|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء 7/11/ 2012                          د. ناهده محمد علي                                   كتابات أخرى للكاتبة على موقع الناس

 
 

 

المرأة العربية المهاجرة الى أين ... ؟

د. ناهده محمد علي 

بسبب فساد الأنظمة العربية وعدم إحتوائها للطاقات المبدعة الذكورية والأُنثوية , إضطر الكثير من النساء والرجال الى الهجرة ليبحثوا عن مجتمعات جديدة في قيمها وتأريخها وعلاقاتها الإجتماعية , وكما يختلف المجتمع العربي عن الغربي في طاقاته العلمية هو ايضاً لا يتساوى في قيمه الإجتماعية , ولقد بُنيت هذه القيم في الشرق والغرب على مدى قرون ولا يمكن أن يتشرب الشباب العربي القيم الغربية على مدى شهور أو سنوات , ومن المؤكد أنه ليس بالضرورة أن كل القيم هي صالحة للإستعمال اليومي والى الأبد , فهناك قيم عربية كما هو معروف قد أخذت بالإندثار شيئاً فشيئاً , كالكرم المُطلق أو الثأر , لأن الحياة المادية والإجتماعية قد تعقدت وأصبح من المستحيل أن يتصرف الفرد بدون حكم القانون , أو حكم المتطلبات المادية . لكن الكثير من القيم العربية لازالت في داخل الأجيال القديمة والمتوسطة نائمة , وقد تستيقظ وتخرج متى ما وجدت الدوافع القوية لها .

تهاجر المرأة العربية لتجد قيماً جديدة لا حدود لها , وقد تناسب تأكيد ذاتها , فلا حدود للعلاقات الإجتماعية وكل ما يخص أي فرد هو ملكية خاصة , فتصبح على هذا الأساس هي وما لديها من علاقات ومشاعر ملك لها فقط , وقد تتأقلم المرأة العربية مع قيم المجتمع الجديد الذي تعيش فيه , لكنها إذا ما تجرأت على تطبيقها وتصديقها ستصطدم بجذور القيم القديمة في نفسها وفي زوجها أو المحيطين بها , لذا تصنع لنفسها حاجزاً وشخصيتين , والحاجز يفصل بينهما , وقد تتعارض الشخصيتان أو تتسلط إحداهما على الأخرى , ومتى ما فازت الشخصية الغربية المهاجرة أصبحت المرأة العربية غربية المظهر والباطن , وتبدأ بتطبيق القيم الغربية في علاقاتها وسلوكها اليومي وفي تربية أولادها وفي تعاملها مع زوجها وفي نظرتها للحقوق الفردية . أما إذا إنتصرت الشخصية العربية فستفرض هذه الشخصية المظهر الخارجي الملائم والسلوك اليومي ونمط العلاقات الإجتماعية ومداها , وقد تختار نماذجها بدقة شديدة . إن المرأة العربية قد تضيع بين هذه وتلك , فهي قد تتزمت أحيناً في مواقع وتنطلق متحررة في مواقع أُخرى , وقد تُلزم نفسها القيم العربية وتعطي لأبنائها ولزوجها الحق بالحياة الأوربية , وقد تكون العكس وهنا تقع الطامة الكبرى , فهي إذا صدقت بأنها قد أصبحت جزء من المجتمع الغربي وتعالج مشاكلها العائلية على هذا الأساس فستقع في مطب المصادمة مع الرجل العربي , فهو إذا ما أحل لنفسه كل القيم الغربية , فهو لن يمنحها قطعاً لزوجته أو إبنته , وهو إذا ما إختلف مع زوجته لن يسمح لها بالبحث عن شريك آخر أو بديل له , وهنا تتصادم القيمتان , وتنمو الجذور القِيمية القديمة الذي إعتقد أنها قد ماتت وإعتقدت هي ايضاً , فهذه الجذور لم تمت بل كانت في وضع الغيبوبة وحينما وجدت الدوافع القوية لإستيقاظها إستيقظت فجأة وقد تدفع المرأة حياتها ثمناً لأخطائها , وقد سمعنا كثيراً عن حالات قتل لزوجات وفتيات في إنكلترا وألمانيا واستراليا ونيوزيلاند .

لا أدري لماذا يعتقد الكثير من المهاجرين أن القيم الغربية هي الهدف الأسمى لهجرتهم لكن الحقيقة إنما يحتاجه المهاجر أو المهاجرة هو المستوى الإجتماعي الأفضل والمستوى العلمي الذي يطمح إليه كل المختصين العرب والمستوى الدراسي النموذجي الذي يحتاجه الطلاب العرب , أما البحث عن الإنفلات الإجتماعي فقد عانى المجتمع الغربي نفسه منه كثيراً وكُتب عنه الكثير , وأصبح الفاصل في معرفة العائلة لأبنائها هو إختبار ( دي أن أي ) DNA المؤلم .

إن التفتت الإجتماعي قد يحول أفراد المجتمع الى روبوتات آلية تختزن جميع المعلومات والعلوم لكنها بدون روح أو مشاعر إنسانية , وما تتمتع به العائلة العربية هو الكثير من الأواصر الجميلة والمتينة والضرورية لحياة أية عائلة والمغذية للنمو الإجتماعي , ويمكن للمهاجر العربي أن يترك جزء من القيم القديمة التي إنتهت صلاحيتها ويتمسك بالقيم النبيلة التي تحافظ على قوة العائلة الإجتماعية , ويمكن للمرأة العربية أن تأخذ من القيم السليمة ما تشاء وتترك القيم الأخرى التي تساعد على الهدم الإجتماعي لكل المجتمعات , ولا أقول أن العنف هو الطريق الأسلم للتصحيح , لكن فرز القيم الجديدة والقديمة وأخذ ما يبني العائلة المهاجرة منها ويحفظها من النخر الإجتماعي هو الحل الأسلم .
 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter