|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  14  / 6 / 2015                          د. ناهده محمد علي                                   كتابات أخرى للكاتبة على موقع الناس

 
 


 

حكم الجاهلية - إستعباد النساء

د. ناهده محمد علي 

لقد مر التأريخ العربي مروراً طويلاً في تعامله مع النساء وهو للأسف لم يكن أبيضاً أبداً .

مرّ إستعباد المرأة العربية منذ الخيم ذات الرايات الحمراء ووأد البنات بدرجات مختلفة القسوة والحساسية في التعامل الجنسي والإنساني مع المرأة , ولما كانت المرأة دائماً موضعاً للمتعة فقد أُعتبرت مصدراً للخزي والعار تُراقب وتُلاحق وتُقتل حتى قبل إرتكابها للإثم تحسباً وحفاظاً على شرف العشيرة .

لقد وضع الإسلام تغييراً محسوساً لأوضاع المرأة العربية ومكانتها وحرم قتلها لأسباب عديدة وجعل ( لباس التقوى ) هو خير لها . لكن ذلك لم يمنع خلفاء الدولة الأموية والعباسية ومن بعدهم من تشويه وضع المرأة المسلمة وجعلوا منها جارية وعبدة وحطوا من مكانتها ومكانة أبنائها مع وجود بعض الشاعرات والأديبات والواعظات . وبعدما جاء الحكم العثماني جاء معه عالم ( الحريم ) والفصل التام بين النساء والرجال في البيت والشارع والمجتمع , لا يدخل أحدهما عالم الآخر وإلا إرتكب المعصية , لكن هذا لم يمنع من إنتشار الفساد الإجتماعي وإستمرار عالم الجواري والقيان .

وبعد قيام الثورات العربية وإنطلاق صرخات التحرير للمرأة من قِبل رفاعة الطهطاوي وقاسم أمين ومصطفى أمين وبعض الناشطات العربيات إستبشر النساء خيراً وجاء الفرج ببعض الحقوق الديمقراطية التي وضعت في الدساتير العربية ومنها حق التعليم وإختيار الزوج وغيرها , لكن هذا لم يكن إلا حبراً على ورق فقد بقي المجتمع العربي ضاغطاً وبشدة على الفتاة العربية في مسألة الخروج للتعليم والعمل وحرية إختيار الزوج وقد تذبذب هذا أيضاً بين حاكم وآخر حسب درجة ديمقراطيته في أي دولة عربية , وفي كل الأحوال بقي الرجل العربي هو القاضي والحكم في كل مشاكل المرأة العربية .

لقد مر التأريخ العربي بفترات صخب ومظاهرات مطالبة بالحقوق الديمقراطية تصاحبها مظاهرات نسائية مطالبة بحقوق المرأة وتشهد لذلك ثورات 52 في مصر و58 في العراق وثورات التحرير في الجزائر وتونس والتي برزت فيها وجوه نسائية من العراق ( عدوية الفلكي حاملة العلم في أنتفاضة 1948 ضد معاهدة بورتسموث , صبيحة الشيخ داود , أمينة الرحال ونزيهة الدليمي ) ومن مصر ( هدى شعراوي , صفية زغلول وسهير القلماوي ) ومن الجزائر ( جميلة بو حيرد ) وغيرهن .

إن السلفيين والمتطرفين في كل الدول العربية يقفون حائلاً أمام المطالبات النسائية في الحقوق الإنسانية وكانت حجة السلفيين دائماً هو الحفاظ على المجتمع الإسلامي ونقائه , لكن الحقيقة تقول إن المجتمعات الإسلامية لم تتراجع إلى الوراء بسبب الشحة في شرف النساء بل هي الشحة في الشرف العام , حيث الإتجاهات السياسية والإقتصاد والموارد الطبيعية تتفسخ وتباع بلا ثمن ويعطي من لا يملك لمن لا يستحق . وقد ظل موج هؤلاء الهادر هو أقوى من الموج النسائي الضعيف إذ أن منطق القوة هو من يحكم هنا .

لقد وجدت هذه القوى المتطرفة من يساندها وبقوة في العشائر العربية وخاصة البعيدة عن المراكز وعشائر الصحراء والمناطق التي ينعدم فيها التعليم ويكثر فيها الوعاظ الجهلة , ويصبح هنا القانون العرفي هو القانون السائد ويصبح العُرف هو قوة العشيرة وقائدها الحقيقي , وكان هذا العُرف سنداً دائماً لشيوخ بعض العشائر لدعم وجودهم وإختياراتهم ومصدر قوتهم , وأكثر ما يحافظ عليه العُرف العشائري هو مبدأ الثأر وغسل العار , وهاتان القيمتان تشكلان تراثاً أساسياً في حكم العشائر , لذا فالمرأة العربية غير مخيرة في أن تصبح رجلاً مقاتلاً يدافع عن عرضه ضد ذئاب الصحراء , أو تصبح عبدة تباع وتشترى بأبخس الأسعار , أما إذا كانت من ذوات النسب فقد تباع مقابل قطيع من الجمال وإن لم تكن فقد تُباع مقابل حمار . وبما أن العشائر العربية لا تمتلك الكثير فهي لا تمتلك النفط ولا الزراعة أو الصناعة لكنها تمتلك الموارد البشرية , فالرجال هنا للغزو والثأر والصيد والقنص والتجارة أحياناً , أما النساء فهن للمتعة والإنجاب وأحياناً للمبادلة , وقد نتساءل كيف تستخدم النساء للمبادلة , أقول أن عالم العشائر أو إقتصاد العشائر لا يقتصر على الثروة الحيوانية والتي هي الجمال والأغنام والكلاب بل يشمل الثروة البشرية والتي هي الرجال والنساء كما ذكرت , لكن الرجال هنا هم ليسوا أهلاً للمبادلة بل تقتصر على النساء فقط حيث يكثر زواج ( الكصة بكصة ) وهو الزواج المتعاكس بين عائلتين , لكن هناك شكلاً آخر للمبادلة وللخروج من الأزمات العشائرية بين شيوخ العشائر والأزمات المادية , فقد يُفضل شيوخ بعض العشائر بيع بناته للعشيرة الأخرى على بيع جماله , وحينما تتقاتل العشائر في غير حالة الحرب ولا تجد العشيرة ( حلالاً ) تستند إليه لدفع الجزية تُستخدم في هذه الحالة الثروة الإحتياطية والتي هي ( النساء ) فتُهدى المرأة بلا مهر ولا زفاف ولا طلقات البنادق وتصبح في بيت زوجها عبدة محتقرة تعاني الإذلال والقهر وقد يعاني أولادها من الذل أيضاً حتى يمقتها أولادها لأنها أورثتهم العار .

إن ما حصل لدى بعض عشائر العراق الجنوبية يؤكد الإنحطاط الثقافي للمجتمع العشائري العراقي والعودة بخطوات سريعة إلى الوراء , لأن إستخدام النساء لحماية رجال القبيلة من القتل هو إستهانة بمكانة المرأة كإبنة وكأم وكزوجة , وأين هو الشرف العربي في أن تحمي الإناث ذكورها , وهو قلب جاهلي لموازين القيم الإجتماعية , ولِمَ هنا تدفع النساء ثمن أخطاء الرجال وعنجهيتهم , وسيخرج من الأعداد الغفيرة المباعة على شكل زواج ( الفصلية ) أجيالاً من الذكور والإناث الكارهين لعشيرتهم ولأُمهاتهم وهذا تقويض لبنية المجتمع العراقي . وهل نحن بحاجة إلى المزيد من الكراهية , فمن الواضح أن المجتمع العراقي يغلي بالكثير من الكراهية بإزدياد نسبة الطلاق والخيانات الزوجية والفساد الإجتماعي والإداري ولسنا بحاجة إلى المزيد .

إن الكثير من عشائر العراق الأصيلة تقاتل الإرهاب والظلم الإجتماعي لكن البعض منها يسانده والبعض الآخر يبيع تراب الوطن للذي يدفع أكثر . لا يمكن للمجتمع العراقي أن يضحي بفتياته وأطفاله الأبرياء لأجل حماية المجرمين وهي ( قسمة ضيزى ) , وقد كثُر ما فقده العراق من بناته وأبنائه وكثُر من ضحّى بهم حتى أصبح العراق خفيفاً ما فيه الكفاية لأن يطير كقشة في مهب الريح .






 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter