| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

نجم خطاوي

 

 

 

الثلاثاء 2/9/ 2008

 

زهير عمران
شهيد السماوة والكوت

نجم خطاوي

لقد تأثرت كثيرا وأنا أقرأ مقالة يوسف أبو الفوز, صديقي ورفيقي في الكفاح أيام الجبال في كردستان (هواجس شخصية حول قضية عامة ). وهي في الحقيقة هواجس وأحاسيس حقيقية يتقاسمها كل أولئك الذين تفانوا في الكفاح ضد الغول الكبير, الذي ولى مقبورا, وكل من تعذب, وذاق مآسي و أحزان الصبر الأسطوري لسنوات تسلط البعث.
لقد كان يوسف ينزف وهو يسطر كلماته عن المشاهد الدراماتيكية الـتي مرت في مخيلة زوجته, بنت مدينة حلبجة, وهي تشاهد الموت في مدينتها, وكيف يحصد الجيران والأحبة.
وكان الأستاذ زهير كاظم عبود, يكتب سطوره أيضا ( تحدث لها أكثر يا يوسف ) بمرارة وألم الإنسان العراقي الذي كانت الأحزان والخيبات ملاصقة له في طفولته وفتوته, و حتى في بلوغه, وكأنها صارت للأسف مصيره.
كان العام 1974, وكنت يومها طالبا في مدرسة إعدادية الكوت. وهذه الثانوية معروفة بنشاط طلابها العاملين في صفوف اتحاد الطلبة العام, والذي تعدى حدود المدرسة, ليشمل المدينة وناسها, وصار أغلبهم لاحقا شيوعيين ينشطون في صفوف الحزب الشيوعي العراقي.
وبسبب صغر المدينة وتعارف العائلات ما بينها في الغالب, فأن القادم الجديد يثير بكل تأكيد الفضول والسؤال. وقد حدث هذا بالضبط للطالب الغريب (زهير) القادم من السماوة.
لقد ظن البعض بأن والده قد قدم للعمل في دائرة من دوائر الحكومة التي تكثر في المدينة, وقد صحب عائلته معه, كما يفعل العديد من الموظفين, لكن سرعان ما تبين بأن الأمر ليس كذلك, وأن القادم يخفي في تركه لمدينته السماوة سرا.
لقد أجبره المجرمون على مغادرة مدينة السماوة, ونفوه إلى مدينة الكوت, ظنا منهم بأنهم سيتخلصون من داعية وطني وثوري, وقد خاب ظنهم.
في الكوت سرعان ما صار زهير صديقا لعشرات الطلبة والناس, وقد جهد وبمثابرة وحرص لتوطيد تنظيمات اتحاد الطلبة, وكان يشغل بشرف عضوية هيئة المدينة القيادية.
وفضلا عن مواهبه الثورية, فقد بزغت قدراته في الرياضة, ولعب ضمن منتخب المحافظة المدرسي لكرة القدم والسلة, إضافة لهواياته الرياضية الأخرى.
لم يشرفني يومها التعرف بزهير عمران, لقصر فترة وجوده في المدينة, ولوجوده في صف دراسي يسبقني, ولكني كنت أشاهده في المدينة, وفي ملعبها الرياضي, وكانت الضحكة والطرفة والود لا تفارق شخصيته الجذابة, مما جعله بحق موضع احترام وإعجاب طلبة المدينة وأهلها.
ومضت الأيام سريعة, وذهبت للدراسة في جامعة الموصل عام 1975, وقد سبقني زهير للدراسة في بغداد, وعلى ما أذكر, فأني قد التقيت به مرة أو مرتين, في مقهى قرب تمثال الرصافي في بغداد, وكانت مكانا لتجمع شباب مدينة الكوت.
في عام 1979 تركت الوطن بعد عام من التخفي والتشرد, واتجهت لتشيكوسلوفاكيا, وكان زهير قد سبقني للجوء هناك.
وفي مدينة براغ, التقيت به, ورحب بي بحفاوة وود, وقدم لي النصح والمساعدة.
وشاءت الصدفة أن أقضي عام دراسة اللغة التشيكية, في نفس القرية التشيكية الجميلة التي درس فيها زهير( زهرادكي ).
بعد إتمامي عام دراسة اللغة, جئت إلى العاصمة براغ للدراسة, وكان زهير في تلك الفترة كتلة من النشاط والحركة, وسط الطلبة العراقيين, والجالية العربية, والأجنبية.
لقد حاول كسب العديد من المنظمات الطلابية والسياسية لصالح التضامن مع قضية شعبنا ومعاناة الناس داخل الوطن. وكان يمتلك قدرة رائعة على إقامة العلاقات الاجتماعية, وعلى مواصلتها. وتوطدت بجهوده علاقاتنا بعشرات الطلبة الذين كانوا يجهلون قضيتنا.
و لجهوده الطيبة الفضل في إنجاح عشرات الأمسيات السياسية والثقافية التي أقامتها جمعية الطلبة العراقيين في براغ, وكذلك في نشاطات منظمة الحزب الشيوعي العراقي, وكان شيوعيا باسلا وجريئا في تنفيذ مهماته, وبوعي وإخلاص, وقد انتخب بجدارة لعضوية الهيئة القيادية لجمعية الطلبة العراقيين, وكلف بمهمة العلاقات الخارجية فيها.
ويشهد الذين عرفوه عن قرب, أن غرفة نومه في القسم الداخلي, لم تخل يوما من الضيوف.
وقد عملت سوية مع زهير في النشاطات الطلابية, وكنت أشعر بالفرح حين يكون معنا في العمل الطلابي والتضامني.
ورغم جاذبية براغ, وجمالها الأسطوري الذي يغري كثيرا, فأن زهير كان يتشوق إلي للذهاب لمقارعة الذين أذاقوا شعبه ووطنه المرارة, وتم له ذلك, حين أرسله الحزب الشيوعي العراقي إلي جمهورية اليمن الديمقراطية, يومها, للدراسة العسكرية, التي أكملها بنجاح, وصار الرياضي ابن السماوة والكوت ملازما عسكريا.
ويشهد زملاءه من الطلبة كونه كان قدوة للجميع في مبادراته وروحه الرفاقية, وفي سعة روح الفكاهة والطرفة عنده.
في عام 1982 تركت براغ طوعا متجها نحو جبال الوطن, وبعد فترة من وجودي هناك, سمعت بوجوده في مناطق دهوك والموصل, ولم يكن قريبا مني, وكنت أتابع أخباره من الذاهبين والقادمين.
بعد أحداث بشت ئاشان القاسية في أيار 1983, التقيت به في قرية صغيرة في كردستان العراق, على الحدود العراقية الإيرانية, وكان ضمن مجموعة من الأنصار الشيوعيين القادمين من قاطع بهدنان, لنصرة ومؤازرة رفاقهم الأنصار القادمين من بشت ئاشان.
وكان زهير, وقد أصبح اسمه في الأنصار ( ملازم جواد ), كعادته, حيويا متفائلا وجريئا, وقد جلسنا طويلا نتحادث في خيمة صغيرة متذكرين الكوت وشوارعها, وزملاء الدراسة, ولم أكن أعلم بأن لقاءي به سيكون الأخير, إذ لم تمض أيام قليلة, ليودعنا زهير ملونا بدمه صخرات الجبل, مكللا بالفخر والبسالة.

في (الكوت) تموز 2003

حططت رحلي هناك
أبحث عنك
في (مقهى المشروع)
قلت:
لعلي أراك !
أو ربما
يقبل الأصدقاء القدامى
في الأيادي
صحف حمراء
في صندوق الروح
أحلام لم تزل يانعة.............
الوقت عصرا
ملعب المدينة الرياضي
مقفر
ليس كعادته
صبية بالسراويل
الرياضية
يهرولون في فوضى
الساحة أضحت قديمة
أتطلع في الوجوه
التي أنهكتها الحروب
لا أثر
أستدل به
يدلني على مرفأ
يشبه زورقك
أين مضيت يا صاحبي ؟
...............
سأذهب للأصدقاء
للطيبين
سأقتني الورد
أنثره
في ساحة المقر
العريضة
أقبل الباسلين
القدامى
والفتية الجدد
أولئك الذين تناجوا
ساعة الضيق
ولم يركعوا
في الزمان البغيض

وردة لك
وردة للرائعين
الجميلين
لمن فارقنا
وكان أقرب
من رجفة الروح
..............
مفارقة يا زهير
في مدينتنا
لا تباع الزهور
والحدائق خربوها
لا شبكة ولا صياد
لا مطرقة ولا عامل
والساعة بلا أميال
أشجار الكالبتوس العملاقة
بادلوها بالسكراب
والخردة


ملاحظة
- زهير عمران (الملازم جواد), أحد أنصار الحزب الشيوعي العراقي. استشهد في الأول من أيلول1983 في منطقة بشت ئاشان.
- في مدينة الكوت, كانت يوما تماثيل ونصب, منها العامل وبيده المطرقة, وسط المدينة, و الصياد وهو يرمي شبكته, قرب سدة الكوت, و نصب الساعة قرب حديقة الجسر.


 

free web counter