| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

ناظم ختاري

 

 

 

الثلاثاء 4/11/ 2008



إذن .. فعلها مجلس النواب ..!!

ناظم ختاري

عبرت في عدة مقالات نشرت لي ، حول إلغاء المادة رقم 50 من قانون انتخابات مجلس المحافظات ، والاحتجاجات الشعبية الواسعة التي اندلعت اثر ذلك والحملات التضامنية التي وقفت إلى جانب حقوق الأقليات الانتخابية ، وثم المقترحات التي تقدم بها السيد دي مستورا والذي حاول جهده من أجل إعادة حقوق الأقليات إلى نصابها ، بعدما ضاعت بضياع المادة رقم 50 التي لم تكن منصفة هي الأخرى لحقوق الأقليات الانتخابية ، عبرت فيها عن قناعتي بأن الحقوق لا تعطى وإنما تؤخذ ، وأكدت فيها أكثر من مرة وبأكثر من صيغة ، إن العديد من الكتل البرلمانية ستخصص الكثير من جهودها كي لا تحصل الأقليات على حقوق متوازنة في انتخابات مجالس المحافظات ، وطبعا من منطلقات تعصب قومي وطائفي ، وبدافع العداء الأعمى لكل حق من حقوق هذه الأقليات الموغلة في أعماق تاريخ هذه البلاد ، أو اقتلاعها من أرض هذه البلاد نهائيا ، وأعتقد إن الهجرة الواسعة التي بدأها أبناء الأقليات في عهد الدكتاتورية البائدة والتي تضاعفت في ظل الظرف الحالية ، التي تهيمن فيها القوى الطائفية المتعصبة والقومية الشوفينية على زمام الأمور في العراق ، تسير بهذا الاتجاه ، وقد يكون من المفيد أن نذكر بأن مصيرها هو قريب إلى مصير يهود العراق الذين تم تهجيرهم قسرا في العقود الماضية عن بكرة أبيهم و بنفس هذه الأساليب القذرة ، مع اختلافات بسيطة .

إذ صوت مجلس النواب ، بأغلبية أصوات الحاضرين على تقزيم مقترح السيد دي مستورا ، والإبقاء على حقوق تمثيل رمزية للأقليات ضمن قانون انتخابات مجالس المحافظات ، وعلى مستوى عدد من المحافظات العراقية وهي البصرة وبغداد والموصل , فقد حدد التصويت الذي جرى أمس في مجلس النواب على مقعد واحد للمسيحيين في البصرة ومثله في محافظة بغداد وإلى جانبه مقعد وحيد للصابئة المندائية ، ومقعدا واحدا لهم في الموصل مع واحد للإيزيدية وآخر للشبك ، وهذا يعني في حقيقة الأمر تحجيم قانوني لتمثيلها في المؤسسات الدستورية للدولة العراقية وتهميش دور أبناء هذه الأقليات في صناعة القرار المتعلق بمصيرهم على مختلف الأصعدة ، في الوقت الذي كانوا يعانون من إقصاء حاد ، خلال الفترات الماضية على مختلف الصعد .

شخصيا لست مستغربا منما فعله مجلس النواب في هذه المرة ، ولا استغربت في السابق من غرائب أخرى ليس بينها وبين الجريمة ولو شعرة واحدة سوى التسمية ( القانون – الجريمة ) ارتكبها نفس هذا المجلس ، أو الأحزاب التي تتشكل منها كتله المتنفذة ، سواء خلال هذه الدورة البرلمانية الاعتيادية أي منذ الانتخابات العامة الأخيرة ، أو قبلها أثناء ولاية الجمعية الوطنية المؤقتة أو المجلس الانتقالي والأمثلة عليها كثيرة ولكن ليس هناك مجال لذكرها الآن ، لست مستغربا من مساعيها كونها وببساطة شديدة أحزاب طائفية وقومية تعبر عن نفسها بوضوح ، فمن الطبيعي أن تكون ولاءاتها إلى انتماءاتها وليس إلى الوطن الذي يتشكل من قوس قزح جميل وألوان عراقية زاهية من أقوام وأديان وطوائف مختلفة ، وليس هناك ما يشير إلى أنها تستطيع تبني مشروعا وطنيا قادرا على الحفاظ على هذا التنوع وحماية العراقيين جميعا بما فيهم أبناء الأقليات القومية والدينية ، ليس هذا فقط ، بل إنها مستعدة لأن تقذف بأي واحد من أبناء الأقليات في البحر لحساب هذا الولاء الطائفي أو القومي المتعصب والمتخلف .

على أية حال نحن أمام حقيقة واقعة ، تتكرر فصول السطوة على حقوق الغير على الدوام وبشكل يومي في كافة أنحاء العراق وعلى كافة مستويات مؤسسات الدولة العراقية ، التنفيذية منها أو التشريعية ، فالإجراءات والجرائم التي كانت ترتكب في السابق بحق أبناء الأقليات ، كانت عادة من غير غطاء قانوني ، كون القانون كان في الغالب مغيبا وغير ذي أهمية حتى بالنسبة إلى أخطر القرارات التي كانت تتخذها مختلف الحكومات التي تعاقبت على دفة الحكم في بلادنا المغضوب عليها ، كانت كلها تحصل بفعل المتنفذين فيها والذين كانوا يحاولون عادة إضفاء الطابع الاجتماعي عليها ، والذي لم ينجح كثيرا إلا في ظل الأوضاع الحالية الحرجة ، والتي تسعى فيها قوى أشرت لها ، إلى إضفاء الطابع القانوني عليها ما دامت هناك أرضية اجتماعية تحققت أو تتحقق لها ، وأعني بذلك العلاقة التي كانت تربط العراقي بالعراقي الآخر من قومية أخرى أو دين آخر أو طائفة أخرى ، لم تعد قائمة على أساس الانتماء إلى الوطن أو على أساس مبادئ التسامح والمحبة للأسف الشديد ، بينما تتسع يوما بعد آخر الفجوة بينهم ، والقوى الطائفية المتعصبة والقومية الشوفينية أصبحت تدفع بشكل أقوى في هذا الاتجاه .

إلا أنه وأمام هذا الوضع الذي يعتبر مأزقا متأزما لكل العراقيين ، وليس فقط لأبناء الأقليات ، ومحاصرة لدور القوى الوطنية والديمقراطية الحقيقية وتحجيما له ، ينبغي أن لا ندع ونترك المجال كي تمرر هذه القوى ، مخططاتها الرامية لإقامة دولة الميليشيات والعنف الطائفي والديني والتعصب القومي ، وهذه المسألة بقدر ما هي ضرورية للحفاظ على بقاء أبناء الأقليات في أرض الوطن وإيقاف مخططات تهجيرهم إلى خارجه ، فإنها تعد ضرورية أيضا للتصدي بهمة عالية لقيام دولة القانون والمواطنة ، البديل الحقيقي عن الهجرة الجماعية وترك البلاد للضواري ، كون عواقب هذه الهجرة ستكون وخيمة على أبناء الأقليات ومستقبلهم ، إذ يبلغ تعدادهم أو من تبقى منهم في الوطن أكثر من مليون ونصف مليون نسمة ، ليس من السهولة بمكان ، أن يحزموا أمرهم وهاجروا خلال شهر أو شهرين وإلى الأبد وينتهي الأمر، إذ أن هجرة هذه الأعداد تحتاج إلى سنين طويلة تفقد في سياقها حتى تماسك علاقاتها العائلية ، وتشكل عبئا ثقيلا وعميقا على تكوين أفرادها في الجانب النفسي ، علاوة على إمكانيات مادية هائلة مفروضة على أبناءها ، التي تستنزف كل طاقاتهم منذ أن بدأت الهجرة هذه تشتد بوتائر عالية .

ومثل هذا الأمر يفرض على القوى الوطنية والديمقراطية واليسارية أن تدعو إلى رص الصفوف ، وترجمة الوقوف إلى جانب محنة الشعب العراقي التي تشكل محنة الأقليات جزءا معقدا منها ، إلى خطوات عمل حقيقية ، إذ ليس هناك من قوى بين مجموع القوى العراقية قادرة على تبني مشروع عراق القانون وعراق المواطنة وعراق الأمن والاستقرار والرفاهية والعدالة الاجتماعية ، غير هذه القوى الأنفة الذكر التي تفرض عليها وطنيتها ومحنة الشعب العراقي ، أن تتبنى مشروعا من أجل تضافر جهودها المشتركة مع جهود ممثلي هذه الأقليات وبقية القوى ذات المصلحة الحقيقية ، في المراحل الانتخابية القادمة ، لانتزاع الأغلبية البرلمانية من أيدي القوى الحالية ، وبهذا المشروع لوحده ، يمكن للشعب العراقي إيقاف المزيد من الانزلاق ، وتحرير العراق من الطائفية العمياء والتعصب القومي البغيض ، وانتزاع حقوقه كاملة .
 


 

free web counter