| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

نجم خطاوي

 

 

السبت 22/5/ 2010

 

الشعب والفرج

نجم خطاوي

موقع حارتنا يبعد قليلا عن موقع جامع المدينة الكبير, غير أن منارة الجامع الشاهقة, وسماعاته الكبيرة المنتصبة عند نهايات المئذنة, كانت كافية لإيصال أصوات المؤذنين وقراء الدعاء والحديث.
وتعودنا نحن الأطفال على سماع هذه الأدعية والصلوات,وكانت مواعيدها تذكرنا في وقت المساء, بضرورة الذهاب للبيوت, بعد ساعات اللعب واللهو الطويلة, في دروب الحارة وأزقتها, وعند الظهيرة, بانتهاء دوام مدارسنا الصباحي, وبداية وقت دوام بعد الظهر, كما تذكر أهالينا بمواعيد الصلاة.
وبحكم تكرار استماعنا ,صرنا نحفظ تفاصيل الأذان والأدعية, ونتذكر مواعيدها.
في مساء صيفي,وكنت يومها لم أبلغ العاشرة,هزت سمعي ولأول مرة, كلمات استغاثة,حملتها الريح من مئذنة جامع مدينتنا الكبير ....
يا صاحب الفرج
يا عالي بلا درج
عبدك في شدة
يطلب منك الفرج
ولم تكن هذه الكلمات تشبه الآذان, ولا الأدعية والأحاديث,في نبرة حزن كثيفة, غطت كلمات الألم واللوعة مداخلها ومخارجها,وتعمد القارئ قولها وتكرارها في أوقات متقاربة,أثارت استغرابنا ودهشتنا نحن أطفال الحارة.
هرعت لأمي مستبينا سر كلمات تلك الاستغاثة والدعاء المبهمة,وما كان منها سوى أن احتضنتني مخففة من دهشتي وحيرتي :
- هذه يا ولدي كلمات استغاثة ودعاء ,ترجو الرب مساعدة امرأة من أهل المدينة , تمر ولادتها في حالة عسر وتسبب لها الألم ......
ولم أتماك يومها نفسي وقد أخافني تفاصيل المشهد وقوة المفاجأة, سوى أن أردد في داخلي كلمات الاستغاثة, راجيا لتلك المرأة, ابنة مدينتي, والتي لا اعرف بالتحديد من هي ؟, ووسط أي حارة تتعذب ؟ , أن تمر ولادتها في يسر, وأن ترزق بالمولود الذي تنتظر.

ليلة البارحة تحدثت مع أمي عبر التلفون, وهي تأن وتتوجع ألما طريحة الفراش, مستفسرا عن حالها وحال الدنيا, وأخبار الأهل والوطن. وحين عبرت لها عن حزني وألمي بالذي يشهده الوضع في بلدنا من عراك على الكراسي والمغانم, ورغم البحار والجبال والبلدان التي تبعدني عنها, فقد وصلتني كلماتها بسيطة وواضحة...

- كل شدة وتفرج يا ولدي ......
لا أدري لماذا أعادتني كلماتها صوب أزمنة الطفولة وشوارعها, وبعد أكثر من أربعين عاما, متذكرا كلمات تلك الاستغاثة ومعاني الألم, التي بقيت عالقة كالنقش في ذاكرتي.
ربما سيستدرك سريعا أهل السياسة في العراق, وقبل فوات الأوان, إلى أن مصلحة الوطن والشعب هي أولا, وبعدها تأتي المصالح والكراسي وأثمان النصر....
وربما لم يبق لنا الكثير من الكلام سوى أن نهمس في أذان أهل الجاه والسلطة والسياسة :
- انتبهوا أيها السادة لضمائركم ولمصائر الأوطان, ومع قليلا من التنازل والتواضع والحكمة, وتذكروا, إذ ربما لن يكون غريبا لو عادت كلمات تلك الاستغاثة والألم ثانية لتدوي في سماء مدننا وقرانا....

يا صاحب الفرج
يا عالي بلا درج
الشعب في شدة
يطلب منك الفرج

وتكونوا أنتم ساعتها, لا غيركم, من سبب الشدة والألم لهذا الشعب, في إصراركم على استمرار عسر ولادة حكومة وطنية تحمي الوطن والمواطن.


 

 

free web counter