|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد 4/3/ 2012                                 د. ناهده محمد علي                                   كتابات أخرى للكاتبة على موقع الناس

 
 

 

حينما يثور الطلاب ... لماذا ؟

د. ناهده محمد علي

إن أغلبية القائمين بالثورات العربية هم من الطلبة والشباب , ولو بحثنا عن الأسباب الموضوعية والذاتية للرغبة في الثورة والإنتفاض لوجدنا أن الأسباب الموضوعية تتمثل في الوضع القائم المثير للغضب وخاصة الوضع الإقتصادي الهابط والذي خلق مستوى معيشي هابط وجمود في حركة الشباب في الشارع والبيت والمؤوسسات الإنتاجية .

إن تواجد الشباب في الشارع العربي يشكل سبباً ونتيجة لهبوط المستوى الدراسي وهبوط الدافع الذاتي للدراسة وبسبب الفقر أيضاً أصبح هناك إتجاه للعمل المهني .

إن هبوط مستوى البرامج الدراسية وأساليب التعليم وتخلف المواد الدراسية لعدم متابعتها لما يجري في الحركة العلمية العالمية قد أدى أيضاً الى تسرب الكثير من الطلاب الى الشارع , وكان إنتشار البطالة بين الخريجين وعدم توفر فرص العمل لكافة التخصصات كان سبباً موضوعياً آخراً لثورة الطالب العربي حيث أصبح هذا الطالب مُحبطاً وغير مستفيد من تواجده الدراسي , لذا فهو يتجه الى المقاهي ومقاهي الإنترنيت ومن هنا يفتح الطالب أو الشاب نافذة واسعة على عالم أوسع , فهو يجد النظريات السياسية فيختار منها ما يلائمه , كما يجد كماً كبيراً من القيَّم الحديثة والثورية في مجالات السلوك والأخلاق والعلاقات العامة والخاصة ويختار منها أيضاً ما يناسبه , كما يجد كماً هائلاً من السلع الإقتصادية الي يفتقدها هو ومجتمعه , ويخرج من كل هذا ( طالب الإنترنيت ) بمحصلة واحدة على إختلاف ما إختاره وهي أن كل ما شاهده وقرأه غير موجود في مجتمعه وإن مجتمعه يسير الى الخلف وإنه العنصر الأكثر غُبناً في هذا المجتمع , وفي هذه الحالة أن شيئأ ما يجب أن يتغير وفي النهاية يقتنع الشاب وبفروق فردية بأن كل شيء يجب أن يتغير علَّ واقعه يتغير , ويصبح هذا الدافع هو نقطة ألم كبيرة له ولقناعاته , ويظهر هذا الألم والرفض أحياناً على شكل تصادمات فردية في الشارع وبين الأقران أو مع الوالدين والأخوة , وقد تتحول حالات الرفض الى إنفصال جزئي عن الوالدين أو الأصدقاء والأخوة , ويبدأ الشاب في محاولات تغيير فاشلة في الذات ومحيط الأصدقاء , وأقول فاشلة لأن المحيط الإجتماعي والإقتصادي هو نفسه لم يتغير ويحتاج الأمر الى تغييرات هائلة للمحيط الخارجي حتى يستطيع الشاب أن يتحرك بسهولة لتحقيق توجهاته وقيمه الجديدة وعلاقاته ومستوى معيشته , لكن هذا النوع من القناعة في التغيير لن يأتي سريعاً أو فجأة بل يحتاج الى صعود (ترمومتري) بطيء وهذا ما حصل فعلاً .

إن رغبة الشاب العربي في التغيير جاءت على مدى سنوات عديدة منذ الخمسينات ومنتصف الفرن الماضي , وبدأت حينما بدأ الشباب المثقف يستمتعون بالموسيقى الغربية ويقلدون الموضة الغربية ويقرأون الأدب الغربي ويترجمونه , مع أن وسائل الإعلام كانت تنقل القليل من الأخبار عن الثقافة الغربية , إلا أن الصحف والمجلات كانت تنقل أخبار الثورات الديمقراطية وأخبار المخترعات العلمية العالمية .

إن الإنفجار الإعلامي والثقافي كان قد أصبح قوياً منذ السبعينات وقد تصاعد منذ بداية القرن الحالي حتى أصبح كالموج الهائل لا يمكن لأي سلطة أن تقاومه فإنتشرت المُترجمات ومراكز تعلم اللغات كذلك إنتشرت شركات الإنترنيت , وأصبح العالم قرية صغيرة يُرى من نوافذها كل شيء , وقد شاهد الشباب العربي أنفسهم في الصفوف الخلفية للمتفرجين وليس الفاعلين ولم يرضهم هذا بالطبع .

إن إلقاء الضوء وبشكل سريع على الأوضاع النفسية والصحية للشباب العربي توضح لنا بأن نسبة كبيرة من المصابين بالمشاكل النفسية والصحية هم من الشباب وقد لمست هذا في دول عربية كثيرة مثل العراق وليبيا والجزائر والخليج العربي ومصر , حيث يعاني الشباب هناك من الإدمان بكل أشكاله إبتداءاً بالتدخين وإنتهاءاً بالمحدرات ومن حالات الشذوذ الجنسي والكآبة وحالات الوسواس القهري , ويعاني الشباب أيضاً من الأوضاع الصحية المتدهورة بسبب تدني مستوى المعيشة وقد نتج عن هذا العديد من أمراض التغذية وجيل ضعيف من الشباب وأعداد كبيرة من المعاقين نتيجة للحروب الداخلية والخارجية .

أما الأسباب الذاتية لثورة الشباب فهي نتيجة حتمية للعلاقات الأُسرية والإجتماعية وطريقة تنشئة الأبناء حيث لا زالت الأسرة العربية تعتمد على الأساليب التربوية القديمة ( العصا لمن عصى ) ولا زالت السلطة الأبوية هي السائدة وتتحكم في تشكيل سلوك الأبناء ومصائرهم وتعتمد على التقاليد والأعراف القديمة كما تلعب الظروف الجغرافية والحروب الطويلة والقهر السياسي أدواراً كبيرة في تأطير وجمود التقاليد الإجتماعية وخاصة ضد المرأة وأصبحت الأمزجة المجتمعية هي التي تقود المجتمع العربي الى الخلف وتقولب العلاقات الإجتماعية في قوالب جامدة وقد ساعد على هذا تدهور إقتصاد المجتمع العربي وعدم إنتاجيته مما جعل التقاليد المجتمعية صخرية غير قابلة للتغيير وبقيت القيَّم الجديدة المجتمعية مجرد طموحات وأماني لفئات المثقفين والشباب الثوري , كل هذه كانت محفزات طويلة المدى تتفاعل تلقائياً لتجعل الترمومتر العربي يغلي .

أود الإشارة الى أن المستوى الثقافي والعلمي قد إتسم ولسنوات طويلة بالسطحية وهذا ما جعل طموح الشباب متصلاً في البداية بالأشكال الظاهرية للحضارة مثل تغيير شكل السلوك الشبابي العام وتغيير وسائل التسلية , وشكل الملابس ثم تطورت الطموحات من السطحية الى الجذرية أي البحث عن نظم إقتصادية وسياسية وتعليمية جديدة وتوفير فرص العمل للشباب العربي وتغيير البرامج التعليمية والمواد الدراسية والتي أدت ولسنوات طويلة الى المستوى التقليدي الهابط للخريج العربي , حيث يدرس الطالب العربي النظريات العلمية الفديمة والحقائق المتغيرة والتي لم تعُد معاصرة ويبدو أن هذا قد ساعد على قولبة المجتمع العربي وجعله يفكر ويعالج ويبني بأساليب قديمة أزاحها العلم المعاصر عن مجالات التطبيق .

أخيراً ان الأسباب الموضوعية والذاتية متحدة تتفاعل في ذات الفرد العربي لتحرك المد الإنساني الهائل نحو الأعلى لكن مدى مصداقية الدوافع وقوتها هي وحدها من سيحدد إستمرارية هذا المد الثوري .


 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter