديمقراطي فى العراق ؟ وينقذوننا من الكوارث المدمرة ليثبتوا انهم محررون فعلآ ،مع الأستفادة من تجارب الشعوب الآخرى فى ممارسة اساليب ومناورات الكر والفر للحصول على مكاسب يومية تصب فى خدمة استراتيجية التغيير المرتقبة وفى زيادة امكانات الشعب المادية والفكرية والحضارية والتقنية التي ستسخر لتحقيق الهدف المرتقب .

3 - ما جرى من دمار متعمد خلال السنوات الستة الماضية يؤشر بمزيد من الوضوح أنتشار مختلف الأوبئة والأمراض وينذر بشؤوم خطير على مصير الشعب حيث تؤ كد التجارب والدراسات توقعات تهدد بتقسيم العراق والأحتراب فيما بين اللصوص الذين يهيمنون على سلطة القرار وحدوث عملية تصفيات جذرية وقتال عنيف فيما بينهم كنتيجة حتمية لمختلف مجموعات وتنوع الحرامية عبر التاريخ ،وسيكون هدف الأقتتال والمعارك الحامية بين المتحاصصين هو فرز الدكتاتور الجديد الأقوى ،القادر على كنس الآخرين امامه كالجرذان الى مزبلة الأنتهازية النتنة وسيكون الشعب المغفل وقود هذه العمليات الخسيسة ، لذا ينبغي قيام المناضلين وجمعيات حقوق الأنسان المحلية والعالمية من اخذ الأحتياطات اللازمة وتحذير الجماهير اينما كانوا من عدم الأنجرار وراء مشعلي هذه الحرائق الجهنمية ومطالبة المحتلين بحماية ارواح الناس وممتلكاتهم وتنظيم عملية اخراجهم الى دول العالم وترك اللصوص يتقاتلون لوحدهم كما يشاءون والى بئس المصير.

4 - ان الحالة العراقية لا يمكن تحسينها الا بظرف ذاتي وموضوعي جديد قد يسغرق اكثر من عقد بمنظور الزمن المتواضع ، اما موضوعيآ فيعتمد تحسن الحال على تعدد اقطاب الهيمنة العالمية والتوازن الدولي القادر على تفعيل لوائح حقوق الأنسان بصورة عادلة وترسيخ النهج الديمقراطي العالمي بتشريعات ملزمة عالميآ بالمساواة والعدالة الأنسانية ،أما الظرف الذاتي فسيظل يعتمد على دقة وسرعة عمل الشعب الدؤوب فى انجاز عملية وحدته الوطنية وقدرته على الأصطفاف خلف قائمة تحمل منهج مبرمج ومرشحين معروفين بنضالهم وتضحياتهم المشهودة ونزاهتهم المعهودة ومنبثقين من اوساط الجماهير الواعية التواقة الى الحداثة والتجديد وأنتخاب برلمان وحكومة مدنية ديمقراطية مؤسساتية منتخبة من الطلائع المتنورة تكون من اولى مهماتها تعديل الدستور وفصل الدين عن السياسة وتحريم النطق بمصطلحات وهمية متعددة ومتناقضة : بعثية وكردية وعربية دينية وطائفية وفدرالية متشددة مفرقة للصفوف ،والأكتفاء بحكومة قادرة على ترسخ ثقافة ديمقراطية كفيلة بحل جميع المشاكل المفتعلة الدينية منها والقومية حينذاك سينطق فيها العراقيون بمفردة واحدة هي اسم (العراق) فقط الواحد الأحد ولا غير.

ان في جوف العراق خزين جم من الفلاسفة والمفكرين والمناضلين المخلصين المحاصرين الذين لم يسمح لهم المحتل وعملاءه بقيادة الجماهير نحو غدها الأسعد ولا بتوعية الجماهيرية باهمية الوحدة الشعبية والتمسك بالمبادئ والحقائق المفيدة لكنهم سيظهرون بالوقت المطلوب حتمآ ،فشعبنا يعرفهم بالأسماء ويعرف انهم قالوا قبل غوته بأن (العمل الصالح هوفلسفة وفسيولوجيا العقل وعلم تشريح الأفكار وتغيرها بما يناسب واقع المرحلة) وهم يقرأون ويطبقون الوقع العراقي على هذه الأسس العلمية المعصومة من الخطأ وهم شجعان وبسلاء ومضحين حقآ وبمقدور افئدتهم وأبصلرهم التحسس بالعمل المنتج للخيرالعميم لصالح اللأنسانية جمعاء ، ومن يدعي بصفات القيادة لغيرهذا فهو جاهل لطموح الجماهير او متعطش للزعامة الفارغة وسفك الدماء .


 

free web counter