| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. ناجي نهر

 

 

 

                                                                                      الأثنين 10/9/ 2012

                                                 

العلم والانسان

د. ناجي نهر

سوف لن اتناول فى هذا المقال ماهية العلم وضروراته الحياتية ، بسبب تناوله من مناضلين آخرين بصورة دقيقة ووافية ، وسأكتفي بالتذكير ببعض الاساليب المشروعة لنشر العلم مؤثرة فى الناس ، وتجييشهم بصورة حضارية هادئة ومشروعة ، من اجل تحرير انفسهم واوطانهم من مختلف المظالم الانتهازية الجبانة. فمن خلال مختلف تجارب النضال استنتج المناضلون ، ان اعداء الشعوب وسراق ثرواتها الرأسماليون المستعمرون ، انما يستندون في تبرير استغلالهم وجرائمهم على عاملين اساسيين هما [العملاء الانتهازيون] وتنصيبهم حكاما على شعوبهم ، و[الوعاظ الدينيون السفسطائيون ، وافكارهم وفتاويهم الدغمائية المربكة]، وكذلك استنتج المناضلون ان ليس فى الارض من قوة اكثر مضاءا فى دحر مخططات الاعداء الرأسماليون المستعمرون ووعاظهم ، والانتصار عليهم اكثر من العلم .. و استنتج المناضلون ان ليس للمناضلين من سلاح حاسم لانجاح هدفهم الانساني غير ابداعهم وتفننهم فى ايصال (العلم) الى مدارك المضطهدين وترسيخه فى وعيهم الجديد ..على وفق الاساليب المشروعة التالية :

1 - تحلي المناضل العلماني فردا كان ام (حزبا) ، ببسالة متميزة فى تحدي الظروف القاسية ، بهدف ايصال العلم الى ابعد تجمع جماهيري ، ووضع سراج دائم الانارة فيه.

2 - حان الوقت لكي تعالج بعض الاحزاب (العلمانية) مواقفها الواهية والمترددة والمساومة على نشر العلم وفضح الافكار الاجرامية الاخرى بحجج وذرائع غير علمية متناقضة مع هويتها العلمانية ، بالدعوة نحو مسايرة الظروف الذاتية والموضوعية ، وعدم الانجرار لاستفزاز الآخر ، حتى وصل الامر بهذه الاحزاب ، الامتناع عن نشر ما يرسله المناضلون العلمانيون من مقالات وكتب علمية على صفحات صحفهم ومواقعهم الالكترونية ،والاستعاضة عنها بمقالات سطحية ودينية انتهازية ، تصب في تبرير الظلم والاستغلال ، مما ادى الى انفصال خيرة المناضلين وتقهقر تلك الاحزاب نحو الوراء ، برغم تاريخها وتضحياتها ، وكانت النتائج المؤسفة هي سيطرة الانتهازية على قياداتها.

3 - ينبغي على الاحزاب العلمانية العودة الى تاريخها المجيد فى نشر العلم بالجرأة المطلوبة فلا حياء فى نشر العلم ، وتشجيع المناضل العلماني على بسالته والاشادة بتضحياته فى انقاذ المظلومين وتصحيح رؤيتهم لحركة الحياة ، ونشر البحوث التنويرية وتعضيد طبعها وتوزيعها ، فالباحث العلماني هو الاقدر على سبر غور مختلف العلوم ، وفرز الغث من السمين وكشف المخفيات الضارة بحركة التطور العامة والخاصة والتخلص منها وتدميرها ، والتوعية المستمرة بان الانسان هو خالق الحياة ومطورها وقائدها ، وهو الذي توصل فى تشخيصه الجريئ على ان جوهر الصراع المعاصر هو المتجسد فيما بين افكار [الاحتكارات الامبريالية المتشرعنة بالفقه الديني ، وما بين افكار (الانسان) المنتجة من العمل فقط].

4 - لن يفكرالعلماني قط ، بمعاداة الدين ، وهو وحده من يحترم حرية الفكر والعقائد ، بسبب ان اساس مبادئه العلمية مبنية على ايمانه بالتطور التدريجي على وفق مراحل زمنية متدرجة ، والانسان الذي لم يع الحياة بعلمية سيعيها غدا لا محال ، وان عمل الانسان لوحده هو الذي انتج التطور الفكري والتقني ،على وفق ما يتناسب مع اكتشافاته العلمية لقوانين الحياة ، وان اكتشافاته العلمية الرياضية والفيزيوكيماوية والتقنية ستكون متبادلة التأثير مع وعيه الانساني فى مرحلة محددة ، فالوعي عند العلماني لم ينزل من السماء كما يدّعي المتدينون ، بل هو نتاج العمل الانساني فى واقع محدد ليس غير. ولذلك فالعلماني لن يحتاج فى نشر العلم ، ان يلجأ نحو اساليب العنف ، كما يفعل المتدينون المعاصرون !!، بل يعتمد العلماني عند التعريف بعلم من العلوم او بسّنة التطور المتدرج ، على التوعية الذاتية الفردية ، والتوعية الجماهيرية المؤسساتية المستندة على العلم فقط ، وليس غير.

5 - ولذا فمن المؤسف ان تجد بعض من حملة الشهادات العالية ، من يتناقض حتى مع ما تعلمه او مع ما يعلمه من علوم ، يشترط فيها ان تكون خاضعة للبحث العلمي الاكاديمي ، او حتى لشروط العلم العامة ، التي تؤكد على ان اية معلومة لن تكون نافعة ، ولن يؤخذ بصحتها ، ما لم تك موثقة بقوانين ومقاييس علمية نظرية وتجريبية ، غير ان الملاحظ هو العكس عند هؤلاء الاكاديميون ، فهم يكثرون من البسملات والتسبيح لافكار وهمية متخيلة ، وغير مبرهن على صحتها علميا ، ويدعون الناس نحو التمسك بعروتها الضارة والمعرقلة للتطور باكثر مما يفعله الوعاظ المتدينون ، وبذلك فهم يبتعدون كليا عن القوانين والاسس والقياسات العلمية التي لا تقبل التأويل والاجتهاد ، فيتمسكون بدل العلم ، بافكار قديمة ضارة بوحدة الناس وحمّالة اوجه للتأويل والاجتهاد ، مما يشجع بسطاء الوعي على الاقتداء بهم ، والجمود على افكار وثقافات اضحت قديمة وسقيمة وغير منتجة من جهة ، ومن جهة اخرى فان افكار هؤلاء الاكاديميون تتطابق مع افكار المتطرفين وتشجعهم على التمسك بافكارهم الاجرامية وكأنها افكار صحيحية ، تبيح لهم قتل العلمانين وكل من يخالفهم الرأي.

6 - وبالتأكيد ستتضح فى النهاية لدى الانسان المعاصر ، حقيقة دور الفرد فى التاريخ ، من خلال عطاءه الثقافي والمهني ومجموعة الخبر التي جمعها من تجاربه ، ومدى نجاحه فى توظيفها فى خدمة الأنسانية وابواب العمل النافع ، ومقدار الأضافات الفكرية والتقنية المفيدة لدفع عملية التطور الى أمام ، وسيكتشف الانسان المعاصر كذلك اهمية تجديد واقعه وتقييم مسيرة تطوره نحو الافضل ، وسيكرر اسئلته الساخرة على الجامدين والمقدسين للاديان وللعادات والتقاليد القديمة ، من المتخلفين الذين يصرون على افتراش الطرقات العامة فى صلاتهم ، ويقرعون الاجراس ، ويصرخون بصخب من فوق الكنائس والمآذن العالية دون ان يراعوا حرمة متعب او مريض ، ناهيك عن توفر وسائل (التنبيه الخاصة) عندهم .. كالهاتف النقال ومنبه الساعة التلقائي وغيرهما من التي تفي بهذا الغرض ، لكنهم يخالفون القوانين العادلة السائدة التي تحمي الحقوق العامة للانسان المعاصر ، هذا الانسان الذي اضحى يخشى شكوى جاره المنزعج من ارتفاع صوته لما فوق حقه المعتاد.. وثانيا وهو الأمر والاكثر وجعا ومرارة ، ان تجد بعض المتسلطين الدينيين ، بخاصة من حملة الشهادات العالية ، ومن المحاورين حول الحداثة والتطور على المواقع الالكترونية كموقع (الاسلام اليوم) وغيره ، من يدّعون بغير توثيق ، بان الدين يقع فى (القلب) من الحداثة والتطور وهو اساسها ، وحينما تحاورهم بالعلم الملموس والموثق ، يثورون ويزبدون ويرعدون عليك ، حتى يكادوا يهمون بقتلك ان توفرت لهم الفرصة ، وتكون حصيلة الحوار ، السفسطة المملة ، المدافعة عن الثقافة السلفية المتخلفة التي تتهم المقابل بالكفر والالحاد ، وتدافع عن الاديان والاوهام المتخيلة ، وقدسية الاماكن او المراكز الدينية التي يتبؤونها عن غير جدارة.

7 - ولذا سوف يتعذر اي تغيير سياسي فى مجتمعات العالم الثالث نحو الافضل ، ما لم تتغير (ثقافة) الجماهير نحو (العلم) ، فقد اضحت (الانتهازية الدينية) من انشط خدم الاستعمار الجديد ، وهو ما يؤكد ايضا على ان الرأسمالية هي التي اخترعت الدين وشجعت على انتشاره كثقافة كونية عامة ، من اجل ادامة استغلالها وتبرير ظلمها وفسادها ونهبها لثروات البلدان الصغيرة بفتاوى دينية باطلة وقاسية ، سدت على الناس جميع نوافذ الحياة وتدخلت فى خصوصياتهم ، وصادرت حقوقهم وحرياتهم ،فلا خلاص للشعوب المضطهدة الا (بتغيير) ثقافتها ، والاستفادة من تجربة الشعوب الغربية بفصل الدين عن السياسة ، فسياسة الاستعمار الجديد هي (تغيير العملاء) وليس (تغيير الثقافات) ، وما نراه من تغيير فى ثقافة الشعوب الغربية ، انما جاء نتيجة لنضال مرير مخضب بالدم لتلك الشعوب ضد سيطرة رجال الدين وحماتهم ، فقسوة رجال الدين هي واحدة فى مختلف الاديان ، فلا فرق بين ثقافة رجال الدين ونزعتهم العدوانية ، سواء كانوا يهودا ام مسيحيين ام اسلاميين ،وفى الرجوع الى الحقائق التاريخية ، خير دليل على صحة هذه الحقيقة ..

والذي ارجوه ان يكون هذا المقال فاعلا فى التوعية ، ومؤثرا فى نزع فتيل الصراع والاقتتال الدائر فى ربوع الارض، بسبب تباين المعتقدات ، ومهيبا بجميع العلمانيين مضاعفة الجهد النضالي الفكري ، من اجل التسريع فى حسم مختلف الصراعات بتوحيد الثقافة الجديدة على حسب مقتضيات وقوانين سنة التطور.

- فحينما يكتشف الانسان وعيه سيبتسم ، وكأنه وجد نفسه من جديد -

 

 

free web counter