| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. ناجي نهر

 

 

 

                                                                                      الأثنين 16/4/ 2012

                                                 

ما هو مفهوم الفيدرالية ولماذا فشل تطبيقها فى العراق و فى العالم الثالث عمومآ ؟

د. ناجي نهر

يحتاج نجاح الفيدرالية الى ثقافة انسانية عالية ، وشعوب العالم الثالث من فقيرها الى غنيها ومن مثقفيها الى جهالها قد حباهم الله بنقمة التفاخر والتعالي على الآخر!! 

انا الذي نظر الأعمى الى ادبي    واسمعت كلماتي من به صمم

وهذا هو سر الفشل ، وهذا هو ما يتناقض مع مفهوم الفيدرالية.. فالفيدرالية كمفهوم حقوقي ونظام سياسي ، هو في الواقع توفيق أو توليف بين ماهو متناقض في بعض المفاهيم، وفي عناصر بنية النظام، أي توليف بين الاستقلالية والاندماج، وبين المركزية واللامركزية، وبين التكامل والتجزئة ، وفي بعض الانظمة الفيدرالية بين القومي وشبه القومي ، اذ يتخذ النظام الفيدرالي اشكالاً مختلفة وفقاً لتراكيب السكان والكيانات المتحدة القومية العرقية، التاريخية ، اللغوية، او الدينية ... الخ ، هذا إلى جانب تكوينات اتحادية سابقة لأمم وشعوب وأقوام واديان مختلفة، كما في الاتحاد السوفيتـي (السابق) ويوغسلافيا وجيكوسلوفاكيا. لذا فالفيدرالية هي نمط أو شكل من أشكال الأنظمة السياسية المعاصرة، وتعني وحدة مجموعة أقاليم أو ولايات أو جمهوريات (دويلات) في اطار الارتباط بنظام المركزية الاتحادية، مع التمتع بنوع خاص من الاستقلالية الذاتية لكل اقليم .

فالنظام الفيدرالي يضمن للقوميات حق إدارة شؤونها بنفسها، مع بقائها ضمن دولة واحدة. لذلك فالاقاليم أو الولايات المكونة للدولة الاتحادية تعتبر وحدات دستورية، لوحدات إدارية شبية بالمحافظات في الدولة الموحدة، غير انه سيكون لكل وحدة دستورية نظامها الاساسي الذي يحدد سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، ولكن الدستور الاتحادي يفرض وجوده مباشرة على جميع رعايا هذه الولايات، بغير حاجة إلى موافقة سلطاتها المحلية.

لذا فالفيدرالية أو الاتحاد الفيدرالي، ليست فقط بنية سياسية، بل اقتصادية واجتماعية وثقافية ايضاً، وتتطلب تعاوناً وثيقاً بين سائر المؤسسات والجماعات والافراد في الكيان الاتحادي، وبما يضمن تعزيز وتطوير الاتحاد من جهة واعتماد قوانين وآليات تؤمن الحفاظ على هوية وحقوق الاطراف المكونة للاتحاد.

ولذلك فالفيدرالية هي مما يعد استقلال داخلي ضمن الدولة الواحدة والسلطة المركزية الفيدرالية ، وعلى اساس المساواة ، وعلى ان يكون لشعب الاقليم حق الاستقلال الذاتي وحق المشاركة في إدارة الشؤون المركزية، ومثل هذا النظام موجود في امريكا وسويسرا والمكسيك وماليزيا وغيرها من الدول ، ويشترط لنجاحه ثقافة عالية تلجم الأنانية الذاتية. ولهذا يمكن القول بان الفيدرالية هي صيغة متطورة للعلاقة بين الشعوب وهي تنظيم متطور في إدارة الدولة.

ولقد أورد الباحثون وخبراء السياسة تعاريف عدة لمفهوم الفيدرالية، تتقارب جميعها بالمعنى والمضمون، وترسم صورة مقبولة لشكل الدولة التي تتصف بجملة من التنوع العرقي والمذهبي والتركيبة السياسية المتعددة الميول والاتجاهات المتعارضة، حيث ينبثق تحقق نظام الاتحاد الفيدرالي الذي يكفل التعايش الانساني القائم على أسس الوحدة والتعاون والتوافق والهدف المشترك ، وادناه بعضآ من هذه التعاريف :

1 - الفيدرالية : تعني المشاركة السياسية والاجتماعية في السلطة، وذلك من خلال رابطة طوعية بين أمم وشعوب وأقوام، أو تكوينات بشرية من أصول قومية وعرقية مختلفة، أو لغات أو أديان أو ثقافات مختلفة وذلك في نظام اتحادي يوحد بين كيانات منفصلة في دولة واحدة أو نظام سياسي واحد مع احتفاظ الكيانات المتحدة بهويتها الخاصة من حيث التكوين الاجتماعي، والحدود الجغرافية، واللغة والثقافة، والدين إلى جانب مشاركتها الفعالة في صياغة وصنع السياسات والقرارات، والقوانين الفيدرالية والمحلية مع الالتزام بتطبيقها وفق مبدأ الخيار الطوعي، ومبدأ الاتفاق على توزيع السلطات والصلاحيات والوظائف كوسيلة لتحقيق المصالح المشتركة، وللحفاظ على كيان الاتحاد.

2 - الفيدرالية نظام قانوني يقوم على اساس قواعد دستورية واضحة تضمن العيش المشترك لمختلف القوميات والأديان والمذاهب والأطياف ضمن دولة واحدة تديرها المؤسسات الدستورية في دول القانون.

3 - الفيدرالية : نظام سياسي من شأنه قيام اتحاد مركزي بين مقاطعتين أو اقليمين، أو مجموعة مقاطعات وأقاليم، فى الدولة الواحدة مع احتفاظ كل وحدة من الوحدات المكونة للاتحاد الفيدرالي ببعض الاستقلال الداخلي، بينما تفقد كل منها مقومات سيادتها الخارجية التي تنفرد بهـا الحكومة الاتحادية فقط ، كعقد الاتفاقيات والمعاهدات او التمثيل السياسي، ويكون على رأس هذا الاتحاد رئيس واحد للدولة هو الذي يمثلها في المحيط الدولي.

4 - الفيدرالية هي ممارسة مستويين من الحكم على نفس المجموعة البشرية عن طريق الخلط بين الحكم المشترك أحياناً والحكم الذاتي أحياناً أخرى وذلك لاحترام وتشجيع التنوع في إطار الوحدة السياسية الأكبر.

5 - الفيدرالية هي : نظام سياسي يفترض تنازل عدد من الدول أو القوميات الصغيرة في أغلب الأحيان عن بعض صلاحياتها وامتيازاتها واستقلاليتها لمصلحة سلطة عليا موحدة تمثلها على الساحة الدولية وتكون مرجعها في كل ما يتعلق بالسيادة والأمن القومي والدفاع والسياسة الخارجية. اما التعاريف العربية لمفهوم الفيدرالية ، فلم يتفق فقه القانون العام العربي على مصطلح موحد يقابل المصطلح العالمي فهناك من يطلق على (Etat Federal ) الفرنسي و (State Federal) الانجليزي وهناك من يطلق على الفيدرالية (الدولة الاتحادية) أو (الاتحاد المركزي) و (الدولة الفيدرالية) و (الاتحاد الفيدرالي و(الاتحاد الدستوري) و (الدولة التعاهدية) وما شابه.      

ولكن دعونا نتعرف على الفرق بين الفيدرالية والكونفدرالية ؟

الكونفدرالية : تختلف عن الدول الفيدرالية حيث أنها تتألف من دول مستقلة ولكنها تتفق فيما بينها لتأسيس حلف لحماية مصالحها وتتخذ قراراتها الكونفدرالية بالاجماع، بينما الدولة الفيدرالية هي دولة واحدة بالرغم من توزيع الصلاحيات بينها عمودياً وافقياً، فالدولة السويسرية على سبيل المثال مازالت كونفدرالية رسمياً ،إشارة لأصولها الكونفدرالية حيث اصبحت دولاً فيدرالية منذ عام 1848.

كما إن الفيدرالية ليست مفهوماً حديثاً كما يظن البعض، فقد عرفت حتى في المجتمعات السياسية القديمة، ففي العصر اليوناني القديم كانت هناك بعض المدن تسعى لإيجاد نوع من الفيدرالية يجري التوفيق فيها بين نزوع هذه المدن إلى الاستقلال الذاتي مع النزوع إلى سلطة مركزية تنسق فيما بينها. وقد بقيت الفيدرالية بهذا المعنى الأولي حتى العصر الوسيط والعصر الحديث غير أنها تطورت وتجددت إلى ما هي عليه في الوقت الحاضر عبر نظام الولايات المتحدة الامريكية الذي تأسس بين عامي 1787و1789 وأيضاً عبر النظام السويسري الدستوري ابتداءً من عام 1848 والوحدة الالمانية في الستينيات والسبعينيات من القرن التاسع عشر.

وهناك جملة من الأسباب المتنوعة تقف وراء نشوء الفيدرالية ، ففي دول مثل الولايات المتحدة وروسيا والبرازيل، لعبت مساحة البلاد الشاسعة دوراً في تبني الفيدرالية لأن تقسيم البلاد إلى اقاليم وولايات سهل مهمة إدارتها، وخفف عبء إدارتها عن حكومة المركز. وفي دول مثل كندا والهند لعب التنوع العرقي دوراً مهما إلى جانب مساحة الدولتين الشاسعة، فالهند شبه قارة، وكندا ثاني أكبر بلد من حيث المساحة بعد روسيا. غير ان نشوء النظام الفيدرالي في الولايات المتحدة اقترن بنشوء الدولة وتخلصها من الاستعمار البريطاني، وكان لواضعي الدستور الامريكي نظرة خاصة في أمور شتى منها تبني الفيدرالية لدولة متراميه الأطراف، ولو أن فيدرالية اميركا بدأت بثلاث عشرة ولاية فقط ثم تزايدت الى ما هي عليه الآن.

واما الفيدرالية في المانيا والنمسا فلم تك بسبب العرق او الدين ، حيث ينحدر السكان تقريباً من عرق واحد، ولكنها كانت بسبب اختلافات ثقافية مناطقية.

كما وهناك عدداً من الأسباب التي تدعم التوجه الدولي لجمع السيادة بين الدول أو الاقاليم على اساس من إشكال الفيدرالية منها :

أولاً- شكلت التقنيات الحديثة في المواصلات والاتصالات الاجتماعية والتنكولوجيا والتنظيم الصناعي، ضغوط باتجاه تشكيل تنظيمات سياسية كبيرة وأخرى صغيرة في آن واحد.

ثانياً- الادراك بان الاقتصاد الذي يتخذ طابعاً عالمياً ، بشكل متزايد ، قد أطلق بحد ذاته قوى اقتصادية وسياسية تدفع إلى تقوية الضغوط الدولية والمحلية على حد سواء على حساب الدولة والامة القومية.

ثالثاً- أدى انتشار اقتصاديات السوق إلى خلق ظروف اجتماعية واقتصادية تساعد على تقديم الدعم لفكرة الفيدرالية، وتضم هذه الظروف باختصار التشديد على العلاقات التعاقدية، والاعتراف بالطابع اللامركزي لاقتصاد السوق، والحكم الذاتي التجاري النزعة، والوعي بحقوق المستهلك، وكثرة الاسواق التي تزدهر على التعددية بدلاً من التجانس، وعلى التنافس والتعاون بين البلدان المتجاورة في آن واحد.

رابعاً- ولدت التغيرات الهائلة في التكنولوجيا نماذج فيدرالية جديدة ومتزايدة من التنظيم الصناعي التي تضمن تسلسلاً تراتيباً لا مركزيا يشمل شبكة متفاعلة لا مركزية.

خامساً: تم توجيه المزيد من الاهتمام للرأي العام، خاصة في أوروبا نحو مبدأ (التابعية) بمعنى وجود هيئات سياسية عليا يجب ان تتولى المهمات التي لا يمكن تحقيقها من قبل الهيئات السياسية الأدنى. وفي تصوري لبلد مثل العراق، ما زال متخلف نوعآ ما عن ثقافة العصر ، وما زالت الأثنية والطائفية والبرجوازية الأقطاعية تتحكم فيه بعملية التطور ، فان ترسيخ الديمقراطية الحقيقية التي تضمن المساواتية بين السكان ستكون له الأولوية ، لحين سمو الوعي المتدرج ، المفضي الى التخلص من الذاتية والثقافة السلفية القاتلة للحداثة والمعرقلة لعملية التجديد والتغيير الأفضل.

 

 

 

free web counter