| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

نبيل عودة

nabiloudeh@gmail.com

 

 

 

الجمعة 8/1/ 2010

 

رسالة شخصية الى رامز جرايسي وعبره الى كل رؤساء السلطات المحلية العربية
 

دعم النهضة الموسيقية - الثقافية في مجتمعنا
طريق لتعزيز المجتمع المدني

نبيل عودة *

وقع بين يدي كراس صادر عن وزارة العلوم والثقافة والرياضة (قسم ادارة الثقافة) يحمل عنوان: "الاجسام الموسيقية في اسرائيل- تلخيص النشاط السنوي" (نيسان 2009).
الكراس كما يطرح نفسه، هو تلخيص سنوي لنشاطات الفرق الموسيقية، التي حققت نجاحات في اسرائيل وخارجها.
الكراس اثار لدي الرغبة اين يقف مجتمعنا العربي داخل اسرائيل، من مجمل ما يستعرضه هذا الكراس وهل يأخذ بعين الاعتبار النهضة الموسيقية الغير مسبوقة في مجتمعنا العربي حيث نشهد منذ عقدين من السنين، مع تأسيس فرقة الموسيقى العربية بادارة الاستاذ سهيل رضوان ، نشاطا مبنيا على قاعدة موسيقية علمية ، بعيدا عن الارتجال ، وبتخطيط وبعد رؤية حضارية اعطت، خلال العقدين الماضيين، نتائج هامة بنشوء الكثير من الفرق الموسيقية الجادة والجوقات الغنائية، بما في ذلك اتجاه مبارك لدراسة الموسيقى الغربية في الاكاديميات الموسيقية المعروفة في اسرائيل، وتأسيس جمعية "اورفيوس" في الناصرة ، التي أصبحت نشاطاتها معلما موسيقيا حضاريا في مجتمعنا ، وانطلق بعض الفنانين الى فضاء العالمية. ويمكننا القول بلا تردد اليوم ان الفن الموسيقي اضحى يحتل الساحة الفنية الثقافية في مجتمعنا، ويمكن اعتباره اليوم الوجه الابرز للنشاط الفني الثقافي في مجتمعنا العربي داخل اسرائيل.
في مدينة الناصرة يمكن الاشارة الى "جمعية تطوير الموسيقى العربية" وفرقتها "فرقة الموسيقى العربية"، وجمعية "اورفيوس" لنشر الثقافة الموسيقية متعددة الحضارات.وبالطبع هناك فرق أخرى لا نغفل عن جهودها .
الكراس المذكور يشمل فقط فرقة الموسيقى العربية.
من المعروف ان فرقة الموسيقى العربية ستحتفل في شهر تشرين الثاني 2010 بمرور عقدين على تأسيسها. هذه الفرقة اضحت معلما هاما في المسيرة الموسيقية للاقلية العربية . قامت على اثرها العديد من الفرق العربية في مختلف ارجاء البلدات العربية متأثرة ومستفيدة من الانجازات التي حققتها فرقة الموسيقى العربية. بالطبع لن اطرح في هذه المقالة ما هي مميزات فرقة الموسيقى العربية لان ما يلفت انتباهي الان اسلوب تعامل المؤسسات العربية الرسمية وغير الرسمية مع هذه النشاطات وكيفية انعكاسها الحضاري الراقي على تشكيل شخصية اجيال المستقبل.
من استعراض الكراس فوجئت بأمرين: اولهما كما ذكرت ان فرقة الموسيقى العربية هي الوحيدة التي يشملها الكراس بين ستة عشر فرقة موسيقية المعترف فيها في اسرائيل. واغفال سائر الفرق الموسيقية والغنائية والتي حققت انجازات كبيرة في مسيرتها الفنية. وثانيهما، وهو الامر المقلق بان فرقة الموسيقى العربية هي الفرقة الوحيدة ، بين الفرق الرسمية حسب الكراس ، المحرومة من دعم السلطة المحلية التي تنشط في اطارها. وأجزم ان الفرق الأخرى أيضا لا تحظى بأي دعم من سلطاتها اللمحلية.. ولا أعني بالدعم تسهيلات بسيطة مثل تقديم قاعة ، او فتح المجال للتمرن .
من المستحيل اليوم في مجتمعنا العربي داخل اسرائيل، مع ما نعانيه من واقع صعب في جميع المجالات، ان لا ننتبه الى اهمية تطوير الوعي الفني والثقافي ، والموسيقى هي حجر اساس في مقياس الرقي الاجتماعي والتربوي لكل مجتمع او مجموعة بشرية. عندما ارى عشرات العازفين الشباب والمشاركين مع فرق محترفة في العزف ، وبعضهم يواصل دراسته الأكاديمية الموسيقية، وبعضهم انهى دراسته الأكاديمية او يواصل لدرجة علمية أعلى ، وأستمع الى الحانهم ، واعجاب الأساتذة والنقاد بما يؤلفون ، أشعر بفخر كبير .. ولكن المعروف ان تعليم الأبن أو الإبنة الفن الموسيقي ، هو أكثر موضوع مكلف ومرهق لميزانية العائلة. واقول هذا عن تجربة ومعرفة . وبالتالي ، ابناء العائلات ميسورة الحال جدا ، هي القادرة على قبول هذا التحدي المالي المرهق.
ولنعد الى موضوعنا....
الكراس مثير للدهشة حقا عبر الكشف عن الاهتمام الذي يوليه المجتمع اليهودي للفن عموما وللموسيقى على وجه الخصوص. الكراس يقول اشياء كثيرة، اهمها ان الرعاية الثقافية والفنية التي يحظى بها الناشئة اليهود تجعلهم يتقدمون ثقافيا وفنيا وتعليميا افضل من الناشئة العرب. لا يمكن ابقاء هذا الموضوع للارتجال فقط او لنشاطات مؤسسة او مؤسسات تعتمد على المبادرات الشخصية والتضحيات الشخصية ، ولا تجد الدعم والرعاية المناسبين من أهم هيئة مسؤولة في مجتمعها – سلطتها المحلية ، التي من المفترض انها تملك رؤية واضحة وواعية لأهمية الفن والثقافة في التربية والتعليم ومستقبل الأبناء.
صحيح ان بعض المسائل تتعلق ايضا بسياسة السلطة التمييزية. ولكن رؤية الصورة الشاملة وغيرتنا على النشء الجديد في مجتمعنا تفرض علينا ان لا نترك هذا الموضوع لحسن نية السلطة وسياساتها . والتي تتجاهل كجزء من سياسة التمييز في التعليم والثقافة أيضا ، اهمية الوعي الفني الموسيقي ايضا لأبناء الأقلية العربية . والمؤسف حقا عدم طرح هذا الموضوع بالحاح على اجندة مؤسساتنا الرسمية وغير الرسمية لوضع نهج حضاري متكامل ارى به جزءا من نضالنا من اجل مستقبل ارقى لمجتمعنا العربي داخل اسرائيل.
نتحدث كثيرا عن المستقبل الذي نريده لشبيبتنا، واراه حديثا بدون فعل. في الواقع نزداد غرقا بمقاهي الارجيلة. نتحدث عن الفجوة التعليمية. الحديث مهما تشعب لن يحقق إغلاق الفجوة بدون عمل دؤوب وبدون تخصيص الميزانيات المناسبة. واضح ان الصورة العامة ترتبط بتخطيط مسبق وسليم للواقع التعليمي والثقافي. ما استهجنه اننا لم نستوعب بعد ما طرحته العديد من الابحاث الحديثة، بان الفن وتنمية المواهب الفنية واللامنهجية بما فيها الموسيقى، ينمي قدرات الطلاب التعليمية والثقافية ويوسع عالمهم الشخصي وادراكهم ووعيهم. ومع ذلك نحن في خمول وجمود ولن تنفع التبريرات اجيال الشباب الجديدة التي لا تجد النوادي ذات النشاطات المناسبة والاهتمام بميولها الثقافية والفنية والعلمية، فتندفع للضياع بلا رقابة في مقاهي الارجيلة والعنف. واذا وجد النادي ، نفتقد للإدارة القادرة على اطلاق النشاط المناسب لكل الأجيال. ومعظم ما يجري أقرب للإرتجال ، واغلاق النشاط على حلقة صغيرة لأسباب اهمها غياب الاعلام المناسب.
انوه ان هدف كتابتي ليس فقط فرقة الموسيقى العربية بصفتها الوحيدة التي شملها الكراس، وبكونها الفرقة التي فتحت الطريق امام النهضه الفنية المباركة في مجتمعنا بجهود شخصية وجماعية مهما كانت تؤمن بقدراتها واستعدادها للتضحية الا ان استمرار ابتعاد الاهتمام الرسمي من مؤسساتنا الرسمية وعلى رأسها السلطات المحلية العربية يعوق هذه النهضة وقد يقود الى شللها.
هل هذا ما تريدونه يا رؤوساء سلطاتنا المحلية؟
الكراس يستعرض مثلا الميزانيات التي تمنح للفرق الموسيقية، استعراضها يبدو بمثابة السخرية السوداء. كل الفرق الموسيقية اليهودية التي تحصل على ميزانيات كبيرة من وزارة العلوم والثقافة تحصل على ميزانيات اضافية كبيرة من سلطاتها المحلية لا تقل احيانا عن قيمة المبلغ الذي تحصل عليه من الوزارة عدا الخدمات المتنوعة الاخرى.
تعالوا نقرأ بعض النماذج:
سيمفونية حيفا ميزانيتها من الوزارة 3 مليون شيكل تشكل 43% من ميزانية الفرقة. تحصل على 3.5 مليون شيكل من البلدية اي 49% من ميزانيتها والباقي تبرعات.
فرقة مشابهه بحجمها ونشاطها لفرقة الموسيقى العربية وتعمل بمجال الموسيقى الشرقية هي "الفرقة الاندلسية" ميزانيتها تقارب 3 مليون شيكل وتحصل على دعم من البلدية يقدر ب- 1.3 مليون شيكل.
فرقة الموسيقى العربية (الفرقة الوحيدة الرسمية في اسرائيل) ميزانيتها 341 الف شيكل وتحصل من بلديتها على صفر . فعدا التمييز الفاضح من الوزارة ، هناك غياب مقلق ، من السلطة المحلية.
لا يمكن تبرير غياب مؤسسة هامة مثل بلدية الناصرة وسائر السلطات المحلية عن دعم النشاط الموسيقي الثقافي الفني بشكل فعال ومباشر. رؤيتي ان هذه قضية وطنية مصيرية ستقرر كيف سيكون مبنى مجتمعنا وانساننا في السنوات القادمة. ولا انسى ان الشعار الانتخابي الذي اوصل الادارة الحالية لبلدية الناصرة كان من اجل مجتمع مدني حضاري.
امل ان تصل الرسالة اولا لرئيس البلدية المهندس رامز جرايسي، وعبره، بصفته رئيس هيئة رؤساء السلطات المحلية العربية الى سائر الرؤساء.
حان الوقت لبحث جاد في دعم النهضة الموسيقية والثقافية في مجتمعنا لاحداث نقلة نوعية تعود بالخير على شبابنا وعلى مجتمعنا وعلى تقدمنا.
لا يمكن استمرار تجاهل الفرق الجادة، وعلى رأسها فرقة الموسيقى العربية التي تعتبر مدرسة موسيقية متنورة، بسجلها التاريخي الفني الباهر منذ تأسست قبل عقدين من الزمان.

 


*  كاتب ، ناقد واعلامي فلسطيني - الناصرة
 



 

free web counter