| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

نبيل عودة

nabiloudeh@gmail.com

 

 

 

الخميس 1/7/ 2010

 

عسر الفهم والرؤية المغلقة المسبقة في نقاش غطاس ابو عيطة

نبيل عودة *

لم أفاجأ بعسر الفهم الذي بات ظاهرة للكثيرين من القومجيين والإسلاميين العرب او بعض مدعي الماركسية عن جهل بمضمونها ، كما برز في ما يسمى " مناقشة لخطاب مثقف من الناصرة " بقلم السيد غطاس أبو عيطة الذي نشر في موقع باريس القدس الذي أنشأه ويديره الكاتب والمفكر الفلسطيني المعروف الدكتور أفنان القاسم. وربما في مواقع أخرى ..
السيد غطاس أبو عيطة ينحى بنفس العقلية التي وجهت لها حرابي مرات عديدة ، منحى نسب مواقف لصاحب المقال،لم ترد على لسانه أو بقلمه ، وذلك عن جهل مريع بفهم المقروء ، ومنحى الوهم الذي يسيطر على بعض الكتاب ، بأن افكارهم ، حتى لو كانت بالية بمفاهيم الفلسفة وعلوم السياسة ، هي عين الحكمة وعين العقل وصلب الوطنية.
بالطبع لا أشكك بوطنية غطاس ابو عيطة، ولا أشكك بألمه الصحيح من الواقع العربي والفلسطيني، حتى لو لم يرد ذكر ذلك في مقاله.
غطاس يناقشني على مقالين لم يحددهما بالأسم . وانا كاتب قادر على الكتابة المتواصلة، ولكني اهتديت الى مقال واحد يحمل عنوانا واضحا (العجرفة والغطرسة حين تصير سياسة دولة !!) ولا أعرف ما هو المقال الثاني لأني نشرت أكثر من عشرة مقالات بعضها باسماء مستعارة.ولا أذكر أي مقال يقصد ، والمشكلة ان القارئ ايضا لن يستطيع متابعة النقاش دون تحديد الموضوع.ويبدو انها طريقة جديدة للتحريض على من لا تتلاءم أفكاره مع التيارات السياسية التي تعوم على سطح المستنقعات العربية. يحدد الهدف ، وما المهم ما دام القارئ لا يتابع ، تطاح تهم الخيانة والصهينة والعمالة ، ويبرز الكاتب ( ابوعيطة في حالتنا ) كاتبا قوميا اسلامويا شيوعيا اصوليا على حساب شخصية نبيل عودة المتزنة والخبيرة بمضامين السياسات الأسرائيلية ، وقضايا المجتمع اليهودي ، بتناقضاتها وقوتها وضعفها ، وذلك رغما عن أنف كل المهرجين.
وبالتالي ، هذا الجهد الذي بذله أبو عيطة ، أشبه بحكاية الإعرابي الذي سرق صرة دراهم ، ثم دخل المسجد ليصلي وكان اسمه موسى، فقرا الإمام من القرآن : " وما تلك بيمينك يا موسى ؟" فقال الإعرابي : " والله انه لساحر " ثم رمى الصرة وهرب!!
تعال الآن نرى "ما بيمينك يا موسى ". وساتناول الجوهر الذي جاء في مقالك ، وليكن القراء حكما ، وساتجاهل كل التفاصيل الأخرى لأنها أضحت تقليدا في الحوار العربي.

الكاتب ( نبيل عودة في حالتنا ) يكتب شيئا ما ، متحاور جاهز (او مكلف ، واقول ذلك عن معرفة وعن تجربة تكررت مرات عدة ) يبحث عن فريسة ليثبت قوميته او اسلامويته ( غطاس أبوعيطة في هذه الحالة ) ، يقرأ مقالا يطرح مواقف عقلانية ، وهذه المواقف العقلانية أشد ألما لمن تسميه عدوا . ووقعها عليه أكثر صعوبة من كل رديحة الشعارات والصياغات العنقودية المتفجرة.. لدى بعض كتاب المقالات العرب .
ان نقدي للفكر السياسي المهترئ ان كان قومجيا او اسلاميا ( حماس نموذجا )أو اسرائيليا يخدم المصلحة الوطنية العظمى لشعبنا ، والتلميح لمشاكل السلطة الفلسطينية ليس هجوما،لأني أرى بالسلطة الفلسطينية ، رغم ألمي مما يجري داخلها، الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني ، ولن اوجه نقدي لها من منطلق رفضي من موقعي داخل اسرائيل ان يفهم موقفي بأنه تشكيك بشرعيتها ، يعود بالفائدة على المحتل. كلنا مع السطلة الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني لإنجاز مرحلة الاستقلال الوطني . وكل نقد او تلميح نقدي ليس هجوما ، بل غيرة على مكانة السلطة وشرعيتها.. ومن الطبيعي أن يغضب ذلك العقل غير العقلاني وأصحاب رؤية الدولة الاسلامية الحمساوية ،بدل دولة فلسطين الدمقراطية .
ليس مهما ما كتب نبيل عودة، المهم الوقوع على حجة للنقاش ، بمقال لا نقاش فيه لأن المتناقش لم يفهم المقروء ..او لم يستوعب قيمة المادة التي نشرت وضرورة جعلها معيارا في الفكر السياسي العربي ، في مواجهة الآلة المشحمة سياسيا للدولة المغتصبة ، او اسرائيل التي لا يحب بعض المتأدلجين ذكر اسمها وكانهم بذلك يلغون وجودها .
أصلا لم أكتب مقالي لأثبت وطنيتي لغطاس او لآخرين ، انما من أجل كشف قضايا غائبة عن السياسة العربية .
قرأت في الشهر الأخير مئات المقالات عن الاعتداء الغاشم الإجرامي على قافلة سفن الحرية. معظمها يخلو من رؤية سياسية بسيطة. وكانت من نوع "عليهم " . هذا ما انتقده أيضا لدى القيادات العربية في اسرائيل التي يتوهم غطاس ابو عيطة أنها تقود نضال الجماهير العربية داخل حدود 48 . هكذا يتخيل لأنه يعيش مقطوعا عن واقعنا
!!
هل من كان في أزمة يقود ام تنفض الجماهير من حوله ؟ واقعنا يعاني يا غطاس من انفضاض جماهيري مقلق . القيادة يا غطاس تبرز بدورها الاجتماعي في ادارة المجتمع المدني المفترض انها تقوده وليس بتسييبه وعجزها عن صد الإحتراب الطائفي المستشري ، وعجزها عن وقف تعميق العائلية السياسية ووقف تعميق الطائفية السياسية. ولو قرأت نبيل عودة في مجمل كتاباته لرأيت ان نبيل عودة يكاد يكون اكثر الكتاب العربي داخل اسرائيل فضحا للسياسات والممارسات العنصرية . ( هنا سجل ببعض قليل جدا من مقالاتي الأخيرة التي نشرتها باسمي : " الفاشية لن تتوقف في ام الفحم " ،" الجندي لا يبدل بمارشال " ، " الجنرال يعالون ، نتنياهو بلا رتوش !!" ، " السياسة على النمط الاسرائيلي " ، " المعارضة من الداخل .. لعبة سياسية قديمة لحكومات اسرائيل " ، " انه زمن البول فوق المناضد والبرلمانات والوزراء" ،" لكع بن لكع صار يهوديا " ،" ترانسفيرية جديدة اسمها تسيفي ليفني ؟؟" ، " تنظير عنصري من قاضي مركزية في اسرائيل" ، " قمة في المهزلة...قمة في السادية!!" ، " الوزير أطياس يخاف على الجليل من أصحابه الشرعيين " وغيرها الكثير قبل وبعد ..)
الموضوع الأساسي عزيزي موضوع ابراهام بورغ .. وبقية مواضيعك ضيعت وقتي ولا اريد تضييع وقت القراء ، ولا أعرف ما دخلي بوليد جنبلاط ، وعودته الى الوعي كما تكتب او سقوط وعيه كما أرى ، والموضوع يتعلق بأي معسكر عربي انت الآن . . معسكر المتنورين المناضلين من أجل مجتمع علماني دمقراطي ام المنغلقين المنتفعين من النظم القبلية والعائلية المستبدة ؟

ماذا جاء في نقاشك ؟
تحاسب ابراهام بورغ دون أن تقرأه . أنصحك مثلا ان تقرأ مقالي عن كتابه الممتاز والهام " لننتصر على هتلر" نشر في الإنترنت بتوسع وساقدم لك مقطعا هاما منه .
من أمراض الكتاب العرب امثالك فقرهم النظري والفكري والسياسي، وكأن قراءة العدو جريمة. وكأن اللعب على التناقض داخل المجتمع اليهودي خيانة قومية ، وكأن النضال السياسي لمساواة المواطنين العرب في اسرائيل ، جريمة قومية .
لا يمكن ان ننجز منجزات هامة في نضالنا من أجل المساواة والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني لكنس الاحتلال واقامة دولته الوطنية المستقلة ، دون تجنيد قوى دمقراطية يهودية بطلة بكل معنى الكلمة. وانسان مثل ابراهام بورغ هو نموذج واحد فقط ، وديفيد غروسمان هو نموذج آخر ، وسامي ميخائيل هو نموذج ثالث ، ويوسي سريد هو نموذج رابع ، ودوف حنين هو نموذج خامس ، وهناك مئات النماذج لليهود الانسانيين وغير المترددين في دعم الحق العربي والحل السلمي الا اذا كنت تتوهم بأن الحل يعني اختفاء اسرائيل ، عندها تعال نغلق النقاش ، وننتظر قرار السماء . ولو عدت لتصريحات قادة السلطة وعلى راسهم الرئيس ابو مازن ، لرأيت تقييمهم الكبير لدورنا في تجنيد الأصوات اليهودية في نضالنا .
ما الذي أقلقك من مضمون كلام بورغ ؟
هذا أهمه باختصار كأفضل رد على نقاش سماوي فوقي يفتقد لشروط المنطق البسيطة ،
والإجترار فيه يتغلب على العقل . قال بورغ :"اسرائيل ما تزال تعيش على رؤية شعب بلا أرض يريد ارضا بلا شعب " وهي لا ترى الآخر وتحاول تجاوزه بمناورات مختلفة بخلاف الواقع على الأرض ( ما الخطأ في هذه الجملة يا غطاس ؟)
وقال :" اسرائيل تؤسس علاقاتها مع الآخر على خوف الاسرائيليين من بيئتهم وكأنهم في اوروبا القرن التاسع عشر". ( الا يعتبر ذلك مادة لفهم سيكولوجية المجتمع اليهودي؟)
وانتقد بورغ رئيس الحكومة نتنياهو ورؤساء الحكومات السابقين ، رابين شارون واولمرت واصفا ان استراتيجيتهم كانت خاطئة. منبها لوجود آلام فلسطينية حقيقية تتحمل الصهيونية مسؤولية بعضها وينبغي عدم التنكر لها. ( هل يستحق الشتم لأنه أقر بما تنكره المؤسسة الصهيونية ؟)
واتهم سياسات اسرائيل بانها :" تستغل الصدمة اليهودية من أجل حاجات سياسية، وسياسة اسرائيل اليوم هي خيانة للذاكرة الجماعية اليهودية ولوعدهم أنفسهم بالتعامل مع الآخر بما يختلف عن المعاملات التي لاقوها ".(على ماذا تعترض يا غطاس ؟ )
وقال :" ان اسرائيل يجب ان تكون دولة كل مواطنيها ، ومن غير المعقول ان تهزم صبغتها اليهودية صفتها الدمقراطية".(ربما يجب ان نرفض شعار اسرائيل دولة العرب واليهود كما يقول بورغ ؟ وانها دولة دمقراطية وليست يهودية ؟ هل يتناقض هذا الشعار مع الرؤية الفلسطينية التي تطرحها السلطة والوطنية والجماهير العربية في اسرائيل؟)
وانتقد بحدة سيطرة الفاشية والقومية المتطرفة عل اسرائيل ، وقال :"ينبغي منع احتكار الصدمة ( الكارثة اليهودية ) وعبرتي من الكارثة ان نعمل على عدم تكرارها لا على اليهود ولا على الآخرين ان كان في اسرائيل او دارفور". ( هل حقا نقاشك معي كان ضد هذا الكلام الممتاز ؟ )
وقال :" لا بأس من نشر غسيلنا الوسخ ، فبدون ذلك لا يتم الغسيل ونتعرض لحالة من النتانة والرائحة الكريهة". (ربما هذا يقلقك ؟)
هذا بعض ما جاء وبقية حديثة لا يقل أهمية وعمقا وخدمة للطرح الفلسطيني .
في كتابه : " لننتصر على هتلر" وأنصح القراء بقراءة المقال على الانترنت، للكاتب نبيل عودة تحت عنوان " ابراهام بورغ في حساب عسير مع دولة اسرائيل!!"
كتب: " اسرائيل ،الثورية الفتية المليئة بالحياة ، تحولت الى متحدثة باسم الأموات ،دولة تتحدث باسم كل اؤلئك غير الموجودين ، أكثر مما تتحدث باسم كل اؤلئك الموجودين . واذا كان هذا لا يكفي ، الحرب حولتنا ، بدون ارادتنا ، من ظاهرة شاذة ، لنصبح قاعدة الشواذ نفسه . طريقة حياتنا قتالية . مع الجميع . مع الأصدقاء ومع الأعداء . قتال مع الخارج وقتال مع الداخل ، يمكن القول ، ليس بتوسع أو بشكل مجازي ، انما بحزن وثقة ، ان الاسرائيلي يفهم فقط ... القوة . هذا الوضع بدأ كحالة استعلائية اسرائيلية امام عجز العرب من التغلب علينا في ساحات الحرب ، واستمر كأثبات للكثير جدا من التصرفات والقناعات السياسية ، التي لايمكن قبولها في عالم سوي. كل دولة تحتاج الى قوة بدرجة معقولة. الى جانب القوة تحتاج كل دولة ايضا الى سياسة وقدرة نفسية على لجم القوة . لنا توجد قوة . الكثير من القوة وفقط قوة . لا يوجد لنا أي بديل للقوة ، ولا نملك أي فهم أو ارادة عدا ان نجعل القوة تتكلم .. " و اعطاء جيش الدفاع الاسرائيلي لينتصر " . في نهاية الأمر حدث لنا ما يحدث لكل ممارسي العنف والبلطجية في العالم : شوهنا التوراة وشوهنا مفاهيمنا ولم نعد قادرين نحن انفسنا على فهم أي شيء آخر عدا لغة القوة . حتى على مستوى علاقة الزوج بزوجته ، وعلاقة الانسان بصديقة ، وعلاقة الدولة بمواطنيها ، وعلاقة القادة ببعضهم البعض . ان الدولة التي تعيش على حرابها ، والتي تسجد لأمواتها ، نهايتها ، كما يبدو ، ان تعيش بحالة طوارئ دائمة ، لأن وجهة نظرها أن الجميع نازيون ، كلهم ألمان ، كلهم عرب ، كلهم يكرهوننا ، والعالم ، بطبيعته ، كان دائما ضدنا ... "
حسنا ياغطاس ، سررت بما كتبته لأنه نبهني الى المستوى المحزن لبعض الفكر السائد في عالمنا العربي .
أعرف انك أشطر وأجرأ مني في شتم الكيان الصهيوني ، والتهديد بابادة هذا الكيان ،وانا لا أجرؤ على مثل كلامك البطولي ، ولكن مواقفك ، ومواقف الأبطال القومجيين جرت المصائب على شعبنا .
مواقفي هنا داخل اسرائيل احاسب عليها بقسوة ، وقد دفعت الحساب العسير ولم يعد ما أخاف من دفعه. لم يعد بالعمر قدر ما مضى. اريد ان ارى نقدك لواقع دولتك العربية الفاسدة.. هنا تبرز بطولتك وليس العنعنة والتلويح بالحراب والصراخ عليهم وأنت في قصور أصحاب الفخامة و الجلالة والسعادة.

شكرا على نقاشك الذي ساعدني في توضيح الصورة للقراء .
 


*  كاتب ، ناقد واعلامي فلسطيني - الناصرة
 



 

free web counter